انتشار الأقراص المخدرة بين أوساط الشباب والجهات المعنية غير مبالية

> إعداد: قسم التحقيقات

> تروي إحدى المعلمات حكاية أم مكلومة، جاءت تشكو تصرفات ابنها الطالب في المرحلة الثانوية، وقد أدمن على تعاطي "الحبوب المخدرة" بأنها ضبطت ولدها في أكثر من واقعة يقوم بسرقة مقتنيات المنزل وأموال حقيبتها"، وعندما استدعت -المعلمة- الطالب لإسداء النصيحة له وماواجبه تجاه أمه، واجهها بردة فعل عنيفة، وتوعدها بالأذى إذا أقحمت نفسها مرة ثانية في المسائل الأسرية.
وهي رواية عززتها إحدى الأخصائيات في عـدن، بحكاية أخرى، لأم كانت تلاحظ ولدها "المراهق" يمارس سلوكيات غير سوية في ساعات يكون فيها على غير سجيته، حيث يقوم بإغداق أخته بالعبارات الغزلية كما لو كان يخالها محبوبته، ذلك قبل أن تكتشف أن ولدها يتعاطى العقاقير المخدرة.
حكايات وأحداث كثيرة بتنا نسمعها يومياً من واقع المجتمع العدني، في ظل تزايد المخاوف من انتشار (العقاقير والأقراص المهدئة)، التي أصبحت بمثابة شواهد إثبات لجرائم مجتمعية ولقضايا أسرية مفجعة، سيما وأن وقائع الأحداث أثبتت أن المدمنون والمتعاطون لهذه الآفات والسموم هم المتسببون بارتفاع معدل الجريمة، والانخراط ضمن جماعات وعصابات مسلحة تمتهن أعمال وجرائم منظمة في السرقة والتقطع والابتزاز.
تعطيل طاقات الشباب
يرى بعض المختصين الاجتماعيين أن ظاهرة ترويج ونشر العقاقير والأقراص الممنوعة بين شباب عـدن، بوصفها: "واحدة من وسائل القتل البطيء التي تستهدف شباب المدينة"، حيث تعمل هذه العقاقير على تدمير بنيتهم البدنية، وتعطيل طاقاتهم العقلية للحيلولة دون تمكينهم من العمل والتطور والإبداع، ومن ثم عزلهم تدريجياً عن المجتمع وإخضاعهم لأوضاع من الوهن والتبلد، وعدم الإحساس والتفاعل مع مجريات الأحداث الدائرة من حولهم.
ويشير المختصون، إلى أن أكثر الشباب الذين وقعوا فريسة الإدمان هم من الذين يعانون مشكلات اجتماعية واقتصادية وبطالة وفراغ قاتل، أو ممن أصيبوا بنظرة إحباط وتشاؤم حيال المجتمع الذي ينتمون إليه، وآثروا الفرار من واقع معادي إلى اجترار مرحلة أكثر عدوانية باقتراف جرائم خطيرة وتصرفات مارقة لم تكن مألوفة في مجتمع عـدن، أبرزها: زيادة قضايا القتل والعنف والاغتصاب والسطو المنظم.

ويطالب المعنيون بشؤون المجتمع، على ضرورة أن تقوم مختلف أجهزة الدولة بممارسة مسؤولياتها، والعمل على إعداد برامج ووسائل علمية وتوعوية واسعة لمكافحة الظاهرة، وتوفير مراكز وعيادات مجانية لعلاج الفئات المدمنة؛ خصوصاً وإن ظاهرة انتشار الأقراص المخدرة بين شرائح الشباب أضحت كارثة حقيقية تهدد المجتمع برمته، ولم تجد رادع يردعها أو مؤسسات رسمية تحاسب من يقوم بتهريبها والمتاجرة بها.
* ضحايا أوضاع مجتمعية.
تقول الأخصائية النفسية "أشواق عفيفي"، إن معظم الذين يتعاطون الأقراص والعقاقير الممنوعة هم من فئة الشباب، الذين يعانون العوز والبطالة والضغوطات المادية، وبعضهم من غير القادرين على مواجهة مشكلاتهم العائلية والعاطفية".
وتضيف: "بعض الشباب وجد من هذه (الحبوب) وسيلة لإفراغ مشاعر مكبوتة، تصل أحياناً إلى تمجيد الشخص لذاته، والانسياق دون مبرر إلى ارتكاب العنف والحماقات بحق الآخرين.
وتوضح:" إن من أبرز العوامل النفسية التي تدفع الشباب إلى تعاطي هذه العقاقير والأقراص حـد الثمالة والإدمان، تنحصر في إحساسه بعدم الثقة والقيمة بنفسه، وغياب الوازع الديني والأخلاقي، وانكفاء الطموح وانكسار التفاؤل.
ويوضح "وهيب حسن اسماعيل" باحث في شؤون المجتمع:" إن من نتائج الأعراض التي تنتاب المدمنين، أنها تمنحهم شعورا مغالطا بالنشوة والمتعة، لكن مع انتهاء تأثير (الحبة المنشطة) تتحول الراحة إلى كآبة، وتصاحب المدمن أوقات من الضيق والرغبة بالانطواء والخلود لساعات طويلة في النوم، وعندما يستيقظ يشعر بأوضاع نفسية سيئة، وغالباً ما تجنح تصرفاته إلى العصبية والإتيان بأفعال متهورة حيال الآخرين، عندما يقومون باختلاق مشكلات ومشاحنات معهم دون وعي أو مبرر.
ويرجح "وهيب" أن ظاهرة انتشار المخدرات، والإدمان عليها، تعتبر واحدة من أسباب زيادة معدل الانتحار في المجتمع اليمني خلال الــ3 الأعوام المنصرمة، وفق تقرير مركز الإعلام الأمني لوزارة الداخلية اليمنية، والذي أشار فيه إلى أن مستويات الانتحار بين أوساط الشباب من أعمار 19-30 عاماً، بلغت 50 % من معدل فئات المنتحرين".
* العقاقير الأكثر رواجاً.
تأتي العقاقير والأقراص المهدئة في قائمة الأنواع المخدرة الأكثر انتشارا في عـدن، والتي يتعاطاها الشاب المدمن بإفراط، وهي شرائط أقراص (الدايزبام) وأنواع مثل (الكابتجون) وحبوب الهلوسة (الكيتامين) و(SD) والتي تباع جهاراً في معظم حارات وشوارع عـدن، بسبب أنها تعد الأرخص ثمناً والأكثر تأثيراُ على دماغ متعاطيها.
وهناك أكثر من 20 نوع من الحبوب المخدرة تنتشر في عـدن، وهي حبوب يطلق عليها متعاطوها تسميات عديدة منها (زرارات ـ والقذافي) وهي أقراص صنفتها المختبرات الطبية بأنها تحمل تركيبة مادة (Amphetamine) و(Captagon) الخاصة بعلاج أمراض الأرق والحالات العصبية والنفسية المستعصية، بدءاً بحبوب الهلوسة (dz/rt/bar) وحبوب المنشطات (ATS) وحبوب (fyr/fyn/roh/bnz) والعقارات المهدئة التي تحتوي على (dz/lam/fal/ (mak) وبعض هذه الأنواع دخلت اليمن بواسطة التهريب، وأصبحت تباع دون رقابة في الأسواق المحلية وبأسعار زهيدة.
* مخازن تبيع السموم.
يقول أحد الشباب المدمن على هذه الأقراص:" إن أكثر الأنواع تداولاً بين المتعاطين ترجع إلى شرائط (الديازبام، الفاليوم، الروش، الريشتل، المجودن) والأخير يستعمله الأطباء كعلاج منوم للحالات المستعصية عصبياً وعقلياً".
ويكشف الشاب: "إن مصدر بيع وترويج هذه المنشطات والمهدئات تعود إلى عدد من مخازن بيع الأدوية وبعض العاملين في المستشفيات الحكومية، الذين يقومون بسرقتها من داخل المستودعات، وبيعها بواسطة أشخاص في السوق السوداء، وفي أحياء مختلفة من عـدن".

ويوضح بقوله: "تتراوح سعر هذه الأقراص ما بين أسعار متفاوتة من 500 إلى 1500 ريال للشريط الواحد، لكن بعض الشباب المدمن يفضل استخدام حبوب (برازول) ذات اللون الأزرق التي تحتوي سعتها "واحد ملي"، وقيمة هذا الشريط يباع في السوق السوداء بـ 2000 ريال، أي سعر الحبة الواحدة مائتي ريال، بينما سعره الحقيقي يباع في مخازن الأدوية الرسمية بـ 400 ريال للشريط الواحد.
* انتشار (الحشيش والهروين).
كما هو الحال للحبوب والأقراص المهدئة المنتشرة في عـدن، فإنه لم يعد خافياً أيضاً على أن ظاهرة بيع وتعاطي (المخدرات) بدأت هي الأخرى تنتشر في أسواق المدينة بشكل لافت ومقلق خلال السنتين الماضيتين، نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة التي شجعت ضعفاء النفوس على الاتجار بها وتسويقها بين شرائح الشباب والمراهقين.
وتؤكد مصادر أمنية في عـدن" إن أجهزة الأمن ضبطت خلال الأشهر الماضية، قضايا بيع وترويج مخدرات في مديريات مختلفة من المحافظة، خصوصاً من نوع (الحشيش والهروين والبودرة البيضاء) ومادة (الكوكايين والكبتاجون) وغيرها من المواد المخدرة والمنشطة التي تشحن عبر طرق وأساليب عدة من بلدان مثل "إيران وباكستان وأفغانستان"، وتدخل البلاد عن طريق التهريب عبر المطارات والموانئ المفتوحة والمسالك البرية الأخرى".
وبحسب المصادر نفسها،" فإن عملية ضبط "المخدرات" المروجة بالداخل تكون معقدة جداً؛ لأن مسألة بيعها وترويجها تتسم بطابع خصوصي حذر، فلا يمكن لأجهزة الأمن ضبط أي شخص ما لم يكن متلبساً.
وتضيف: "تم مؤخراً ضبط أطفالا يروجون لكميات من المخدرات، بالإضافة إلى عدد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 28-30 عاماً، بينهم "صوماليين" تم القبض عليهم متلبسين أثناء قيامهم بترويج (الحشيش) وأقراص مخدرة من نوع (راتنج ورستك) بين صفوف الشباب في شوارع عامة في مدينة عدن".
* جهات تتاجر بالمخدرات.
في ظل غياب إحصائية رسمية عن عدد المدمنين للمخدرات والحبوب الممنوعة في عـدن، فإن المؤشرات بحسب ما يؤكده باحثون اجتماعيون، تشير إلى أن ظاهرة تجارة المخدرات والحبوب في توسع مضطرد، وإن عدد المدمنين يزدادون يوما بعد يوم، معظمهم من شباب في سن المراهقة، تتراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 25 سنة.
كما أن السلطات الأمنية في عـدن، على علم بأسماء بعض الأشخاص والمخازن والصيدليات التي تعمد إلى ترويج الحبوب الطبية الممنوعة، وبيعها في الشوارع والأسواق العامة لجني فوائد مالية مضاعفة، لكنها لم تبادر في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحقها.
وتظل الشكوك الأبرز في قضية انتشار المخدرات في عـدن، تحوم حول عدد من الجهات النافذة المسؤولة والمتواطئة في عملية تجارة وترويج المخدرات بين صفوف شباب المحافظة، حيث أكدت مصادر أمنية" بوجود شحنات تهريب لمخدرات تم ضبطها في ميناء عـدن خلال الفترة الماضية، وأفرج عنها في ظروف غامضة، وعن شباب تم القبض عليهم متلبسين في عملية بيع وتهريب مخدرات تم الإفراج عنهم أيضا وترحيلهم إلى خارج البلد، بعضهم أفرج عنهم بتعليمات مسؤولين عسكريين وأمنيين، حد قولها".
* تدمير الأجهزة العصبية
وحول مدى تأثير الأقراص المهدئة على الصحة العقلية لدى المفرطين في تناولها، يوضح
الأخصائي سمير عبدالله بقوله: "إن الفحوصات الطبية المختبرية التي أجريت على بعض أنواع هذه الحبوب، مثل حبوب (الدايزبام) الشائعة بكثرة بين الشباب، وأنواع أخرى مثل (الكابتجون) وحبوب الهلوسة من أنواع (الكيتامين) و(SD) إلى جانب أكثر من 20 نوع من الحبوب المخدرة والتي شملتها الفحوصات المختبرية- وهي من الأصناف الأرخص ثمناً في الأسواق و الأكثر ضرراً وتدميراً لخلايا الدماغ- حيث بينت نتائج الفحوصات:" إن معظم هذه الحبوب تسبب لدى متعاطيها نوبة عصبية تراكمية تقود إلى حالة الإدمان، وتؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي، وتسبب تسمماً للكبد والكلى، مشيراً إلى أن مفعول الحبة الواحدة من (الدايزبام) تدمر ما يزيد عن 100,000 خلية من خلايا الدماغ ولا يمكن لجسم الإنسان تعويضها".
* ضحاياه في ازدياد.
غالباً ما نشاهد الشباب المدمن يتعاطون هذه الحبوب المعروفة محلياً بحبوب الهلوسة، خلال ساعات مضغ (القات)، بحجة كما يصفها متعاطوها، بأنها تريح الأعصاب، وتعدل المزاج، وتنعش المشاعر الخاصة لبلوغ ذروة السعادة والانتشاء، ويبلغ مستوى حجم التعاطي بالنسبة للشباب المدنين عليها بإفراط، من نصف شريط إلى شريط كامل في اليوم الواحد، وللمبتدئين من 3 إلى 5 حبات يومياً.

وفي ظل غياب إحصائيات واضحة عن عدد ضحايا متعاطي الحبوب المهدئة في اليمن، خصوصاً في مدينة عـدن، نجد أن الضحايا يزدادون يوماً وراء يوم، وظاهرة تعاطيها بدأت بالاتساع بين أوساط طلاب مدارس المرحلتين الإعدادية والثانوية، وبين فئات المراهقين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 25 سنة، وبين الشباب البالغين الذين يعانون من مشكلات اجتماعية واقتصادية وبطالة وفراغاً قاتلاً، حسب ما يقوله الباحثون الاجتماعيون، الذين طالبوا بضرورة إيجاد وسائل عملية لمكافحة الظاهرة، وتوفير مراكز علاجية لعلاج مدمنيها.
وعلى الرغم من اعتراف نقابة الصيادلة اليمنيين بوجود حالات تهريب لأصناف مثل هذه الأنواع من الأدوية الممنوعة التي يتم بيعها محلياً في الأسواق السوداء، وتأكيدات سابقة للهيئة العليا للأدوية، التي حددت قائمة بأسماء الأدوية المخدرة، وأوصت بعدم السماح في تسجيلها أو استيرادها إلاعبر جهات مخولة قانوناً، وإلزام باعة الأدوية في الصيدليات بعدم بيعها، إلا بواسطة وصفة طبية عليها إمضاء طبيب مختص، مع وضع علامة على الصنف المباع في الروشته؛ حتى لا تستغل الروشتات الطبية من أشخاص آخرين يريدون الحصول عليها، غير أن بعض الصيدليات ومخازن بيع الأدوية في عـدن لم تلتزم بذلك، لاسيما في مديريات الشيخ عثمان ودار سعد والمنصورة، حيث يعمد مالكوها في تسليمها إلى شباب متعاملين معهم؛ لأجل بيعها في الشوارع والأزقة وجني فوائدماليةمضاعفة من ورائها،وقيام بعض العاملين في المستشفيات الحكومية بتهريبها من داخل المستودعات وبيعها في الأسواق السوداء، في ظل انعدام الرقابة الفاعلة على وضع ضوابط ومعايير لمزاولة مهنة الصيدلة، وغياب الإجراءات العقابية بحق الأشخاص والصيدليات ومخازن الأدوية المخالفة التي تقوم ببيعها دون استشارات طبية مرخصة.
تحذير لكل شاب.
يؤكد أحد الشباب ويدعى "بسام" "على وجود صنف من هذه الحبوب منتشرة في عـدن، يطلق عليها حبوب (التهيؤات) وهي حبوب ـ حد قوله ـ تستخدم كدعابات ومقالب لبعض الشباب غير العارفين".
ويستطرد موضحاً كيفية جر الشباب إلى الإدمان عليها، حيث " توضع حبتين من هذه الحبوب في الماء أو المشروبات الغازية دون علم الضحايا، تجعلهم ينتشون ويتخيلون أموراً لا علاقة لها بالواقع، وذلك بهدف جرهم إلى التعاطي والإدمان، مضيفاً.." إن هناك شباب مدمنين يقومون بالترويج عن خصائص مفعول الحبوب المخدرة وحبوب الهلوسة بين أوساط الشباب العاديين في عـدن، والغاية في التناول تكون في البداية التعرف على ماهيته كمجرد حب استطلاع والرغبة في تقليد الآخرين، وقد يصبح الدافع المتكرر هو السعي للحصول على راحة نفسية، وسعادة مزيفة تجعلهم يسقطون في براثن الإدمان والدمار.
ويسرد الشاب قصة زميلا له مدمن على تعاطي العقاقير، قائلاً :" في إحدى الأيام أقبل نحوي شاباً بهيئة رثة، لا أعرفه ولكنه طالب مني إعطاؤه بضعة وريقات من (القات) "تحدثت إليه لبرهة وبدا لي وكأنه مشتت الذهن، ويتكلم بلسان ثقيل النطق، ويهذي في مواضيع مبهمة لم أفهم منها معنى، حسبته في البدء ثملاً وسرعان ما أفصح لي بأنه يتعاطى حبوباً مهدئة، واصفاً إياها بأنها تمنحه طعم السعادة الحقيقية التي يفتقدها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى