أعمال الجابري الفنية شكلت حقبة مهمة ورحيله أطفئ "قناديل" الأغنية

> توفيق الشنواح:

> ​"طائر الأشجان... ما يشجيك في تيك الربى، من لوعك؟"، بهذا التساؤل المرير يغادر الشاعر الغنائي اليمني أحمد الجابري (87 سنة) الحياة بلحن وداعي محزون وكلمات تعبر عن النهاية التراجيدية للمبدع في آخر أيامه التي كثيرًا ما سقى أجملها بقصائده التي تشبه "الطير الأخضر" المسافر إلى ما وراء الحدود.

وتوفي الجابري يوم السبت في العاصمة صنعاء بعد معاناة طويلة مع المرض استمرت أربع سنوات، رافقها عدم اكتراث من جهات الاختصاص المنشغلة بالحرب دون أن تشفع له المكتبة الغنائية الزاخرة بعشرات الأعمال التي شكلت جزءًا مهمًّا من هوية ولون الأغنية التي عبر لحنها جبال اليمن إلى ما وراء الحدود.

وكان الفقيد صاحب أشهر روائعه "لمن كل هذي القناديل؟" قد نقل في أغسطس الماضي إلى القاهرة للعلاج على نفقة حكومة البلاد بعد تدهور وضعه الصحي ومناشدات أطلقها اليمنيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  • بين الموشح والغناء
يعد الجابري الذي ولد عام 1936 بقرية الشويفة - بمحافظة تعز (جنوب اليمن) أحد أهم أركان الشعر الغنائي على مدى عقود من الزمن في البلاد.

وبدأ الشاعر الذي أثرى المكتبة الفنية في اليمن تعليمه الأولي في عدن، ومن هناك خط أول أقدار شعره. وكانت تلك الحقبة تعيش أوج فترتها الذهبية، وهي التي ترافقت بأعمال إبداعية متنوعة، إذ كتب أكثر من 200 قصيدة وعمل إبداعي، منها قصائد تغنى بها عديد من الفنانين اليمنيين والعرب، مثل أيوب طارش ومحمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وأحمد قاسم وعبدالرب إدريس وعبدالباسط عبسي، وآخرون.

وتنوعت أعمال الراحل ما بين الموشح والغنائي والوطني، ولعل أشهرها "على مسيري" و"يا غارة الله" و"لا تخجلي" و"أخضر جهيش" و"والله ما أروح إلا قاهو ليل" و"ناقش الحنا" و"ألا يا طير يا لخضر متى بالقاك الليلة؟ خذني معك" و"يا صبايا" و"يا بوي أنا وما تفتكرنيش" و"غصب عني"، وغيرها.
  • تجاهل واستجابة متأخرة
وقبل أشهر عدة أثار نشطاء ومثقفون قضية الجابري وحاجته إلى العلاج، وانتقدوا بشدة الحال الصعب للمبدعين في البلاد متهمين الحكومة الشرعية بالنكران لدوره الريادي في نظم كثير من الروائع الغنائية التي مثلت حقبة زمنية في تاريخ البلاد. وفي لقاء صحافي قبل نحو عام، ظهر الجابري يردد الأبيات التالية كمن عاتب:

"أضاعوني وهم أهلي... بـلا بـيـت ولا سـنـد
أعيش العمر مغتربًا... وحيد الدرب في بلدي
توارى الناس من حولي... ومات الشعر في خلدي
لمن أشكو وهم أهلي... فمالي بعد من أحد".
وبعد أن تداول رواد مواقع التواصل هذه الأبيات، وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي في البلاد رشاد العليمي بعلاجه في الخارج، ولكنها استجابة اعتبرها رفقاء دربه وشعره متأخرة، إذ جاءت بعد 10 سنوات من العزلة والوحدة والمرض.
  • تجاوز خصوصية اللهجة والجغرافيا
عرف عن الشاعر الجابري عدم انحصاره في لون شعري معين، فمثلما كتب فنون الشعر، تناوله أيضًا بمختلف اللهجات اليمنية. يقول الكاتب اليمني، محمد عبدالوهاب الشيباني، "لم أجد في تتبعاتي الاستماعية وقراءاتي المتواضعة شاعرًا غنائيًّا في اليمن كتب بمعظم اللهجات اليمنية بميزة وثقافة ووعي الشاعر أحمد الجابري". وفي كتابه الذي أصدره أخيرًا بعنوان "من هنا مر الغناء دافئًا"، يرى الشيباني أن الجابري "هو الوحيد الذي كسر حلقات ثنائية الشاعر والفنان التي ارتبطت في تاريخ الأغنية اليمنية بالتقاربات الوجدانية والثقافية والجغرافية بين كاتب الأغنية والفنان". ويضيف أن "مغامرات معظم شعراء الأغنية في اليمن عمومًا لم تتجاوز الحواضن الثقافية بخصوصيتها اللهجوية، التي ينتمون إليها إذا يندر أن تجد شاعرًا من كتاب الأغنية كتب بخصوصيات لهجوية غير تلك التي تطبع وتربى عليها في بيئته المحلية"، ولكن "وحده الجابري حلق بعيدًا في فضاءات الجغرافية اليمنية، وكتب باللهجات العدنية واللحجية والبدوية والحضرمية والصنعانية والتعزية بخصوصيتها الحجرية".

"إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى