العرب: إيران تجر وكلائها للتصعيد ضد الدول العربية

> ​«الأيام» العرب:

>  انطوى الهجوم الإيراني العسكري ضد إسرائيل على أهداف عديدة ومتنوعة، بينها رغبة ملحة في تجديد ولاء وفاعلية وكلاء طهران في المنطقة واستعادة صورتها كداعمة للمقاومة خلال مرحلة شهد فيها محورها انتكاسة قد تقود إلى سحب ورقة القضية الفلسطينية من يدها وتحجيم نفوذها الإقليمي.

ولم تُقدم إيران على الخطوة المثيرة للجدل بدافع الثأر وحفظ ماء الوجه فقط، إذ أن الإسرائيليين استهدفوا في السابق منشآت ورموزا إيرانية مؤثرة وقتلوا ثمانية عشر ضابطًا في الحرس الثوري، غير أن الذي جد على الساحة هو التدهور الكبير الذي يعاني منه وكلاء طهران إلى درجة بروز فرضية شطب الحلقة الفلسطينية من محورها.

وبموازاة حرب التدمير التي قوضت الكثير من قدرات حركة حماس في غزة يتراكم الدمار في جنوب لبنان والتهجير المتزايد لسكانه ويتعقد وضع حزب الله محليًا وإقليميًا، علاوة على ما يجري من تطورات غير مواتية في مناطق هيمنة الميليشيات الحوثية في اليمن.

واحتاجت إيران إلى اختراق غير تقليدي لنهجها الذي كان حجر زاوية في إستراتيجيتها السياسية والعسكرية والدينية منذ الثورة الإسلامية، كي تستعيد ثقة الموالين لها في الداخل وتسوقه في أوساط جماهيرها السنية والشيعية المصابة بخيبة أمل جراء ترك أذرع محور المقاومة وحيدة والتخلي عن الفلسطينيين أمام آلة القتل الإسرائيلية الوحشية.

ورأت القيادة الإيرانية أنها إذا لم تتحرك بخطوات مدروسة ومحسوبة جيدًا للحفاظ على ما تبقى من تماسك لمحورها في مواجهة ضربات إسرائيلية وأميركية فسوف تفقد قوة الردع ضد أي هجوم محتمل داخل أراضيها.

ويُعد التصعيد المحسوب خطوة لتخفيف الضغوط عن أذرع طهران المُنهكة وجر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى عدم الدخول في مواجهة مباشرة والتوصل إلى تفاهمات مبنية على إحجامها عن تنفيذ هجمات تضر فعليًا بمصالح تل أبيب الحيوية عبر الإيحاء بأنها قادرة على الإيذاء لكن لن تفعل، ولذلك جاء الهجوم صوريًا، في حين تدفع باتجاه تدهور الأوضاع إقليميًا وعربيًا لمصلحتها.

وتأكيد طهران لنظرية الردع بالتوازي مع توخي عدم الإيذاء يمكن أن يدخلها في تفاهمات مع واشنطن وتل أبيب تشمل ترتيبات مع وكلائها بوصفها من تستطيع ممارسة الضغط عليهم، وهو سياق يخدم محاولاتها لحماية نفوذها، لتصل في نهاية المطاف إلى تعكير أجواء المساحة الإستراتيجية والدبلوماسية التي أقلقتها والخاصة بتوسيع اتفاقيات كامب ديفيد وتطوير اتفاقيات أبراهام وترتيب المصالح العربية والإسرائيلية.

وتعزز العملية العسكرية داخل إسرائيل وما تتوخاه من ردود أفعال ونتائج جهود طهران الرامية إلى توسيع الهيمنة الشيعية في العالم الإسلامي السني، فالعمل المباشر ضد إسرائيل هو بداية لوضع حد للصراع الذي تفاقمت حدته بعد السابع من أكتوبر الماضي واستثماره سياسيًا، والتفرغ وإعطاء الأولوية لتقويض الأنظمة العربية تحت زعم أنها موالية للغرب.

ويُنظر إلى الهجوم الإيراني المباشر وغير المسبوق على إسرائيل، بصرف النظر عن كونه صوريًا ودون فاعلية عسكرية، على أنه مرحلة تبني طهران عليها كما بنت على انطلاق الثورة الإسلامية في عام 1979 وتأسيس أذرعها المذهبية في الدول العربية وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وركوب جماعات الإسلام السياسي موجة الربيع العربي.

وأعد النظام الإيراني العدة للتغلغل في مجتمعات عربية وإقلاق أنظمة أدى عدم انخراطها في معسكره من وجهة نظره إلى تدهور أوضاع محوره ومنعه من تحقيق أهدافه، سواء تلك التي واكبت صعود تيار الإسلام السياسي إلى السلطة أو التي أرادها من وراء تأسيس جبهة ما عُرف بوحدة الساحات.

وتمارس إيران ضغوطًا على مستوى الدعاية والتحريض على الأردن ومصر ودول الخليج العربي تحت زعم فتح طريقها لتحرير فلسطين، علاوة على ضغوطها ومناوراتها في لبنان وسوريا، مستغلة قاسمًا مشتركًا وهو وجود جماعة الإخوان التي تعد حليفًا تاريخيًا للجمهورية الإسلامية.

ويشمل المخطط الإيراني للتعامل مع التحديات الراهنة، وفقًا لتصور طهران لما بعد حرب غزة من خلال الاستفادة القصوى من التحالف مع الإخوان، إجراء تغيير في السلطة بسوريا لصالح الجماعة على حساب نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي تتهمه طهران بتمرير معلومات استخباراتية لجهاز الموساد الإسرائيلي حول تمركزات وتحركات القوات والقادة الإيرانيين في سوريا.

ومن ضمن دوافع طهران الرئيسية لتبريد الصراع عبر صناعة حدث يقود إلى تفاهمات مع تل أبيب وواشنطن استباقها ما سوف ينتج عنه التقارب السوري – الخليجي، علاوة على تحصين الساحة اللبنانية من تغييرات سياسية تضر بمصالح ونفوذ حليفها حزب الله.

ونشر معهد ميمري (معهد أبحاث وإعلام الشرق الأوسط) في الولايات المتحدة تصورًا لخطط إيران في المرحلة الراهنة، تتمثل في إسقاط النظام الملكي في الأردن، وطرد القوات الأميركية من العراق، وتقويض المملكة العربية السعودية والنظام المصري، وإفشال المشروع السعودي – الأميركي للتطبيع مع إسرائيل، والحفاظ على أدواتها ووكلائها في المنطقة.

وترتكز الخطة الإيرانية على تحميل الأنظمة العربية مسؤولية تدهور الأوضاع على الساحة الفلسطينية واتهام قادتها بالولاء لإسرائيل والاصطفاف معها، وإلحاق عدد من الدول العربية بالحالة الميليشياوية التي كرستها طهران في لبنان والعراق واليمن.

وتحت ذريعة الرغبة في فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل من الحدود الإيرانية، سعت طهران إلى إنشاء ميليشيا تابعة لها في الأردن قوامها 12 ألف عنصر مسلح.

وتريد إيران زعزعة استقرار دول الشرق الأوسط التي لا تقع تحت هيمنتها غير المباشرة من خلال الوكلاء، وهي الواقعة في المنطقة الجنوبية التي تقع بين الحزام الشمالي واليمن وذات أغلبية سنية، بهدف إلحاقها بالمنطقة الشمالية الممتدة من لبنان إلى العراق.

وتخطط طهران عبر استغلال الأوضاع الراهنة للسيطرة على باقي الفضاء العربي عبر إشاعة الفوضى وتمكين السياسات الطائفية ما يكرس العجز عن تشكيل الحكومات والعجز المالي والاقتصادي وتصعيد قوى بديلة تكون وكيلة لها في كل دول المنطقة بهدف السيطرة على سياساتها.

وجعلت التطورات في المشهد البعض يعتبر أن تل أبيب هي من وحدت الساحات -وليست إيران- فهي توجه ضرباتها في أكثر من ساحة وتقوم باغتيال كبار قادة المحور الإيراني في قلب دمشق والجنوب اللبناني وغزة وبغداد دون أن تقدر أركانه على الرد.

ولم تستشرِ حالة الإحباط في الأوساط الإسلامية والعربية فقط بل استشرت أيضا داخل الجماعات المدعومة من إيران وبين مؤيديها، حيث طغت إدانة حزب الله الذي وقف عاجزًا إزاء حرب الإبادة الإسرائيلية، في حين اختلف أداؤها ضد عرب ومسلمين أثناء دعمها حلفاء طهران في سوريا.

ورجح البعض انفراط عقد محور المقاومة قريبًا بعد أن ثبت عمليًا أن ما عُرف بوحدة الساحات هو شعار دعائي مُفرغ من المضمون دون ترجمة حقيقية على الأرض، وهو ما كشفته وثائق عثر عليها الجيش الإسرائيلي خلال عملياته الأخيرة في خان يونس بقطاع غزة ونشرتها صحف عبرية.

ووقع إحدى الوثائق المنشورة القيادي في حماس يحيى السنوار، وفيها أن حزب الله سيشارك في مشروع التحرير العظيم على أن تعقب عملية طوفان الأقصى في الجنوب مباشرة عملية أخرى في الشمال لتحرير الجليل، حيث أكد السنوار لرجاله قبل السابع من أكتوبر الماضي أنهم تلقوا تعهدًا بمشاركة المحور في ما أسماه مشروع التحرير العظيم.

وسادت قناعة بأن امتناع حزب الله عن دخول المعركة بجانب حماس وفقًا للتعهد المسبق راجع إلى قرار إيراني بالإبقاء على حزب الله كقوة رد مُدخرة في حال تطور الصراع واحتاجت طهران إلى تنفيذ هجوم مضاد ردًا على هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت النووية الإيرانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى