إن انتماء الإنسان إلى أرضه ومجتمعه ليس حالة اختيار من اختيارات الحياة المتعددة، وإنما هو اختيار ثابت وانتماء مصيري يجد فيه الإنسان كل جذوره، ويرى فيه ماضيه وحاضره ومستقبله، ما قيمة أن نصمت ونموت في هدوء دون ضجيج في الوقت الذي ينبغي فيه أن نفصح بأعلى صوتنا ونقول كلمتنا، وما قيمة السيف إذا صدأ في غمده ولم يسحب في اللحظة المناسبة دفاعًا عن شرفنا وكرامتنا وعزتنا.
عقد من الزمن مر على حضرموت ولم نرَ أي تحسن بأوضاع شعبنا على العكس كانت الفترة مليئة بالانتكاسات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر ولم تشهد مثلها في تاريخ حضرموت على وجه الخصوص والوطن عامة، نعيد ونكرر أن حضرموت ليست ملكية تابعة لأي جهة أو طرف بل هي عمق الدولة الاستراتيجي، وليست مقطورة الكنز التي بدون صاحب تنتظر الفائز بصراع الجهات ليتوج بها ويقودها إلى قصره، فحضرموت هي شعب وأرض وكيان يريد أن يعيش بعزة وكرامة وينعم بخيراته مثل بقية شعوب المنطقة، وأما النظرة الدونية والاستصغار للحضارم وكأننا مال سائب وشعب ينقاد ولا يقود هذه نظرة خاطئة جدًا وقاصرة بكافة أبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية ومن يرى غير ذلك فهو واهم.
ولا خير في دولة صنعنا لها الحياه والبقاء من ثروات وخيرات أرضنا، ومقابل ذلك المعروف والإحسان صنعت لنا الخذلان والكوارث والحرمان، فقد حرمت حضرموت من أبسط مقومات الحياة الكريمة ناهيك عن حرمانها بالشراكة في القرار السياسي والتمثيل الحقيقي بالوزارات الحكومية والوظائف السيادية بالدولة، وكذا الكليات العسكرية وتأهيل القادة والأركان لم تحظى حضرموت بنصيبها العادل والمستحق، بل تم تقاسم تلك الوظائف العسكرية الهامة بين الأطراف بعيدًا عن حضرموت وكوادرها المؤهلة.
رسالتي للنخب الحضرمية.. أن الصمت عن الحقوق لا ينجيك من السرقة وبدل أن نشتم الظلام علينا إصلاح المصباح، وفي مفهوم العالم الرأسمالي أن من يمتلك الثروة والمال يمتلك القرار والسيادة على أرضه، لذا ادعوا جميع الحضارم وعلى رأسهم النخب السياسية والدبلوماسية والكوادر العسكرية ومنظمات مجتمع مدني وكافة ألوان الطيف الحضرمي والخبرات الذين تزخر بهم حضرموت، إلى توحيد الكلمة ورص الصفوف وتغليب مصلحة حضرموت فوق كل اعتبار، والالتفات بعين المسؤولية لشعبنا المنهك الذي يصارع عن لقمة العيش من أجل البقاء فقط وليس الترف، يجب الآن أن تتظافر الجهود أكثر من أي وقت مضى وتتوجه البوصلة الحضرمية بنوايا صادقة لانتزاع حقوقنا كاملة غير منقوصة، وتقول حضرموت كلمتها المصيرية وجعل حضرموت رقمًا صعبًا في أي معادلة سياسية قادمة تشمل الوطن ، ونعمل برؤية استراتيجية ومهنية على وضع الأسس على أرضية صلبة للبدء في بناء أولى اللبنات الحقيقية لحاضر أبناءنا ومستقبل أجيالنا.
وختاما.. من لم يدافع عن حقوق شعبه لا تنتظر منه أن يحمي أرضه أبدًا إذا اشتد النزال، ولن نسمح لأنفسنا أن تستباح أرضنا عاصمة الثروات والخيرات ومواطنيها يكابدون الفقر والجوع وانهيار الخدمات المعيشية على مرأى ومسمع من الجميع، فنحن أصحاب حق لا نريد شيئًا ملطخًا بالرجاء مهما كان فليكن حتى ولو كانت الحياة.
* لواء ركن طيار
مستشار وزير الدفاع