مات ابن سبيت!

> د. هشام محسن السقاف:

> مات ابن سبيت في ليلة ماطرة من ليالي تعز الحالمة، مات بعد أن أسمع الدنيا أغاني الوجد والسلوان وألهب المشاعر بأناشيده الوطنية التي كانت زلزلة تقذف الرعب في قلوب المستعمرين من حي القصبة في الجزائر إلى حي الزعفران في عدن، ويجري على وهجها صوت النضال والكفاح الوطني والقومي حتى وإن تعرضت حياة ابن سبيت للموت الزؤام.

مات ابن سبيت حامل لواء الغناء اللحجي بعد القمندان، والناهض بتأسيس مدرسته الغنائية الجديدة التي عطرت الأجواء في لحج المحروسة وعدن والوطن بروائع الغناء الأصيل الذي يتجدد مع كل شروق جديد، وتصبح الخمسينات الماضية علامة فارقة في النهوض الوطني.. وعندما غادر ابن سبيت وطنه قسرا، لم ينقطع الصوت الوطني الهادر لابن لحج الأصيل، فقد فتحت مصر عبدالناصر أحضانها له كما لكل الوطنيين اليمنيين والعرب، وأصبح صوت الثائر الكبير عبدالله هادي سبيت يتردد صداه في كل بقاع الوطن عبر أثير «صوت العرب» من القاهرة. وما أعذب الألحان وأصدقها في قيثارة ابن سبيت سواء أكانت عاطفية وجدانية تهز القلوب وتلامس الأرواح، أم أناشيد ثورية تشحذ العزائم نحو أهداف نبيلة في الثورة والتحرر والانعتاق، معياره الصدق والصوفية المطلقة في التعاطي الثوري بعيدا عن كل ما يدنس النفس من مآرب وأغراض.

مات ابن سبيت العملاق الذي لا ترتد العين عنه خائبة، وقد نسج من قلبه خيوط الإبداع للأرض والإنسان، وعندما اعتكف في محراب الدعوة كان اعتكافه مسلكا للزاهد المتقرب إلى الله، الضالع في فهم المغازي والحقائق العظيمة لماهية الإسلام، فلم يفرط ولم يغْلُ واتبع بين ذلك خطاً وسطاً تفرضه طبيعة هذا الدين.

مات الثائر الشعبي الذي جعل من الثورة أغنية عذبة في الشفاه وفي شغاف القلوب، لكن الثورة والثوار والجمهورية والاستقلال قلبت لابن سبيت ظهر المجنّ، فعاش مطارداً قبل أن تحتضنه الحالمة، وعاش بائساً محروماً حتى من حقوق إنتاجه الإبداعي الذي ينهب كما تنهب حقوق كثيرة في هذا الوطن.

مات ابن سبيت، الزوبعة التي عصفت شعرا وغناء ولحنا بالسكون والجمود والخواء في حياة جيل ومرحلة، ولم يكلف الناعي الرسمي نفسه عناء نعيه وخيراً فعل! فعبدالله هادي سبيت بكل ما يحمله هذا الاسم من معان وطنية كبيرة وعظيمة وجليلة قد غاب حياً من مناهج أهل الحكم التعليمية ومن خطابهم الإعلامي، وعاش كما سيعيش بعد موته في وجدان الشعب وذاكرته الجمعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى