ما جرى ويجري في سوريا يمكن استحضاره من كتاب "القوقعة" وهو تجربة قبل داعش والنصرة وقبل الحشد وحزب الله وحراس المراقد.. كتب تجربته في السجون "مصطفى خليفة" صدرت في بيروت عام 1988م وهو موجود على الشبكة العنكبوتية المؤلف شاب مسيحي سوري ألقت عليه القبض مخابرات النظام وهو قادم من فرنسا بعد إكمال تعليمه في الإخراج السينمائي وتهمته أن في جلسة انشراح تهكّم على رأس الأسد وصادف عودته "إبادة حماة" السورية عام 1982م بسرايا رفعت الأسد التي ألقته في غياهب سجونها فكان شاهدا على بشاعة تعذيبها وظلمها.
المؤلف ليس حركيا إسلاميا، بل ليس مسلما إنما مسيحي سوري سجّل الأهوال في زنازين بعث نصيرية الأسد مع أن طرق مليشيات الهالك قاسم سليماني والمهندس وزعران حزب الله أضافت إضافات وابتدعت طرقا إبليسية وأساليب أكثر وحشية من "سرايا رفعت" في الثمانينات، الكتاب سيضع أي قارئ على جزء بسيط من تفاصيل ما يجري في سجون النصيرية لمن ما جربوا أن يروا زوجاتهم وبناتهم تُغتصب أمامهم، هذا موجود والسوريون أدرى بأوجاعهم وألآمهم وقهرهم وعذابهم هم وحدهم من يقدرون على تحمّل مالا نعلمه وهم أدرى بما عانوا ويعانون منه.
قد تكون جبهة النصرة خليط من إخوانج وسرورية وغيرها وقد تكون لهم تحالفاتهم وولاءاتهم الإقليمية والدولية لكن لشعب سوريا قضية والإنسانية لا تتجزأ والدماء والحرمات تتكافى والإنسان هو الإنسان والمؤكد لكل ذي بصيرة أن الضحايا قرابة مليون أو تفوق (في إحصائية للأمم المتحدة أنهم نصف مليون قتيل عام 2016) وقرابة عشرة ملايين نازح فلا يُعقَل أنهم إخوانج ولا سرورية وقاعدة وداعش ولو كانوا كذلك فإنها أرقام ستجتاح الشرق الأوسط ولن يوقفها أحد، بل الأغلب الأعم مواطنون سوريون لهم حقوق سياسية وحقوقية بل حق الحياة في وطنهم فجرّفهم النظام من مدنهم وقراهم بالتعاون مع المليشيات الطائفية التي استجلبها من خارج سوريا حتى أن الهالك نصر اللات نصحهم ساخرا في خطاب له بأن "البحر أمامهم"، فألغى عليهم حق الحياة في بلادهم وأن يركبوا زوارق الهجرة واللجوء وأهوال البحار بحثا عن أرض تقلّهم وسماء تظلهم فألقت البحار بجثث أطفالهم على الشواطئ ولا بواكي لهم.
صرح فاوق الشرع "بأن الثورة السورية كانت سلمية طيلة الثمانية الأشهر الأولى" وهي شهادة من جسم النظام، لكن جرى تطييف البلاد وتشييعها وتدنيس الأضرحة والمساجد حتى أنهم نبشوا قبور بعض الصحابة وتعرضت المناطق لاستلاب ثقافي مذهبي كل هذا كان كفيلا بإثارة موجة مضادة متدينة لذا لا يحق لأنصار إيران ونهجها الطائفي التعليق بأن الحرب الآن طائفية فهم من صنع التطييف وغذّاه وموّنه ونشره وملشنه.
أعتقد أن ما بعد حلب لن يكون مثل ما قبلها وأن المنظمات المقاتلة تحت أي مسمى لن تحكم مستقبلا فلا نغالط أنفسنا فاللعبة كبيرة جدا ودحر المليشيا يفرح لكن سرعة الانسحابات تثير التساؤل بأن العامل الخارجي دوليا وإقليميا سيكون مؤثرا مهما في التغيير وأن ما بعد حلب إما سيجلب تقسيم لسوريا أو صنع نظام يلغي معادلة "الأسد أو سنحرق البلد" ومليشياته، ويلغي الجماعات المتطرفة أيضا نظام يتعايش السنة والشيعة والأكراد في دولة مواطنة متساوية، وتمنع تسييس وتحزيب الدين والطائفية.