حوار بين لصّين في جو حار

> عياش علي محمد:

> جرى حوار ساخن بين لصّين اكتملت ونضجت فيهما اللصوصية، أحدهما ارتفع شأنه وأصبح من طغاة المال، والآخر لا يزال ينتمي إلى الطبقة المسحوقة من اللصوصية.
جرى ذلك الحوار في ليلة تجمعت فيها فصول السنة الأربعة، سأل اللص المسحوق زميله الذي أصبح قطاً سميناً، كيف استطاع أن يعبر كل مراحل اللصوصية بسرعة البرق ويتحول إلى قط سمين، بينما لا يزال هو يقبع أسفل السافلين؟.
رد عليه القط البرجوازي بعنف بالغ: أرجو منك عدم ذكر شيء من هذا حتى لا تخدش مسامعي بالحديث عن تلك الفترة، حين كنا
نشتغل في الأسواق، فتلك الأيام كانت أصابعنا خفيفة لا يشعر بها المسروق، أما اليوم فأصابعنا تضخمت لا تصلح كما كنا نفعل من سابق. لم يقتنع المسحوق بردود زميله، فعاود الكرة وسأله كيف تَّحول من قط يعاني فقر الدم، إلى قط تخين؟.
فرد عليه: سأجيبك يا صديقي فقط أصغ إليّ بمسامعك، فالجواب يا سيدي بسيط جداً،ولا تتوقعه، إنني بكل بساطة قمت بتهذيب
لحيتي البيضاء ومرغتها بالحناء فصار لونها ذهبياً أخاذاً، واستثمرتها في الأنظمة السياسية والاقتصادية والإيديولوجية، فغزوت بها عالم الناس والأرض والبحار، وأصبحت كما ترى رجل أعمال بطريقة قانونية. لكن المسحوق رد عليه:بل قل لص بطريقة شرعية، فتابع القط السمين: تعال وسوف أخبرك بفنون اللصوصية التي غابت عن مداركك وجعلتك لصاً فقيراً.
ذهب اللصان إلى أحد الفنادق الفاخرة، وقعدا على طاولة، وطلبا المرطبات والمشهيات وتبادلا الحديث الودَّي، قال القط الكبير: نحن لا نعمل دون (نظرية)، اللصوص ليسوا أغبياء ولا جهلة،وهم يتمتعون بالتعليم والخبرة، نحن على سبيل المثال نقدم للناس (نظرية)، عن تسامي الجنس البشري، ونرفع من شأنهم كي نسدل الستار على رغبتنا الجارفة في إبادة عدونا. وواصل القط الكبير فلسفته النظرية، قائلا: هناك ولايات مخيفة تعشق الحروب وقد تطيح بنا وبآمالنا المستمرة في التمتع بهذا الثراء، وكل شيء نعتبره كسباً شرعياً.
ألا تعلم يا صديقي أننا ندير هذا الفلك بممثلين عنا على الأرض؟، لايفهم الناس أغراضنا السياسية فقد خدعناهم بملابسنا وبزاتنا العسكرية وبعمائمنا وبالأوسمة والنياشين وباللحى البيضاء والحمراء والسوداء، حتى صارت لحانا على شكل رمز وطني يحترمه الجميع، ولا يزال الناس مخدوعين بنا ونأمل أن يستمروا على ذلك حتى يتحولوا إلى رماد.
وسأل الصغير: هل لا يزال يمارس مهنته التقليدية في نشل حقائب النساء، وخواتم الأطفال،وسرقة جيوب الفقراء؟. فقال: بالطبع لا، فلم تعد هذه العادة مدّرة للمال، فقد اكتسب الناس خبرات في إخفاء نقودهم.. نحن تركنا اللصوصية الدارجة
والتحقنا باللصوصية السياسية.
لكن القط الصغير تساءل مرة أخرى وماذا تعني باللصوصية السياسية؟. فرد عليه: إننا عشقنا السلب والنهب ولنا مواهب فيهما، نتملَّق للشخصية المعنية، وعيوننا ثاقبة للتخلص منه.
وأي مشكلة نثيرها تدخل في مصلحتنا، ومن المحتمل أن تحل المشكلة المثارة من قبلنا حسب ما نشاء نحن، وهناك طرق عديدة، ولكني اقترح عليك أن استخدم نفوذي كي أجعلك تتسنم منصباً يدر عليك المال. فرد اللص الصغير: معاذ الله لن أنجر لطريقتك في اللصوصية، سأظل على طريقتي في النشل وتكفيني لقمة واحدة، ولو أن العقاب الذي سأناله خفيف بما سوف تلاقية يوم القيامة.
أجاب الثخين: العقاب سينالنا كلنا، الظالم سيموت والعادل سيموت، والغني سيموت والفقير أيضا.. أما بعد الموت ويوم الدينونة فهذا عند الله .. ألا تعلم أننا نتصدق وقت الكوارث على الناس بالمأوى والغذاء والكساء والنفقات،ونساعد في إنقاذهم، أما أنت فلا تقدم شيئاً للمحتاجين، بل تسرقهم وهذا عقابه شديد وما ستناله أكثر مني. فهل فهمت؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى