كركر جمل

> عبده حسين أحمد:

> • كنا إذا جلسنا في مكان واحد وتبادلنا الحديث.. يظهر واحد منا ويقول محذراً: "ياجماعة حاسبوا على كلامكم الجدار له آذان" وكنا لا نصدق هذا الكلام.. بل نسخر منه ولا نأبه له ولا نهتم به.. هذا لأن أيام زمان عندما كانت الصدور رحبة، والقلوب صافية والضمائر حيّة.. ولكن بعد الحروب الكونية الأولى والثانية ثم بعد الحرب الباردة وانتشار الأقمار الصناعية وأجهزة الأمن والمخابرات السرية في العالم.. أصبح الكلام مسموعاً والأسرار معروفة، أصبح الخوف من كل شي هو الذي يسيطر على حياتنا.. ومن الذي لا يخاف من القتل ومن الجوع ومن المرض والخوف من الكلام المفتوح أيضاً.. فالخوف هو الذي يحكم ويتحكم بين الناس في العالم.
• ولا بد أن العبارة التي كانت تدور بين اثنين من الناس "خليّ الكلام بيني وبينك فقط".. هذه قد انتهت وكان لابد أن تنتهي.. فلا سر ولا أمان ولا خصوصية عند أحد من الناس.. وأنت لا تصدق أن أحدا يحفظ سر الاخر اليوم.. فلم يعد هناك مكان للسر بيننا.. ولا بد أن ينتقل هذا السر من واحد إلى آخر إلى عشرة إلى عشرين في غضون دقائق أو ساعات.
• وفي العصر الحديث.. عصر التكنولوجيا الحديثة.. يجب أن تنتبه إلى كلامك.. يعني أن تراعي كل كلمة تقولها سراً أو علناً.. وأن يكون كلامك معقولاً ومقبولاً وبحساب دقيق.. وأنت لا تصدق الذي يقولك "قل ماشئت وأنت في أمان" ويجب أن تعرف أن الذي قلته لابد أن ينتقل إلى الآخرين.. وليته ينتقل بصدق وأمانة.. ولكنه سوف يطرأ عليه التغيير والتعديل والتحريف والتبديل و الزيادة..
وبعد ذلك استعد فالحجر من الأرض والدم من رأسك وجسمك.
• وفي عصر التكنولوجيا الحديثة.. أنت لا تستطيع اليوم أن تأتمن أحداً على كلامك فكل شيء أمامك قد يكون مظبوطاً عليك.. فالعدسات والأزرار والأقلام منتشرة في كل مكان.. وكل شيء أمامك فيه عدسة أو زرار في ثيابك.. وكذلك التلفون أو الراديو والكرسي والمنضدة في غرفة الاستقبال والسرير في غرفة النوم وخزان الماء في الحمام أيضاً.. كل هذه الأشياء قد تكون محطات تصوير أو إرسال إلى أي أحد.. ولذلك صدق من قال أن الجدران لها آذان ولها عيون أيضاً.
• وكما أن للآذان جدران أقول أن للمعدة لها آذان أيضاً.. فأنت إذا لم تأكل.. أو إذا أكلت ولم تشبع فكيف يمكن أن تكون إنساناً يطلب الحرية والعدالة والمساواة بين الناس.. فالجائع لا يمكن أن يعرف شيئاً قبل أن يأكل.. وكل شيء بعد ذلك يجيء بعد أن يأكل.. فالجوع كافر.. وقد يرتمي الجائع غصباً عنه في أحضان العدو.. وقد تصبح معدة الجائع بعد ذلك لها آذان تسمع وتنقل كل شيء وأي شيء إلى من لا نحب ونكره.
• وقديماً في مجلس الشيوخ الروماني وقف أحد الخطباء وألقى شعراً.. فقاطعه أحد أعضاء المجلس وقال له: "أطعمونا أولاً وأسمعونا شهراً بعد ذلك".. فالطعام أولاً وقبل كل شيء.. وإذا لم يجد الإنسان ما يكفيه هو وأولاده من الطعام.. فكل شيء بعد ذلك لا معنى له ولا ضرورة.
• البطون الفارغة من الطعام هي التي تتحكم بأصحابها.. وهي التي تحدد مسار حياتهم يميناً أو يساراً !

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى