تقرير: معضلة المياه تضيق الخناق أكثر على سكان عدن

> "الأيام" وكالات:

> ​يكافح اليمنيون بشق الأنفس لتأمين احتياجاتهم من المياه بعدما أرخى التغيير المناخي والصراعات السياسية بظلال قاتمة على توفير هذا المورد ليس من أجل إطفاء العطش ولكن للأمن الغذائي أيضا، والتحديات الاقتصادية الحادة الأخرى التي يعاني منها البلد.

وبدا عثمان الكمراني، الذي كان محافظا لعدن في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) قبل الوحدة عام 1990، شديد الاستياء وهو يروي معاناة مدينته من تدهور الخدمات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وصارت منهكة لأعصاب السكان.

ويتحدث لرويترز بحزن إزاء ما اعتبره سلبية وصمتا من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إزاء ما تشهده عدن وسكانها الذين يموتون ببطء تقريبا جراء الحر الشديد وعدم توافر المياه.

وتدهور الوضع في عدن، مقر الحكومة المدعومة من السعودية، وجنوب اليمن على وجه الخصوص منذ أن تسببت هجمات للحوثيين بطائرات مسيرة في وقف تصدير النفط عام 2022، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في البلاد.

وباتت أزمة المياه جزءا من حياة سكان عدن من جراء الانقطاعات المتواصلة لساعات طوال وأحيانا لأيام متسببة بأزمة حقيقية للسكان.

ويقول الكمراني “إلى عام 1994 كانت المياه تصل إلى كافة المنازل في عدن أثناء ساعات اليوم، والسبب يعود لوجود دولة ومؤسسات تخطط وتوفر الخدمات الأساسية، لكن بسبب الفساد والصراعات السياسية عجزت الحكومة الحالية عن تقديم الخدمات”.

وأكد أن من الضروري أن تحظى عدن باهتمام بالغ كونها مركزا مهما للحركة الاقتصادية والتجارية. وقال “تفتقد اليوم أغلب أحياء المدينة للمياه لأكثر من ثلاثة أيام وفي مناطق عدة انقطع توصيل المياه من المؤسسة لأغلب المنازل”.

وشدد على ضرورة إيجاد حل سريع وعاجل لأزمتي المياه والكهرباء، ويرى أن من المهم إقامة محطة لتحلية مياه البحر لتلبية جزء من احتياجات المواطنين وبشكل عاجل.

وحذرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من نفاد الموارد المائية في اليمن خلال السنوات الست القادمة، في ظل الاستنزاف العشوائي للمياه الجوفية في جميع أنحاء هذا البلد المصنف كإحدى أفقر الدول العربية.

وقالت فاو في تقرير نُشر أواخر مارس الماضي إن “في جميع أنحاء اليمن، يتم استنزاف المياه الجوفية بمعدل ضعف معدل تجديدها، ووفقا لمعدل الاستخراج الحالي، فإنه بحلول عام 2030 سيتم استنفاد أحواض المياه في البلاد”.

وحذر التقرير من أن الاستمرار في استخدام موارد المياه الجوفية بشكل عشوائي، سيكون كارثيا بالنسبة لبلد يعمل 70 في المئة من المجتمع الريفي فيه بالزراعة، كما ستضيع أجندة التحول في مجال الغذاء والزراعة مع استنفاد الموارد المائية في البلاد.

وذكر البنك الدولي في تقرير نُشر في وقت سابق هذا الشهر أن “الوصول إلى المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية في اليمن أصبح غير متاح وأكثر محدودية منذ بداية الحرب، رغم بعض المكاسب التي تحققت قبل بدء الصراع مباشرة”.

وأضاف في تقرير تحت عنوان “تقييم الفقر والمساواة في اليمن 2024” أن “إمكانية الحصول على الكهرباء من خلال الشبكة العامة تدهورت بشكل كبير، ولهذا تم ربط 15 في المئة من اليمنيين بالشبكة في عام 2023، مقارنة بنسبة 78 في المئة في عام 2014”.

وحذر البنك الدولي من أزمة توفير مياه الشرب قائلا إنها “ستكون من أكبر المشكلات التي سيواجهها اليمن خلال السنوات المقبلة”.

كما أكد أن الملايين من اليمنيين ليس بوسعهم الحصول على مياه الشرب المأمونة، لاسيما أن الوصول إلى مياه الشرب النظيفة محدود في معظم المجتمعات باليمن وباهظ التكلفة إن وجِدت.

وأعاقت الحرب المتشعبة التي دخلت عامها العاشر الاقتصاد اليمني وقسمت البلاد وبات الحوثيون يسيطرون على أغلب المراكز العمرانية الكبرى، فيما تقول الأمم المتحدة إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم.

وأصبح يتحتم على المواطن السهر حتى ساعات الفجر الأولى بجانب الصنبور كي يحصل على ما يسد به عطشه كل ثلاثة أيام في الأسبوع، أو اقتطاع قيمة (بوزة وايت ماء) من ميزانية معيشة أسرته وقوت أولاده.

وعبّرت الخمسينية جميلة عمر عن أسفها لحالة التردي التي وصلت إليها خدمة المياه في الكثير من الأحياء، وهو ما يتسبب في إرباك حياة المواطنين مع الاستعداد لاستقبال صيف ساخن مثل كل عام وتدهور خدمة الكهرباء، ما يزيد تعقيد أوضاعهم.

وقالت لرويترز إن “الماء يصل بيتها لساعات خلال ثلاثة أيام وينقطع بقية أيام الأسبوع”.

أما علي علوي الذي يعيش بمنطقة ريمي بمديرية المنصورة، فقال إن “أزمة المياه وانقطاعها المستمر مشكلة يومية، فمؤسسة المياه تقوم بتوسعات وتقدم خدمات على حساب الشبكة القديمة التابعة لنا، دون عمل خطوط مد أنابيب جديدة رئيسية”.

وأوضح أن هذا الأمر “يعود بالعبء علينا نحن أصحاب الخطوط القديمة وغير ذلك من الصعوبات”.

وقال حسين صالح علي أحد شباب منطقة الممدارة شرق عدن لرويترز إن “مشكلة المياه زادت في الآونة الأخيرة وألقت بظلالها على غالبية سكان عدن وزادت من أوجاعهم ومعاناتهم”. وأضاف “أصبحنا نضيع وقتنا وعملنا من أجل الحصول على لترات من الماء نسد بها عطشنا، والغريب أن مؤسسة المياه مستمرة بإصدار فواتير المياه وبمبالغ مبالغ فيها”.

ويؤكد محمد أحمد، أحد سكان منطقة خور مكسر شرق عدن، أن منذ بداية العام الحالي تدهورت خدمة المياه بشكل كبير وزادت مؤخرا. وقال “المياه تأتي مرة في الأسبوع، ويزيد من مخاوفنا أن هذا التردي ترافق مع ظهور وباء الكوليرا، وهو ما زاد المخاوف من شراء المياه من الآبار لأنه لا ضمانات لنظافتها”.

ويحمّل سكان عدن والمحافظات المجاورة مثل أبين ولحج المجلس الرئاسي والحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، مسؤولية تفشي الفساد وسوء إدارة المناطق الخاضعة لها، مما أدى إلى تردي وغياب الخدمات الأساسية، خاصة الماء والكهرباء وتدهور العملة.

وتساءلت أم علاء وهي أم لخمسة أبناء “إلى متى هذا التسيب واللامبالاة بأرواح الناس؟ الناس يموتون عطشا وعذابا والسبب المياه والكهرباء… لقد طفح الكيل”. وطالبت برحيل رئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المشتركة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.

وقال باسم فضل الشعبي، رئيس مركز مسارات للإستراتيجيا والإعلام، “في عدن أزمة مركبة تتفرع إلى أزمات ولها أسباب وعنوانها هو الفساد والإهمال، لذا نطالب الحكومة بالعمل على تخفيف معاناة المواطنين خصوصا وهم على عتبات فصل الصيف القائظ”.

وأكد أن ثمة مشكلة وأزمة في خدمتي المياه والكهرباء مستدامة بسبب الفساد في مشاريع من جانب، وبسبب انقطاعات التيار الكهربائي الذي يقود إلى توقف المضخات عن ضخ المياه المتوفرة لمنازل المواطنين من جانب آخر.

أما عبدالحكيم سعيد الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة عدن فعبّر بسخط عن الوضعية قائلا “سئمنا من الاتهامات المتبادلة وتبادل الأدوار بين الحكومة والانتقالي وتحميل كل من الآخر ما آلت إليه الأوضاع من تردي وانهيار الخدمات، والضحية في الأخير المواطنون”. وأضاف “هناك ابتزاز سياسي وتوظيف رخيص لمعاناة المواطنين وتجييرها لمنافع شخصية وأهداف سياسية تصل أحيانا إلى حد السذاجة والاستخفاف بعقول الناس”.

وتشير تقارير وبيانات رسمية حديثة إلى أن عدن تحصل على إمداداتها من المياه للاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية من 3 حقول مياه جوفية رئيسية. وقال مسؤول في مؤسسة المياه بعدن لرويترز، طالبا عدم ذكر اسمه، إن إجمالي إنتاج الآبار الثلاثة من المياه العذبة لتزويد المدينة يصل إلى نحو 43.2 مليون متر مكعب سنويا بواقع 120 ألف متر مكعب يوميا.

وتمثل هذه الكمية نصف احتياجات سكان المدينة التي شهدت توسعا عمرانيا كبيرا واحتضان عدن لنحو ثلاثة ملايين شخص منهم نازحون. وأوضح المسؤول أن قدرة الحقول الثلاثة لا تستطيع إنتاج أكثر مما تنتجه حاليا نظرا لقدم الآبار وتهالكها وانخفاض منسوب المياه في باطن الأرض.

وحذر من أن مشكلة تناقص المياه في عدن ستكون أكبر وأشد في الصيف مما هو عليه الحال الآن، بسبب تزايد الاستهلاك واحتياجات المواطنين للمياه أكثر مع ارتفاع درجة الحرارة.

وفي ما يتعلق بمشاريع تحلية مياه البحر الأحمر، أفاد توفيق الشرجبي وزير المياه بأن الوزارة استكملت الإجراءات الفنية وسيتم طرح المناقصة لبدء تنفيذ مشروع إنشاء محطة تحلية لمياه البحر في عدن لمواجهة الاحتياجات المتنامية للمياه العذبة.

وبحسب الشرجبي، تبلغ طاقة إنتاج المحطة البالغة تكلفة تشييدها 10 ملايين دولار بتمويل سعودي، 3.6 مليون متر مكعب. وأشار إلى أهمية هذا المشروع الذي يمثل نوعا من الحل لمشكلة عجز إمدادات المياه في عدن، وهو مشروع تمهيدي لتوطين التحلية في عدن ومن ثم باقي المدن الساحلية.

وانطلاقا من هذا الواقع أكد أن الحكومة تسعى للبدء في توطين تكنولوجيا التحلية في ظل شح مصادر المياه والتأثير الكبير للسحب من الأحواض الجوفية، بالإضافة إلى تأثير التغير المناخي على المصادر التي تتطلب الاعتماد على الموارد غير التقليدية ومنها التحلية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى