السينما الوحيدة في دارفور تتحدى القتال والدمار

> نيالا «الأيام» زهير لطيف:

> وسط القتال والدمار ومعسكرات النازحين وعلامات البؤس والفقر في هذه المنطقة بغرب السودان التي شهدت معارك واشتباكات طاحنة أدت إلى مقتل وتشريد مئات الآلاف منذ عام 2003.

يبدو أن إرادة الحياة قد انتصرت في نيالا كبرى مدن دارفور حيث مازالت ماكينة العرض تدور في دار السينما الوحيدة بها لتمنح سكان المدينة «الحلم والأمل». ورغم أن دارفور تسكنها جماعات عرقية يزيد عددها على الثلاثين ، فإن الهجرة الداخلية والاختلاط والتزاوج أدت إلى تلاشي الحدود العرقية في الإقليم لدرجة أنه يصعب جدا تحديد الجماعة العرقية التي ينتمي إليها أي شخص دارفوري على أساس لون بشرته حيث عاش الكل هنا منذ قرون في وئام وجميعهم مسلمون، لكن سياسة «فرق تسد» التي انتهجها المستعمر رسخت العداوات بين أبناء الوطن الواحد وأفسدت العلاقات بينهم وجعلتهم يريقون دماء بعضهم بعضا وتعكر صفو الأيام حتى يخال للمرء ان مظاهر حب الحياة قد تلاشت في دارفور لكن الواقع في نيالا يقول عكس ذلك.

فبينما توشك شمس نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور على المغيب ويشرع التجار في جمع بضائعهم للعودة الي منازلهم ، طلبت من سائق التاكسي الذي كان يقودني في جولة بالمنطقة العودة بالنظر إلى أن الحالة الامنية تقتضي أن نعود مبكرا لكن السائق قال لي: «لا تخف يا صديقي فالوضع في وسط المدينة هادئ والحياة تمضي كالمعتاد» إلا أنني ألححت في الطلب فلا شيء في المدينة بعد أن تغلق المقاهي والاسواق.

ونحن في طريق العودة شد انتباهي لافتات لافلام هندية ولوحة كبيرة كتب عليها (سينما نيالا). يا إلهي سينما في نيالا وأبوابها مفتوحة بعد الثامنة.

قلت لسائقي: توقف يا ماجوك ودعني أشاهد ما يحدث فأنا لا أصدق أن تكون في دارفور قاعة للسينما.

نزلت من السيارة وبدأت في مشاهدة ملصقات اعلانية ضخمة لافلام هندية وصينية.

قال سائق التاكسي الذي يدعى ماجوك وهو من جنوب السودان إنه انتقل للعمل في نيالا قبل سنتين بعد أن انتعشت الحركة الاقتصادية هنا بحكم التواجد المكثف للمنظمات الدولية وقوات الهجن في دارفور.

عند مدخل السينما الخارجي، لمحت سيدة في العقد الرابع من عمرها تبيع بعض المكسرات فضلا عن الشاي والقهوة اقتربت منها رحبت بنا سألتها: منذ متى تعملين في هذا المكان؟ قالت: «منذ 17 عاما عندما انتقلت إلى هنا للعمل فأنا أصلا من جنوب كردفان».

سألتها: كم تكسبين ابتسمت وقالت: «حسـب الـحركة وكم الحضور والمشاهدين».

دخلت السينما وككل دور السينما في العالم وفي غرفة صغيرة يطل شباكها على خارج السينما جلس رجل في أواخر الخمسينيات يبيع تذاكر الدخول.

سألته: كيف تفتحون أبوابكم وأنتم في حالة امنية غير مستقرة أجابني بهدوء: «صحيح أن الحركة قلت كثيرا منذ بدء الازمة الا أننا لم نغلق أبوابنا أبدا فهذه قاعة سينما مكشوفة ولا نعمل الا ليلا ورغم الازمة فاننا نعرض أفلامنا ويتراوح عدد الحضور بين 20 إلى 30 مشاهدا».

ولم نكمل حوارنا فقد علم صاحب السينما السيد «آدم» بوجودي وطلب مني أن أصطحبه الى مكتبه لاعطائي فكرة عن سينما نيالا.

وداخل مكتبه المتواضع لمحت صورا لكبار نجوم السينما الامريكية والعربية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

وقال آدم «إن هذه السينما بناها كامل دلال وهو أرمني سوري جاء الي نيالا في اواخر الخمسينيات من القرن العشرين وتزوج من دارفور واقام العديد من المشاريع التجارية فضلا عن سينما نيالا التي فتحت أبوابها عام 1963، ومنذ ذلك التاريخ والسينما تعمل يوميا وتعرض أفلامها».

وأضاف الرجل: «في السبعينيات والثمانينيات كنا نعرض الافلام الامريكية وتحولنا مع بداية التسعينيات الي الافلام الصينية والهندية والناس هنا يعشقون الافلام الهندية لقربها من واقعهم المعيشي فشخصية الفقير هي التي تنتصر في النهاية على عكس الافلام الامريكية التي تعتمد دائما على الاقوى والاكثر مالا وتسليحا».

يتحسر آدم على الايام الخوالي عندما كانت قاعة السينما تكتظ بروادها ويتم حجز التذاكر قبل يوم أو يومين في بعض الاحيان ويقول: «أما الان وبحكم الاوضاع الامنية وانتشار القنوات الفضائية فليس من السهل استقطاب الجمهوراضافة الى صعوبة إحضار الافلام من شركات التوزيع في الخرطوم والتي لا تجلب الافلام الكبيرة على غرار الثمانينيات فقد تغير كل شيء».

يواصل محبو السينما في نيالا ارتيادهم لها رغم الظروف الامنية وحالة المقاعد البائسة والافلام القديمة نسبيا.

يقول عوض (25 عاما) إنه يحب السينما لان الشاشة كبيرة وهو لا يشاهد الافلام مع عائلته في التليفزيون لانه يخجل من مشاهدة بعض مشاهد العري فيها مع بقية أفراد العائلة.. أما ابراهيم وهو شاب عاطل عن العمل كأغلبية شباب دارفور فيقول إن «السينما الوحيدة هنا هي المتنفس الوحيد لنا خاصة ونحن نعيش حالة توتر كبيرة ، فالسينما تمنحنا الحلم والامل».

غادرت سينما نيالا وأنا أتساءل عن غرابة هذا العالم فحول المدينة تنتشر معسكرات اللاجئين حيث يعيش الالاف من أهالي دارفور على المساعدات الانسانية في ظروف بالغة القسوة وهم لا يغادرون معسكراتهم وربما لايعلمون حتى بوجود قاعة للسينما، ولكن رغم كل الظروف المعاكسة، فقد تكون قاعة السينما لاهل تلك المنطقة بمثابة شمعة الامل لتعود السينما من جديد كعادتها تعرض أحدث الافلام وتبعث الامل في نفوس روادها. د.ب.ا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى