تأملات في واقع الحال

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
رأيت في الصفحة الأخيرة لصحيفة رسمية، مربعا صغيرا حاول صاحبه أن يجعل منه مادة للتهكم والسخرية، ولإثبات (انفصالية) فكر الأخ الدكتور محمد حيدرة مسدس وتصرفاته، وذلك بعد رفض مسدوس بعزة نفس غير مستغربة، المبلغ المالي (الضخم!!) الذي كان قد تقرر له (رسميا) للعلاج .. وهو مبلغ خمسة آلاف دولار بالتمام والكمال، ودون زيادة أو نقصان، بحجة كريمة تقول إنني لا أحتاج إلى هذا المبلغ الصغير، الذي كان من الممكن أن يتحول إلى مبلغ كبير وطائرة خاصة فيما لو كان المريض شخصا آخر سواي .. وتحديدا ذكر مسدوس فيما لو كان شماليا.

وجه الاعتراض لدينا يكمن في تفسير هذه الحالة الإنسانية ومحاولة قلب مفهومها ودلالتها، ومحاولة ابتزازها وتفسيرها بغير ما تحتمل من تفسير سليم وصحيح، وإن اختار صاحب المربع أن يلصق تهمة الانفصالية بمسدوس لرفضه مثل هذا المبلغ (التافه) فعليه أن يلج ساحة التحليل المنطقي من بوابته الرئيسة وليس من البوابة الضيقة الخلفية، وعليه - قبل هذا وبعده - أن يبحث في السجلات المرضية المماثلة من أجل المقارنة مابين الحالات والمفاضلة بينها، وعندها فقط عليه أن يتحصن من الأرقام المهولة التي يمكن أن تصدم (المنصف) والوطني الغيور .. والداعي بمنطق متحضر إلى ضرورة أن تسود روح المواطنة المتساوية مابين أبناء الوطن الواحد في السراء والضراء دون تمييز أو مفاضلة.

وإذا أراد صاحب (المربع الذهبي) وأنصاره وفريقه الكبير، الوصول إلى حقيقة أكبر وأمر، فإننا سنعفيه من تقليب ملفات (الحالات المرضية) وعليه الاتجاه إلى ملفات الترف والرفاهية والسياحة الرسمية.. وفي وسط هذه الملفات سيجد أن مبلغ الخمسة آلاف دولار المخصصة لعلاج مسدوس من أزمته القلبية، لا تقارن بما يتم صرفه لهذا المسئول أو ذاك، أو هذا (المرضي عنه) أو ذاك - من بدلات معيشية أو تأثيث منزل أو رحلة سياحية للخارج لتغيير جو الفساد الداخلي (الخانق) بأجواء خارجية (نقية) حتى يمكنه العودة مرة أخرى (للنشاط) بروح جديدة خلاقة أكثر مقدرة على الفتك والعبث في ساحات الفساد الكثيرة.

حسنا ... إذا كان ابن حيدرة مسدوس انفصاليا بشهادة دماء قلبه المعتل، فماذا يمكن أن نفسر هذا الفارق (المهول) في المعاملة ما بينه وبين الآخرين؟ أليس في مثل هذه المفاضلة نوع من السلوك الانفصالي هو الآخر؟ .. وإن كان الأخ مسدوس حيا، وفاعلا ونشطا ومؤثرا في الجانب السياسي الراهن.. ويستحق أن يعاقب على الطريقة العربية التقليدية بمثل هذا التقدير .. فماذا يمكن أن نفسر الخبر الذي تصدر الصفحة الأولى لجريدة «الأيام» يوم الاثنين الماضي والذي جاء بعنوان من الطينة العجيبة ذاتها تقول حروفه بجلاء ما يأتي : توقيف راتب فيصل الشعبي أول رئيس حكومة في الجنوب!!

المرحوم فيصل الشعبي سواء اختلفنا معه سابقا أم اتفقنا فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن هذا الرجل كان علامة من علامات النضال الوطني، وكان شخصا مؤثرا، ترك بعمله بصمة واضحة في تاريخ بلادنا.. وإن كان الشعبي قد قتله (الرفاق) في سجنه، فإن هذا لا يعني أن نكرم تاريخه وعائلته برسالة قصيرة (صادمة) تخبرهم بتوقيف راتبه حتى تحضر عائلته شهادة وفاته!! وشهادة حصر لورثته!! .. أتمنى على أصحاب المربعات ألا يبهرونا في إحدى الصفحات الأخيرة بمربع مماثل لمربع مسدس ، ينتهي بانفصالية الشعبي .

في نظري إن مثل هذه المربعات، تنتمي إلى كوكب مستقل بسكانه، وهو مربع قادر على إخراج أشكال عديدة من مصدر واحد، تختلف فيها الممارسات ودرجة العقاب وخطورته .. ولكن المستهدفين فيها هم من شريحة واحدة، وجدت نفسها تبحث عن عناصر (الكرامة) في وطن عجز حتى الآن عن جلبها لهم على ميزان متعادل ، بل إن هذا الميزان المفقود، يتبدل إلى آخر (مختل) يقدم كل يوم وزنا ومعنى وقيمة مختلة، وهو يوزع عنصريته ما بين المواطنين بحسب الانتماء السياسي والجغرافي.. ومن الميزان هذا نفسه، تتهدد المكالمات والرصاص حياة زميلي العزيز المحامي يحيى غالب وصديقي شلال علي شائع.

ويقف في مكان آخر منهم جميعا الزميل العزيز علي حسين البجيري الذي ما يزال حتى كتابة هذا المقال محاصرا في منزله بسرية من ضعيفة من (العسس) الذين يجهلون أننا نعيش حاليا في عصر العولمة، وأن برنامجا الكترونيا كـ (جوجل ايرث) يمكنه أن يرصد سلوكهم القديم هذا ويعرضه أمام العالم أجمع مباشرة ، ليقول لهم هاهي الديمقراطية التي يتحدثون عنها في اليمن والتي تجاوزت عتبة برنامج تحدي الألفية!!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى