​توترات إقليمية وتداعيات دولية

> د. إكرام بدرالدين*:

>
تعتبر منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية كبيرة بالنسبة للعالم، سواء من الناحية الاقتصادية، أو السياسية أو الاستراتيجية أو الأمنية، وسواء كان ذلك في أوقات السلم أو الصدامات المسلحة، حيث تقع في ملتقى خطوط التجارة الدولية، وتوجد بها منابع البترول وتربط بين ثلاث قارات وتحظى على الدوام باهتمام القوى الدولية المؤثرة، ولذلك فإن كل ما يشهده الإقليم من قضايا وتوترات يكون له آثاره وتداعياته على العالم ككل، سواء في عقود سابقة، أو في الآونة الراهنة ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى بعض القضايا المعبرة عن ذلك:

أولا القضية الفلسطينية: وهي من أخطر القضايا في إقليم الشرق الأوسط وترجع إلى أكثر من سبعة عقود من الزمان وانشغل بها العالم ودول الإقليم، والمنظمة الدولية، والمنظمات الإقليمية، وكانت السبب في اشتعال العديد من الحروب في المنطقة فى أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، كما تباينت مواقف القوى والأطراف الدولية من هذه القضية وخصوصًا في ظل ما شهده النظام الدولي من تغيرات وتطورات من نظام الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية، إضافة إلى وجود مؤشرات جديدة تدفع نحو بداية العودة إلى التعددية مرة أخرى، وينعكس كل ذلك على القضية الفلسطينية ويتأثر بها كما تتأثر مواقف الأطراف الفاعلة في العالم بهذه القضية، وتأتى الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على غزة من أكثر من نصف عام لتضيف أبعادًا جديدة إلى هذه التوترات المؤثرة على العالم، حيث إن الخطورة في ذلك، وهو حذرت منه القيادة المصرية منذ بداية الأزمة، هي أن يمتد هذا النزاع إلى أطراف أخرى تنجرف فيه غير الطرفين المباشرين، أي إسرائيل وحماس، وقد تكون هذه الأطراف إقليمية أو دولية، ويعتبر ذلك هو الاحتمال الأسوأ في حالة حدوثه والذى يعبر بوضوح عن أثر المشكلات والتوترات في إقليم الشرق الأوسط على العالم ككل وما يمكن أن تحدثه هذه التوترات من تداعيات دولية، وخصوصًا أنه يمكن النظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها من أقدم القضايا الدولية من حيث الزمن ومن أكثرها تعقيدا، فهي ترجع إلى أكثر من سبعة عقود إذا اعتبرنا أن البداية هي عام 1948 أي تاريخ إقامة دولة إسرائيل، بينما ترجع إلى أكثر من قرن من الزمان إذا كانت نقطة البداية هي وعد بلفور في 1917 وترجع إلى 128 سنة اذا كنت نقطة البداية هي المؤتمر الصهيوني الأول في عام 1897، ورغم طول الفترة الزمنية لم يتم التوصل إلى حل نهائي لهذه القضية والتي تتداخل فيها الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والداخلية والإقليمية والدولية.

ثانيا: الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران: حيث شهدت السنوات الماضية وفى حالات مختلفة تصاعدًا في التوتر بين الولايات المتحدة وإيران وذلك من خلال ما يشبه الحرب بالوكالة، أي حرب غير مباشرة، حيث لجأت إيران إلى استخدام بعض الجماعات والميليشيات التابعة لها دون الوصول إلى مجابهة مباشرة ويمكن الإشارة إلى الحوثيين في اليمن وما قاموا به من استهداف للسفن في البحر الأحمر وتأثير ذلك على التجارة الدولية، وحركة الملاحة في البحر الأحمر، مما يمثل تهديدًا لأحد المرتكزات المهمة للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وهو حرية المرور في الممرات البحرية في المنطقة، وترتب على ذلك توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، إضافة إلى قصف لبعض الجماعات والميليشيات التي تدعمها إيران في سوريا والعراق، مما يندرج في إطار المجابهات غير المباشرة أو الحرب بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة، كما ظهرت في السنوات السابقة توترات بين الولايات المتحدة وإيران نتيجة للبرنامج النووي الإيراني الذى أعلنت إيران أنه للاستخدامات السلمية، بينما كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تتخوفان من احتمال استخدامه في الأغراض العسكرية، ويعكس ذلك ما تمثله التوترات في الإقليم من تداعيات دولية.

ثالثا: المواجهات بين إسرائيل وإيران: تعتبر إسرائيل وإيران من الدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة، وتتسم العلاقات بينهما بدرجة من التوتر لأسباب متعددة، منها تخوف إسرائيل من المفاعل النووي الإيراني، وتأييد إيران لحقوق الشعب الفلسطيني، علاوة على حدوث مجابهات بين إسرائيل وحزب الله في لبنان الذى تعتبره إسرائيل إحدى الأذرع الإيرانية، وتكررت الصدامات بين إسرائيل وحزب الله في السنوات السابقة وفى الآونة الراهنة، كما وصلت التوترات بين إيران وإسرائيل إلى منعطف خطير عقب قيام إسرائيل مؤخرا بقصف مقر تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى قتل عدد من المسؤولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين، وقيام إيران بالرد من خلال توجيه أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة، والصواريخ إلى إسرائيل، ورغم أن هذه القذائف تم تدمير 99 % منها قبل الوصول إلى إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، إلا أنه لا يبقى للأمر خطورته وأهميته التي تتمثل في إمكانية وصول التهديد الإيراني إلى داخل إسرائيل، مما أدى إلى مزيد من التوتر في المنطقة وخصوصًا مع وجود قوات وقواعد أمريكية موجودة في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى ما أعلنته إسرائيل من وجود تحالف دولي مؤيد لها ضد إيران، فضلًا عن عقد مجلس الأمن لجلسة طارئة بناء على طلب من الولايات المتحدة.

وتوضح هذه النماذج السابقة خطورة التوترات التي تحدث في الشرق الأوسط وما تحدثه من آثار تتعدى الإقليم وبحيث يكون لها آثارها وتداعياتها الدولية الخطيرة.
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "الأهرام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى