اليمن... هل الانفصال ممكن؟ وهل هو حل؟
يعيش اليمن حاضراً قلقاً دامياً، ويلوح أمامه مستقبل غامض، ومع مرور الوقت تترسخ على الأرض قوى هي أقرب إلى سلطات أمر واقع منها إلى مؤسسات منضبطة تمارس مهمات دستورية ووطنية.
وما من شك في أن بدايات ملامح الانهيار طفت على السطح في 21 سبتمبر 2014 حين استغلت جماعة "أنصار الله" الحوثية حال الفوضى السياسية والانشقاقات التي سادت البلاد مع انطلاق الاحتجاجات على حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ثم تنازله عن موقع الرئيس إلى نائبه عبد ربه منصور هادي.
يضاف إلى ذلك الفترة بين بدايات ما يسمى بحروب صعدة (2004 - 2010) التي شكلت علامة فارقة في تاريخ اليمن الحديث لأنها حسمت نتيجة المعارك فعلياً لمصلحة جماعة مسلحة لا تعترف بالدستور القائم ولا قواعد العمل السياسي المتعارف عليه، وبين ضعف المؤسسات في مواجهة تمرد عسكري.
- استخدام القوة
ثم هناك الحدث الرابع الذي سيشكل ملامح اليمن القادم وهو آثار الحرب الشاملة التي بدأت في سبتمبر 2014، حين قررت "الجماعة" الحوثية الانطلاق خارج بيئتها الزيدية الحاضنة ووصولهم إلى الحديدة وشبوة وعدن وتعز، بعد إحكام سيطرتهم على المساحة الجغرافية الممتدة من صعدة في الشمال على الحدود مع المملكة العربية السعودية وصولاً إلى صنعاء وذمار.
هذه الأحداث تلقي بظلال من الشكوك حول الوصول إلى بلد مستقر وإمكانية بقائه موحداً، أو التوصل إلى توافق مقنع للجميع، أو الغالبية، حول نموذج قابل للحياة بين مناطقه. فهل ذلك ممكن؟
- الخطاب الحوثي
من المهم ملاحظة أن الثقة والتواصل بين الأطياف اليمنية (جغرافياً ومذهبياً) بلغا أدنى منسوب في تاريخه المعاصر، فقد أصابت ممارسات جماعة "أنصار الله" الحوثية قواعد التعايش الاجتماعي في مقتل، وفجرت – إلى جانب تفجير البيوت - مخزوناً من الأحقاد التي سعت القيادات التاريخية اليمنية إلى التعامل معها بحكمة وصبر وتعال.
من العجيب، مثلاً، أن يظهر من ينفي وجود مذهب زيدي ووصمه بأقذع الألفاظ إلى حد نفي جنسية أتباعه على رغم أن اليمنيين تعايشوا مع الأمر منذ قرون على وجود مذهبين شافعي وزيدي. ويبدو الأمر حملة منظمة لتغيير المفاهيم التي يعرفها اليمنيون من قرون.
وتمكن الخطاب الحوثي وخطاب خصومهم من غرس جذور فتنة اجتماعية ستحتاج عقوداً وأجيالاً لتفكيك تعقيداتها. لكن أسوأ النتائج هو ما تراكم في المحافظات الجنوبية من دعوات إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في 21 مايو 1990، وتنامي التحريض فيها ضد كل ما هو شمالي.
- تدهور الوضع
هكذا تحولت المطالبات القانونية التي تباطأت السلطة في معالجتها إلى دعوة بدأت خافتة وخجولة تدعو إلى فك الارتباط واستعادة الدولة التي كانت قائمة في 21 مايو 1990. ومرة أخرى تكررت لعبة الاحتواء من دون وضع معالجات جادة تتناول جذور الأزمة التي كان من الممكن تناولها بحلول سياسية وقانونية.
إن رفع سقف الدعوات وتأجيج المشاعر واستخدام الشعارات الشعبوية، كل هذا لن يسهم في إيجاد مناخ لحوار بين كل الأطراف اليمنية لطرح هذه القضية على بساط النقاش. وعلى المجلس الانتقالي الجنوبي أولاً أن يقدم رؤيته المتكاملة للحل الذي يظنه الأسلم والأجدر. ما أقصده هنا هو كيف يرى "فك الارتباط/ استعادة الدولة" من وجهة نظر قانونية مع الأخذ في الاعتبار أن معه في اليمن القائم اليوم شركاء فعليين في الرقعة الجغرافية، وعليه إدراك أن المسألة ليست رغبة يجب تلبيتها في الوقت الذي يحدده، بل يجب توافر شروط وطنية وإقليمية ودولية بعيداً من الشطط والمزايدات.
لن يعيش اليمن، جنوباً وشمالاً، في استقرار ولن ينعم بتنمية وازدهار ما لم تتدارك جماعة الحوثي في صنعاء أن الحكم لن يستقر لها بالقوة، وعليها أن تفهم أن ما تفعله سيفاقم الكراهية والأحقاد. وعلى المجلس الانتقالي أن يعي أن له شركاء في الشمال والجنوب يمكن أن يكونوا عوناً له في تحقيق مبتغاه وهذا أمر يستوجب منه التعامل العاقل والانفتاح الرزين مع معارضيه ومنتقديه.
اندبندنت عربية