من لا يحترم (الموتى) لا يمكن أن يحترم (الأحياء)

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
أشك كثيرا في إمكانية أن يحترم آدميتي الحية التي تسير على الأرض، من لا يحترم (رفات الموتى) المدفونة في مقابر المسلمين .. ولا يمكنني أن أثق - قيد أنملة - في شخص ما، أو أن أأتمنه على مصيري، أو على مصير القضايا العامة للبشر ، وهو لا يقيم وزنا ولا قيمة لهيبة الموتى وقداسة ومعاني موتهم وسكينتهم .. إن من يمر بجانب رفات الموتى ويشاهدها وهي متناثرة، دون أن تهتز له شعرة واحدة، لا يمكن أن يكون رحيما بإنسان حي يقع تحت رحمته.. وأعتقد محقا، أن من يوقظ (الأموات) ويقض مضاجع نومهم، دون خوف أو رهبة من مولاه عز وجل لا يمكن - أبدا - أن يحقق السكينة وراحة البال (للأحياء)، ولا يمكن أن يكون أمينا أو مؤتمنا على مصالحهم أو مثابرا على حل قضاياهم المتعددة والمتنوعة .

المسلم إن مات أو قتل، ودفن في بقعة ما من اليابسة، في أي مكان في العالم ، تصبح هذه البقعة (عرفا وشرعا وقانونا) في نظر البشرية جمعاء.. مقبرة إنسانية، يتحتم احترامها والعمل على صيانتها وحمايتها من مختلف العوامل (الإنسانية) و(الطبيعية) التي يمكن أن تهدد بقاءها وتمس كرامتها .. ولا يجوز (أخلاقا أو شرعا أو عرفا) أن تكون مقابر المسلمين ورفات الموتى منهم، محطا لتصفية الحسابات السياسية ومصدرا للمناكفات والمكايدات الحزبية أو(التملق) مع هذه الجهة أو تلك وضد هذه الحقبة الزمنية من تاريخنا السياسي أو تلك .

يخبرنا القائد العسكري (السابق - المتقاعد) لمعسكر طارق في مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية - وليس قبلها - أنه قد تسلم المعسكر مكونا من خمس وحدات فنية في عام 1991م ، وأن إحدى هذه الوحدات هي (المقبرة) الخاصة بجثامين عدد كبير من شهداء أحداث 13 يناير 86م، الذين يتجاوز عددهم بحسب الشهود المئتي شهيد، ويقول هذا القائد إن (المقبرة) كانت بالنسبة للجميع، معروفة ومعلومة الموقع، وهي مساحة محددة تحديدا دقيقا ولها ويخصها نصب تذكاري تم تدميره وجرفه مؤخرا .. ومعه تم جرف المقبرة، فنبشت القبور وخرجت العظام البشرية إلى السطح وتحت لهيب (غرافات الشيولات).. فمادامت المقبرة معروفة ومعلومة للقاصي وللداني.. للمتقاعد قسرا .. وللمعين عمدا، فلماذا إذاً كل هذا الجدل حولها؟ ولماذا كل هذا (الاستهتار) برفات موتى المسلمين، ولماذا وصل الحال بنا إلى حد العبث حتى بعظام الموتى من قبل العابثين في منتصف إحدى الليالي المخجلة؟!

يتفاوض العدو (الإسرائيلي) مع هذا الطرف العربي أو ذلك، من أجل (نقل) جثامين موتاهم في مقابل أثمان كبيرة يدفعونها صاغرين مقتنعين.. وتتدخل دول عظمى ودول صغرى، من أجل إتمام وإنجاح التفاوض الذي ينتهي غالبا بوصول جثامين اليهود إلى حكوماتهم وذويهم على متن طائرات حكومية خاصة، وتبقى من أجل ذلك حكومات وتسقط أخرى من قبل الشعب في حال الشعور بمجرد التقصير أو الاستهانة بموتاهم..!! فما الذي يحدث لدينا هنا في عدن ؟؟.. إننا هنا - وللأسف الشديد - نجد أنفسنا في حالة تفاوض!! مع المسئولين في هذه المدينة، من أجل (التكرم) و(التلطف) و (العمل) على إعادة رفات الموتى من إخواننا وإخوانهم إلى المقابر التي أخرجت منها تلك الجثامين بفعل الجرافات والغرافات!! والعمل على تسوير المقبرة لا أقل من ذلك ولا أكثر !! .. إننا -وللأسف الشديد - أمام حالة نادرة ، لم يند فيها جبين أحد خجلا أو حياء وهو يشاهد مجموعة (العظام البشرية) مكدسة ومتناثرة ومبعثره هنا وهناك .. إذاً إلى هذا الحد بلغ بنا الحال، وإلى هذا المستوى وصلنا في التعامل مع ( لموتى) وإلى هذا القياس العالي بات الإنسان مهانا وهو (ميت) ومحطما ومكسورا وهو (حي) .

يا سيدي المسئول ... أيا كانت مكانتك وموقعك، أسالك بخالقك هل كنت ستقبل وهل سيكون هذا موقفك وتصرفك، لو كان (والدك) مدفونا في تلك المقبرة.. وأن يجرف جثمانه من قبره، وتتبعثر عظامه وتظهر أمام الملأ وفوق التراب وليس تحته؟.. أرجو الإجابة عن هذا السؤل بضميرك الحي.. وعندها لن نختلف.. لأنه ، ومنطلقا من هذا المفهوم الأخلاقي الرفيع للقضية، يمكن أن يكون وأن يأتي الحل.. أن هذا الفهم الأخلاقي البسيط للقضية ، هو الذي جعل (قائدا عسكريا حاليا) يخرج سجادته ويضعها على الأرض، ثم يلف بها رفات وعظام الموتى.. وهو يقول :«لا حول ولا قوة إلا بالله .. إن هذا عمل لا يرضي المسلمين».. فهلا نثبت إسلامنا وآدميتنا؟؟ وهل يمكن أن نحقق من هذه القضية نوعا من الاصطفاف الوطني.. أم أن الحسابات الضيقة ستكون هي المسيطرة على المشهد ككل؟

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى