> فضل النقيب:

فضل النقيب
فضل النقيب
تعز هي المدينة الحاضنة ضمن اليمن الخضراء، هي مدينة المهد للمتعبين ومدينة الإلهام للمبدعين، ومدينة الأساطير للهائمين عشقاً بالماضي ومدينة الثورة للثائرين. بون شاسع بين جبلها وواديها، ففي «صبر» تسبح النجوم فتضيء الأفق ويتطلع الناس كأنما إلى بحر أزرق يرونه في متناول أيديهم، وفي قاع واديها يقتتل الناس من أجل لقمة العيش في مساحة ضيقة تتهددها السيول وتنقطع عنها الكهرباء عدة مرات في اليوم وقد تعوّد الناس على نسيان وعود الدولة واعتبارها كأن لم تكن. قلت لصديقي الدكتور محمد علي اليافعي: دعنا نذهب إلى فيلتك الأنيقة المترفة، فضحك من بين أسنانه وهو يقول: ياليت، قلت له: لا تقل أنك قد بعتها، قال: ومن يشتري سكناً لا يستطيع الوصول إليه، لقد اقتلع السيل الطريق منذ حوالي العام ولم يبق سوى صخور صماء ليس بمقدور أي سيارة أن تصعدها ومنذ ذلك الحين بحث أصواتنا ولكن:

لقد أسمعت لوناديت حيا

ولكن لاحياة لمن تنادي

صديقي محمد عبدالودود طارش لم يدعني ولو غمضة عين فحين لأ أراه فإن تلفونه يلاحقني، حتى أنني شعرت بهذا «الحب القاسي» يطوقني بجمائل لا أستطيع ردها، هو قلب كله ينبض بأجمل المشاعر الإنسانية، قارئ ممتاز، وفي عمله قدوة بشهادة الوالد علي محمد سعيد الذي يعامل جميع المنتسبين إلى مجموعة السعيد كأنهم أولاده، وهذا ما رواه لي ابنه وليد الذي قال إن والده يقول لهم، مجموعة الأولاد والأحفاد: إننا مسخرون لخدمة الناس فلا تنسوا ذلك أبدا أو تعتقدوا أن الله يكرم بعض الناس ليكون الخير لهم وحدهم. وفي الاحتفال البهيج في مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بمناسبة توزيع جوائز المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم، توجه الحاج علي إلى المنصة ليكتشف أن الكلمة المكتوبة التي أعدها قد ضاعت، فتش جيوبه وسأل من حواليه دون جدوى فتوكل على الله وارتجل، فجاء ارتجاله على الطبيعة أجمل وأوقع في النفوس من أي كلمة مكتوبة، ذلك أن الكلمات التي تصدر عن المشاعر الصادقة تنفذ إلى القلوب مباشرة وكان مما قاله: أنا لست مثقفاً ولكنني أحب المثقفين من كل قلبي.. يا سلام. وهل هناك ما يرفع المعنويات ويمنح الأمل أفضل من هذه الكلمات من رجل كبير تسبق أفعاله أقواله، ثم ما هي الثقافة، إن لم تكن هذا الاحتفاء بالمبدعين وإنارة الطريق للناشئة، ومن لم يزر مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بمكتبتها العظيمة وصالة الفنون التشكيلية والأقسام المخصصة لتدريب النساء والفتيات على الخياطة والتجميل فإنه لم ير من تعز سوى القشور. هناك عمل دؤوب صبور في العمق دون منّ ولا أذى وتعز بوجود مجموعة السعيد مدينة أخرى ففي هذا الفضاء الريفي توطنت الصناعة الحديثة في أعلى درجات الجودة وتعلّم العمال القادمون من القرى انضباطية العمل وقيمه، وتدرب جيل من الإداريين والقادة هم ذخيرة وطنية ونموذج يحتذى.

ما علينا.. لقد شهد حفل توزيع الجوائز جمهور غفير وتداول الخطباء المنصة بحضور وزير الثقافة محمد أبوبكر المفلحي الذي بدا متأثراً بهذه التظاهرة التي تدل على أن الوسط الثقافي معافى وقد مُنح درع الجائزة مع زميله وزير العدل والأستاذ على لطف الثورة وآخرين بينهم كاتب هذا السطور حيث كان نصيبي إلقاء كلمة المكرمين.

تعز 2007 بهية في الثقافة عظيمة في الصناعة فقيرة إلى الماء والكهرباء ولكن الناس وهم ملح الأرض صابرون مكافحون ولم لن يفارقهم الأمل أما إذا اشتكوا فلا يلومنّهم أحد.