محاكمة باعوم والنوبة: مأزق التفكير المعكوس

> علي هيثم الغريب:

> هذه المحاكمة التي يخوضها باعوم والنوبة وزملاؤهما دفاعا عن العدالة، دفاعا عن حقوق مواطنيهم، وعن نقاء الوحدة التي يحاول البعض إخضاعها لمصالحهم الخاصة.. ما حقيقة هذه المحاكمة التي بدأت وقائعها بعد إطلاق الرصاص الحي على المعتصمين المسالمين في عدن والمكلا والضالع، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى؟.. هل الأمر مجرد مشاركة باعوم والنوبة ورفاقهما بالاعتصامات والمسيرات؟ هل الأمر خلاف في الرأي؟ لا، فالأمر كما تنظر له السلطات أخطر من هذا بكثير.. فالاعتصامات التي شارك فيها عشرات الآلاف كانت بسبب الأملاك والحقوق التي سلبت بعد حرب 94م.. وإننا في هذه المحاكمة نشارك في أغرب قضية.. إننا في ذروة اللا معقول، وإلا كيف يعقل أن نحتج ونكتب ونعتصم بحق من نهبوا أراضينا وثروتنا ولدينا كل ما يثبت أمام العالم خيانة المتنفذين للوحدة وتخريبهم للجنوب باعتراف كل سلطات الدولة ومسئوليها بدون استثناء، فنذهب نحن إلى السجون والمحاكمات ويبقى المتهمون الحقيقيون طلقاء؟

لقد اختلف باعوم والنوبة - وهما يعبران عن حقوق أبناء الجنوب - مع سلطات الدولة اختلافا جذريا منذ تولي زعماء الحرب والمتنفذين أمر الجنوب المنكوب .. ودون استطراد أذكر أننا عارضنا سياسات الضم والإلحاق التي جعلتنا نفقد كل شيء في الجنوب ابتداء من لقمة العيش وانتهاء بتاريخنا (دون أسباب سياسية ولا اقتصادية تبرر ذلك).

وهذا الحال جعل الجنوب يضم إلى أفقر بقع الأرض، وعدن مثل مقديشو، ودار سعد مثل دارفور.. وأصبح هذا تهديداً خطيراً لمستقبل أولادنا ولأمننا الحقيقي.. وتجاوزت الجرائم التي مورست بحق الجنوبيين أي خلاف سياسي.. ورغم فداحة الكوارث في الجنوب كنا نعتقد أن خلافنا هو مع المتنفذين والمتهمين بجرائم القتل والبطش ونهب الأراضي والثروات ولكن بعد 2007/7/7م (الاعتصام الذي حضره عشرات الآلاف) اتضح لنا أن خلافنا هو مع الحكومة.. وأنه جزء من سياسة عامة للدولة، وأن احتجاجاتنا السلمية تجاوزت في نظر الحكومة كل الخطوط الحمراء.

ولهذا فإن محاكمة باعوم والنوبة وزملائهما أدخلت المسألة في إطار مختلف تماماً، فبعد ما تعرض له المعتصمون من قتل وشتم وسحل وسجون ومحاكمات لم يعد خلافنا مع المتنفذين حول ما نهبوه، ولم يعد مسألة خلاف حول تسعيرة القمح والدقيق ولم يعد حتى حول درجة التعاون بين المتنفذين وأجهزة الدولة في محافظات الجنوب ولكن الخلاف حول نهج عام لاجتثاث الجنوب بدأ يوم 1994/7/7. وحين يصل الأمر إلى هذا الحد نكون قد دخلنا- كما قلت- في دائرة الاتهام للمتنفذين تختلف تماماً عما كنا نقوله سابقاً. فحين نقرأ لائحة اتهام المناضل الوطني الصادق حسن باعوم وفادي باعوم وحين نقرأ الاتهامات الموجهة إلى الرجل النادر في تمسكه بقضايا وطنه ناصر علي النوبة، وحين نقرأ أن أماكن احتجاجاتنا السلمية على طول وعرض محافظات الجنوب أصبحت مستباحة بالقوة وتعرض المواطنين العزل لكل أنواع الإيذاء والشتم والقتل والاعتقالات الجماعية.. حين تصل الجرائم إلى هذا الحد، إلى حد إطلاق الرصاص على مواطنين مقهورين فهذا يخرج الأمر تماماً عن كونه خلافاً بالرأي. وإذا صدقنا أن سياسات المتنفذين في السلب والنهب تعتبر ضمن السياسات العامة الخاطئة للحكومة فهل يمكن أن نعتبر أن جرائم قتل المواطنين بالرصاص الحي هي أيضاً ضمن السياسات الخاطئة للحكومة؟!

ومع احترامي للمحاكم والقضاء، فإن قضيتنا هذه ليست من اختصاص القضاء وحده، حتى لو كان الدستور يسمح بمحاكمة الوزراء.. إن القضية الجنوبية هي قضية يفصل فيها المجتمع اليمني بكل فئاته، وهي قضية أبناء الجنوب من حيث إن الأرض أرضهم والثروة ثروتهم والضحايا منهم، وبقاء المتنفذين واستمرار قتل الناس بدم بارد، أو شتمهم (انفصالي، كلب، كافر) يعني أنه لم تعد هناك دولة في الجنوب وأن القوانين قد عُلقت.. ولكي تكون هناك وحدة تضطلع بالحد الأدنى من وظائفها وقيمها ينبغي أن يصدر قرار سياسي بإطلاق سراح السجناء وتشكيل جمعية وطنية لمعالجة القضية الجنوبية .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى