في عالم السياسة والصراعات، غالبًا ما يكون التوقيت عاملًا حاسمًا في نجاح أو فشل أي تحرك أو تغيير، فالتجارب تثبت أن القادة الذين يختارون اللحظة المناسبة لإحداث التغيير هم من يتركون بصمتهم العميقة في مجرى التاريخ.

من هذا المنطلق، ما فعله الثوار السوريون في الأيام الماضية يُعد مثالًا حيًا ودقيقًا لتلك الفلسفة، في ظل الأوضاع المتغيرة، واستغلالًا للضعف الذي أصاب إيران وحليفها حزب الله، قرر الثوار اتخاذ خطوات جريئة ليتخلصوا من نظام الأسد.

• التوقيت كعامل استراتيجي

إن التوقيت ليس مجرد مصادفة في عالم السياسة، بل هو علم وفن في آنٍ واحد، إذا تقدمت الخطوة قبل أوانها، قد تؤدي إلى الفشل؛ وإذا تأخرت، قد تكون الظروف قد تغيرت بشكل يجعل التحرك عديم الجدوى.

هنا الثوار السوريون أدركوا جيدًا هذه الحقيقة، وقرروا استغلال اللحظة المناسبة لإعادة توجيه الصراع لمصلحتهم ونجحوا في أيام معدودة من إحداث تغيير كبير جدًّا بأقل الأثمان بمقارنة ما جرى مع أحداث شبيهة.

• العوامل المؤثرة

تراجع دور إيران وحزب الله في سوريا لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة لعوامل عدّة، منها العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وكذلك جهود المقاومة السياسية والدبلوماسية للدول العربية التي أضعفت موقف إيران الدُولي وكذا تورط حزب الله في أزمات داخلية بلبنان جعلت منه عدو لجزء كبير من المجتمع اللبناني وكذلك الضربات التي تعرض لها في حربه مع إسرائيل، هذا الضعف النسبي أتاح فرصة للثوار السوريين لاستعادة زمام المبادرة، ولتعزيز موقفهم الميداني ولم يترددوا في مواجهة النظام السوري الذي طغى وتجبر ونخر قياداته العسكرية الفساد وفقدان العقيدة القتالية، حتى في أيام.

• دروس مستفادة

ما حدث في سوريا هو درس مهم لكل حركات الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها الوطنية وتقود مقاومتها وتسعى إلى التغيير حول العالم فهل تتعلم القيادات الجنوبية وتحسن إجادة فهم الظروف المحيطة بظروف قضية شعب الجنوب وتحليل نقاط القوة والضعف لدى الخصوم، واختيار التوقيت المناسب لانتزاع حقوق شعبنا، بعدما أضاعت فرصا عدّة من 2015 و2019م كان يمكن أن تتحول إلى نجاح يقطع الطريق على كل أعداء الجنوب.

الثورات ليست مجرد لحظات عابرة في التاريخ، بل هي عملية مستمرة من التخطيط والتضحية، وما فعله الثوار السوريون يُظهر كيف يمكن أن يكون للصبر، والحنكة، والقدرة على استغلال الفرص دورٌ كبير في تغيير مسار الأحداث.