> سالم صالح محمد:

علمتنا ألا نحزن عند فقدان من نحب، لأن لكل شيء أجل محتوم، علمتنا بأن الصبر بلسم الحزن والتسليم بالقضاء والقدر، وأن التواضع الحقيقي هو أبو كل الفضائل، ومحبة الناس تاج السعادة، لأنه بحسن المعاشرة تدوم المحبة بين الناس، بغض النظر عن طبقاتهم أو فئاتهم أو قومياتهم.

يا (بوسعيد) أيها العم الجليل والصديق الوفي اعذرنا إن خالفنا نصيحتك الأولى التي قلتها لنا بعدم الحزن والبكاء في مجلس صديق عمرك وأخيك العم عبدالحي السيلاني عند ممات زوجته الغالية أم علي، وأيضا عند سماعك وفاة صديق عمرك أخيك الشيخ محسن عبدالرب الحريبي، ورحيل أخيك وصديق العمر الشيخ محمد عبدالحافط بن شيهون.. وكلما تتابعت الأحزان في موت أخ أوعزيز كانت كلماتك تؤكد ما كنت قد حفظته من كتاب الله وآياته الكريمة: «قل لا أملك لنفسي ضرا ولانفعا إلا ما شاء الله، لكل أمة أجل، إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون».

هذه المرة بكيناك يا أبانا عمر، وبكتك الرجال قبل النساء، وبكى العم عمر الأب والخال والأخ والصديق، بكوا أبا سعيد الذي عاش كبيرا ومات كبيرا، بكاك الرجال والنساء الثكالى والأرامل والأطفال اليتامى، من جبال يافع مرورا بوديان وجبال تعز وتهامة حتى جبال الطائف ومن جدة حتى شواطئ عدن والمكلا، ومن الرياض حتى صنعاء وبيروت والقاهرة ولندن وطوكيو ونيويورك..

(يابو سعيد الجيد عزك وأكرمك).. كنت الجيد حقا- كما قال الشاعر الخالدي- فقد كنت حاضرا في كل مكان، لم تغب أبدا، ولن تغيب، لأن بساتين أعمالك الخيرة ستظل تذكر بك وتنوب عنك وتتحدث باسمك وتستفيد من خيراتها أجيال ممن عرفت، وممن لم تعرف من القادمين من ظهر الغيب، حتى عابري الطريق الذين يرفعون أيديهم إلى الله ترحما عليك ودعاء لك. كنت العز وكنت الكرم، عرفت الناس قاصيهم ودانيهم، وتتلمذ على يديك الكثيرون من الكوادر التي لمع اسمها في عالم المال والأعمال، والآلاف من الناس ممن تم توظيفهم، وكفلت خلال نصف قرن مئات الآلاف، وامتدت عطاياك وحسناتك إلى الفقراء، واستفاد من جاهك الأغنياء، ومن هم في مصاف (عزيز قوم ذل)، قدمت بدون منٍّ أو أذى، باعتبار الإنسان أخا الإنسان مهما كان موقعه أو موقفه.

إن مآتم العزاء التي شهدتها الجبال والمدن والتي تحولت إلى مهرجانات توديع للشيخ عمر العملاق والطود الشامخ هي خير دليل على المعزة والمكانة التي تبوأتها- أيها الشيخ الجليل- في نفوس وعقول الناس.

لهذا تراني أكتب شخصيا عنك، وأنا أعجز عن أن أفيك حقك بما يليق، لأنك كنت لي أبا وأخا وصديقا ورفيقا في أصعب مراحل الحياة، وخلال السنوات الطويلة التي تعرفنا فيها عليك وعشناها معا كنت السباق دائما إلى التواصل، إلى الحديث والاستفسار عن حالنا وحال أهلنا وبلداننا.. كنت السباق إلى النصح مرددا الآية الكريمة: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم» وكنت الجيد حقا فينا، لأنك السباق إلى تقديم الجميل وإلى زرع المحبة وزرع الثقة، وفوق هذا وذاك كنت تقدم العون والمساعدة والعطاء إلى المحتاجين والمظلومين والمكلومين، ولمن تعرضوا لنوائب الزمن لتشعرهم بأن الدنيا لازالت بخير، وأن الخيرين- من أمثالك- لازالوا موجودين على الأرض وأن الخير ينتصر على الشر ولو بعد حين.

على مدى تلك السنوات لم يمر يوم واحد دون أن نتحدث أو نتصل ببعضنا، وكانت الاهتمامات متعددة لديكم يا (بوسعيد) من السؤال عن المطر في يافع، إلى التأكد من دراسة الطلاب، إلى تحياتك التي كنت تحرص على إبلاغها إلى الرئيس والمرؤوس، إلى الصديق والخصم، بما في ذلك النصائح الموجهة لوجه الله.

كنت الحاضر الدائم معنا في كافة المناسبات في أفراحنا وأحزاننا، وكنت الطبيب المداوي للجميع حين يتطلب الأمر المساعدة!! كان منزلك العامر في جدة وبيروت ولندن يشهد الموجات البشرية من مختلف أنحاء الوطن العربي الكبير، من السعودية واليمن ومصر ولبنان وسوريا والإمارات وعمان والمغرب والسودان والصومال وغيرهم من الأمم.

وسبحان الله الذي أعطاك هذه المزايا والقدرات والذاكرة العظيمة والتواضع الجم، سكنت قلوبنا وأثرت فينا وغيرت في طباعنا وسلوكنا، وكنا نجد الرأي الصائب والحكمة الصادقة والفعل الحاسم، لقد أرويتنا وأشبعتنا بكرمك وحنانك الأبوي، كمطر دائم الهطول على جبال العياسي وعمق وعلى هضاب يافع ووديانها والطائف وجبل لبنان، وكنهر لاينضب.

كم من المحطات وقفنا فيها معا خلال العشرين سنة الماضية، وكم تبادلنا من أحاديث، وكم كانت لنا من لقاءات ما بين جدة ولندن، وحين لانلتقي كان التواصل من عدن وصنعاء ويافع والإمارات، فهل يصلح لهذا كتاب؟! أم نجعل منها وصايا نحفظها للأبناء والأحفاد؟!.

فأنت وإن كنت في موقع رجل الأعمال الكبير المتميز الناجح، لكنك كنت بيننا المرشد الكبير، القائد المجرب الذي عايش خمسة ملوك عظام في المملكة، بلد الرحمن وأرض العطاء الدائم، وعايشت العديد من رؤساء ووزراء اليمن ومصر ولبنان على مدى أكثر من نصف قرن.

ياعم عمر، لا أجد شخصية بهذا التنوع وبهذه السجايا يمارس القيادة من خارج الموقع الوظيفي، ولكن من موقع المجرب صاحب النظرة الثاقبة المدركة والمستوعبة للواقع والأحوال، ولاغرابة في ذلك فأنت سليل بناة الحضارات وصناع النجاح، ممن أوصلوا ونشروا رسالة الإسلام العظيمة إلى كل بقاع العالم.

بعد كل محادثة أو لقاء كنت أعاود ما حدثتني عنه مع نفسي ومع أعز أصدقائي، فأجد الجديد والمفيد والممتع والمنير، وقبل هذا وذاك حرصكم الشديد والتأكد من إيصال الصدقات للمحتاجين، وكنت تطلب البحث عنهم وتزويدك بالمعلومات عن أحوالهم، قبل أن تخطر الفكرة على بال أحد منا.. ما أعظمك..! أيها الخالد في ذاكرتنا أبدا.. لقد عظمت في نفوس الناس وكبرت في أعينهم ياشيخ عمر بأعمالك الجليلة، وشهدت لك الناس بهذا التميز وبهذا التألق.. في هذه اللحظات أشعر أن قلمي عاجز عن كتابة بعض الحقائق والأمور المخزونة في الذاكرة والوجدان- وهي كثيرة متنوعة- سأكتبها حين يحين الوقت، لذلك وبعد أن أصحو من الصدمة، إذ أنني لم أزل غير مصدق بأنني لن أراك مجددا.. من لنا بعدك ياعمر؟ كلمة قالها المسلمون عندما مات الخليفة عمر- رضي الله عنه- من لنا بعدك ياعمر؟

أما نحن فلن نكررها، فعزاؤنا المقولة التي تقول (من خلف ما مات) وسعيد وعبدالله ومحمد والأحفاد ورجالك من آل العيسائي سيعوضون فقدانك الجسدي، وسيكونون بإذن الله (خير خلف لخير سلف) وسيواصلون دورك الإنساني وحنانك ودعمك المعهود للأيتام والأرامل والمظلومين والفقراء والمحتاجين، وكل من شملتهم برعايتك الكريمة.. رحمك الله وأدخلك فسيح جناته..!.

عليكم جميل الصبر وهو عزيمة

على العبد أما الخطب يجسم يجسم

تنالوا عظيم الأجر منه وإنما

بحسب مقام الصابر الأجر يعظم

عضو مجلس الرئاسة اليمني السابق ومستشار رئيس الجمهورية