باجمال .. وانكشاف المستور

> علي صالح محمد:

> لا أخفي على القارئ العزيز وعلى دولة الأستاذ باجمال أنني أصبت بالدهشة والإشفاق بعد أن قرأت مقابلته التي نشرتها صحيفة «الخليج» وإعادة نشرها صحيفة «الأيام» الغراء، الدهشة لأنني لم أكن أتخيل إطلاقاً بعد كل قراءة أن هذا المتحدث هو باجمال شخصياً وهو الذي يقف على قمة الهرم السياسي للحزب الحاكم ويرأس لجنة الحوار فيه، فإذا كانت لغته هكذا بصفته إحدى المرجعيات الأساسية فكيف ستكون لغة من دونه أو من لا يؤمنون بالحوار، والإشفاق عليه لشعوري أن حجم المسؤولية والمناكفات الداخلية بعد خروج دولته من الوزارة قد أثقلت كاهله المتعب أصلاً وحين يتعب المرء يتعرض أحياناً للوثة التي أتمنى أن لا يكون قد أصيب بها، للأسف لم أجد الصحفي صادق ناشر حتى أساله إن كان أجرى المقابلة قبل رمضان أم في رمضان، فإن أجريت في رمضان فالعذر هنا واضح لعل الصيام قد أثر في أحاسيس الأستاذ باجمال المرهفة، وإن تمت المقابلة قبل رمضان فالمصيبة أعظم حيث ينطبق عليه هنا قوله في آخر إجابة له عن آخر سؤال وجه هو (أن بعض الناس لو صمتوا لكان هذا أفضل لهم، لكن عندما ينطقون يعبرون عن هزالة وضحالة في نفسيتهم) وأتخيل من معرفتي الضئيلة به أن المقابلة تعكس في مضمونها الحال النفسية المنفعلة وربما المنفلتة التي يمر بها شخصه العزيز جراء الضغوط النفسية التي يعانيها وهي ما أفصح عنها في أكثر من صورة في مقابلته المذكورة، من خلال الإجابات المتسمة بالتشنج والتخبط والارتباك والخوف والقلق من القادم، والهروب الواضح من تقييم الوضع وتشخيصه بمسؤولية والاكتفاء بتوجيه الاتهام للآخر وفقاً لنظرية المؤامرة مع الخارج، وإطلاق النعوت والتحريض ضداً والإشارة إلى النموذج الأمريكي والألماني لإضفاء الشرعية على مقولة الحرب لتأسيس الدولة لكنه لم يشر إلى مضمون النظام الفيدرالي والمؤسسي ونظام الحكم القائم فيهما وهو الأمر الذي لا يمكن أن يغيب عن بال رجل حليم وحكيم كالأستاذ باجمال.

وهناك أمر لطالما حكيته للمقربين وهو أنني كنت على الدوام منذ تسنمه أول المناصب قبل وبعد الفراغ الكبير كنت ولم أزل من أشد المعجبين بقدراته المذهلة باعتباره أذكى شخصية قادمة من الوسط الجنوبي استطاعت أن تركب الموجة مرات عديدة وباقتدار يثير الإعجاب وبصبر أيوب في تجشمه العناء وغير ذلك من الصفات الذكية التي مكنته من تقلد أخطر وأهم المناصب في الدولة ليصبح بحق وعن جدارة شريكاً حقيقياً وليس ديكورياً في صنع القرار بعد أن استطاع بمهاراته المميزة أن يحوز الثقة المطلوبة مع أن ذلك ليس من الأمور السهلة أو الهينة لدى إخواننا في صنعاء ولكن يبدو أن قوة العرق الآسيوي وأموراً أخرى شفعت له كثيراً في الوصول إلى ما لم يحلم به أحد ليظل دوما محل إعجابي، بما في ذلك قدراته ومؤهلاته الثقافية المذهلة، التي أضافت الشيء الكثير إلى القاموس السياسي الذي يعتمده في تنظيره وقراءته للوضع والواقع ليقنع الشركاء بمفاهيمه الجديدة ليكسب الرضى المطلوب ولعل آخرها وليس أخيرها قوله (إن المؤتمر هو علي عبدالله صالح وعلي عبدالله صالح هو المؤتمر...) في إشارة ذكية إلى أنه كأمين عام لا حول له ولا قوة، بعد أن خرج من الوزارة، ليؤكد بدهاء قدراته وهي القدرات التي تجاوزت مستوى ودور التسفيه لترتقي إلى درجة أكبر وأخطر لتجد لها كما اتضح آذاناً صاغية (ليصبح المجنون هنا ليس الذي أكل الكيلة بل المجنون هو من قربها) مما عزز مكانته وموقعه في صناعة القرار بدليل استخدامه بثقة عالية بعض التعابير الدالة (سأسلح الناس في مواجهتهم، سأمنع هذه الفوضى).

لهذا يبدو أن المعاناة الجديدة مع ضغوط الحراك الجماهيري المتسم بالاحتقان والتململ جميعها قد أوصلت الروح لديه إلى الحلقوم كدلالة على نفاد الصبر، لتخرج تصريحاته الأخيرة كثيراً عن حدود الكياسة ليس من الناحية البروتكولية فحسب بل من واقع صفته أميناً عاماً ورئيس لجنة الحوار في المؤتمر ورؤيته كأمين عام للحزب الحاكم حيث يدعو وبجرأة خالية من أدب وتقاليد الحوار، وهو المتحدث اللبق والحصيف الذكي، إلى حمل السلاح والقتال بالقول (بل وأزيد وأقول إننا سنخرج بانفسنا كقيادات لنقاتل في الشوارع، وسبق لنا ذلك ولن تكون هذه أول مرة ننزل فيها إلى الشوارع لنقاتل على كياننا ووحدتنا، فقد حصل ذلك في 13 يناير 1986م وفي 1994م) الاعتراف هنا سيد الأدلة وأخيراً كشف المستور وأقر بأنه أحد مدبري الحروب والمشاركين فيها بل والمستفيدين منها مع أنه كان يدعي ولمدة طويلة أنه أحد ضحاياها، وهنا كم أشعر بالأسى إزاء هذه الجرأة التي يبديها كمثقف مدني ينبغي أن يرفع شعار التسامح والتصالح والحوار ونشر ثقافة المحبة واحترام الآخر ونبذ العنف بدلاً من الدعوة إلى حمل السلاح عبر التحريض العلني والدعوة المفتوحة التي من شأنها إشعال حرب أهلية جديدة كمستفيد لم يكتو بنيران الحروب السابقة، ولعل في هذه الدعوة النكرة، كفتوى سياسية تشرع وتبرر بل وتجيز أعمال القمع والقتل التي تمت مؤخراً، أكبر تهديد للوحدة الوطنية الحقيقة والسلام الاجتماعي لتحقيق الهروب من الاستحقاقات ومن براءة الذمة وتهم الفساد والحروب والسياسات الخاطئة التي يئن منها الجميع باستثناء المستفيدين منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى