يا بني أبي .. لن يسعكم قبر

> شمس الدين البكيلي:

>
شمس الدين البكيلي
شمس الدين البكيلي
يا بني أبي.. قفوا على أقدامكم، واحنوا رؤوسكم.. ثم اركعوا، وانظروا حتى تروا أشباح وجوهكم في سواقي المياه الراكدة.. عندئذ ستعرفون قبح وجوهكم.

أنتم يا بني أبي.. لا ترون وجهي، لأن لمعان الذهب الصادر من نظارات أعينكم قد خطف أبصاركم، وأعمى بصيرتكم.. وأنتم لا تشعرون.. أما أنا فأراكم وما تفعلون.. لأن أهداب عينيّ تحميني من حرارة أجسادكم المتقدة طمعاً بالمال الزائف في سراب مخيلتكم.

أنتم لا تسمعون أنّاتي، لأن رنين الأقداح، وضجيج أصوات المنافقين يملآن آذانكم صخباً.

أما أنا فأسمع همس أنينكم.. وصراخ صمتكم.. وألم معاناتكم في سكون الليل الغاضب.. لأن أيامكم عذابات.. ولياليكم ضجيج الخوف من طوفان جوعي القادم.

يا بني أبي.. ماذا تريدون مني، وقد صنعتم لأنفسكم قصوراً من أعمدة الرخام المزخرف الفاخر.. وسقوفاً من الجرانيت المفضل على قبري المهمل، وفوق رفاتي المنبوش والمبعثر.. لتسكنوا أنتم وأزواجكم جنتكم المزعومة.. التي لن تروا فيها الشمس.. وحينئذ ستنامون فيها «نوم أهل الكهف».

أما أنا فأسكن تحت سقف من أعواد القش، لكنني أرى من خلاله ضوء القمر الآتي من جوف الليل.. وأراقب بمنظر بديع كيف يصحو الفجر.. وعند الفجر أرى شمس الصباح البهية، وهي تجفف دموع الليل لتغذي الأزهار البازغة بدفئها.. وأرى الأشجار الباسقات تتراقص على موسيقى نسائم الصباح وتغاريد العصافير، وخرير الجداول.

يا بني أبي ماذا تريدون مني أن أصنع لكم.. وقد أشعلت عظامي مناراً لكم، ولأولادكم و(...) وسرقتم مني فرحة الأعياد.. ورقصات الموت، التي سأبدع في رقصها على نعشكم.

ماذا أبقيتم للأخوة؟! من تذكار سوى شرب الدموع المتساقطة على كأس من النبيذ المُر التي تمنحنا قوة الصبر على صبري المضطرب، كاضطراب موج البحر الهائج.

ماذا أبقيتم للأخوة؟! هيكلي العظمى الذي يتهاوى.. وكفن ممزق.. ونعش نخرته السوس «لقدمه»، وقبري المنتظر.. تملؤه جثث المتساقطين قهراً من عبثكم.

لم يتبق يا بني أبي سوى الفجر المشرق في أيامكم المظلمة.. تحت أقدام هيكلي، ومن مخاض ليلي المنير، وعندها ستأكل كل الدود كروشكم المتورمة..

وحينها لن تشفع لكم أموالكم لا.. ولن يسعكم قبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى