فـي وداع الشاعر الكبير عبد الله هادي سبيت

> عـلـي نـاصـر مـحـمـد:

> برحيل الفقيد الكبير عبد الله هادي سبيت، فقد الشعب اليمني رجلاً مناضلاً وشاعراً وطنياً طالما أحبته الجماهير وأحبها، وكان امتدادا «لأمير الشعراء والأمراء» أحمد فضل القمندان الذي ارتبط اسمه وشعره بالأرض والطبيعة والفل والورد والكاذي، وكان الفقيد شاعراً جسد صورة رائعة لمرحلة من تاريخ الحركة الأدبية والفنية في لحج، التي خَرَجَت باقة مميزة ممن يشار إليهم بالبنان من شعراء وأدباء وسياسيي العصر الحديث.

وطالما ألهبت كلمات قصائده العاطفية والوطنية مشاعر الجماهير، إذ لعب دوراً مهماً في النضال ضد الاستعمار البريطاني، ودعا شعراً ونثراً وغناءً إلى حمل السلاح وإلى رفض قيام الاتحاد الفيدرالي.

ارتبط شعره في ذاكرتي بالأيام الجميلة التي كنت فيها مدرساً في المدرسة المحسنية في لحج، وفي شارع الحوطة الوحيد ودار عبد الله ودار سعد، كان شعره يأتينا في الأناشيد الوطنية والأغاني الحماسية الجريئة التي كانت تنساب عبر مكبرات الصوت في المطاعم والمقاهي ومقايل القات دون خوف من السلطات، ومن منا لا يذكر قصيدته التي يقول فيها :

يا شاكي السلاح شوف الفجر لاح

حط يدك على المدفع زمان الذل راح

هـذا الغير سـيد واحنا لـه عبيد

يا من مات والله انه من القهر استراح

من خلال أشعاره وألحانه وحب الجماهير له تعرفت على الشاعر عبد الله هادي سبيت، قبل أن التقي به عام 1968م، وكنت حينها محافظاً للمحافظة الثانية «لحج» في حفل فني وبحضور لفيف من الأصدقاء ومنهم علي عبد العليم ومحمد سعيد مصعبين وأحمد سالم عبيد ومحمد عيدروس ومحمد عباد الحسيني وعوض ناصر صدقة ومنصور علي مثنى وأحمد فضل اليماني وعبد القادر علي ناصر وعبدالرحمن أنور وسالم حجيري وفضل سعيد عاطف ومحسن الهنطب وغيرهم، وكذلك عدد من الفنانين وفي مقدمتهم فنان الشعب فيصل علوي والفنانون حسن عطا وفضل كريدي وسعودي أحمد صالح وعبدالكريم توفيق ومحمد سعد صنعاني وغيرهم، ممن أطربتنا أغانيهم العاطفية والوطنية الرائعة بكلمات أحمد فضل القمندان وعبد الله هادي سبيت وصالح نصيب وحمود نعمان ومسرور مبروك.

كان ابن هادي يومها معنا في ذلك الحفل يستمتع بالفن والغناء والقات وإن كان لا يدخن ولا يخزن، وهمس في أذني أحد الأصدقاء أن أطلب من شاعرنا أن يغني ويعزف على العود، على أساس أن الرجل المهذب والمؤدب لن يرفض طلبي، وشعرت بأنني قد أحرجته حين لاحظت تردده قبل أن يلتفت نحوي ويخرج عن صمته محاولاً الاعتذار بصوته الهادئ والدافئ : «لم أغنِّ منذ فترة طويلة إلا مع نفسي، ونادراً ما عزفت على العود»، ولكن الحاضرين المتشوقين لسماعه لم يعطوه أي فرصة للاعتذار، وكسروا حاجز الرهبة بتصفيق طويل، وعلت أصوات الحاضرين: «يا أستاذ، لا تحرمنا هذه اللحظات السعيدة».

ولأن السكوت علامة الرضا، فقد مد له الفنان فيصل علوي عوده الرنان، تسلمه على حياء وخجل، وشاهدت على جبينه حبات العراق تحت العمامة البيضاء التي تتوج رأسه، ثم غنى وأطربنا واهتز المجلس بالتصفيق والدعاء له بالصحة وبطول العمر.

وفي لقاء آخر، وبعد أن أصبحت كل المؤسسات وقفاً على الدولة، عرضت على الشاعر بل رجوته أن يختار العمل الذي يشاء والمكان الذي يليق بمكانته كمناضل وشاعر ومثقف شريف، فاختار، رحمه الله، العمل في معهد ناصر للعلوم الزراعية في الحوطة، وكان في اختياره نبض الإنسان الذي ارتبط بالأرض والطبيعة، وإن كان لم يبق طويلاً فيه.

مرة أخرى زارني، عندما كنت وزيراً للدفاع، طالباً الإذن بالسفر إلى «الحديدة» ليقيم فيها، سافر كما أراد تاركاً لحج العلم والحضارة والفل والكاذي إلى شمال اليمن، وتزوج وأنجب أولاداً وطاب له المقام هناك في تهامة وبين أهلها الطيبين الذين قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام إنهم «ألين قلوباً وأرق أفئدة» و«الإيمان يمان والحكمة يمانية»، ولم يعد إلى عدن رغم أنني أرسلت إليه رسالتين مشجعاً إياه على ذلك، وبعدها انتقل إلى تعز «أرض العز» التي احتضنت منذ بداية الخمسينات الآلاف من أبناء الجنوب وثواره، التقيته بعدها في صنعاء، بعد أن غادرت السلطة عام 1986م .. ولم تنقطع اتصالاتنا طيلة وجودي في شمال اليمن.

الشاعر الكبير لا يرحل، يبقى ماثلاً في أشعاره التي لا تموت، تغمد الله الفقيد الكبير عبد الله هادي سبيت بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

الرئيس اليمني السابق

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى