منطــق الثــورة وستــارهــا الــزائــف

> كمال محمد الديني / عدن

> لا يخفى على الكثير منا أن الثورة بمفهومها البسيط هي نتاج لبعض الممارسات اللا مسئولة من النخب السياسية الحاكمة التي دائما ما كانت في معزل عن شعوبها وعن مصالح مواطنيها وتطلعاتهم المستقبلية، وتغيير تلك العقليات والنمطيات السياسية والفكرية القائمة على الشعارات الزائفة، والحالة الاقتصادية المتردية والانحلال الاجتماعي والفكري في كيان الدولة والمجتمع الواحد، وتقوم تلك الثورة على مبدأ التغيير، وقد أعطانا التاريخ الإنساني الكثير من تلك النماذج، وخاصة في القرن الماضي الذي كان قرن الثورات بأوسع وأدق معاني الكلمة، فقد شهد عددًا من الثورات التي غيرت مسار التاريخ وأدخلت تعديلات جذرية في حياة شعوبها، وأيضًا كانت لها نتائج ضاغطة على بقية دول العالم.
أما الثورة بمفهومها المركب فقد وجدت مجالاً واسعًا في كتابات علم الاجتماع السياسي، وانتقل هذا الاهتمام إلى الكتابات الانثروبولوجية بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت مادتها في ذلك الوقت ثورات العالم الثالثة المنادية بالاستقلال وكسر قيد العبودية من الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب، وبينت تلك الكتابات أن الثورات الاجتماعية هي تحولات جذرية عميقة وسريعة قد تكون مفاجئة وغير متوقعة ويترتب عليها تغيير الأبنية والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكنها تغيرات تحظى بقبول وتأييد الجماهير العريضة التي تعاني من اغتصاب الأرض والظلم والاستبداد والتهميش والاستبعاد عن المشاركة في اتخاذ القرارات المؤثرة في حياتهم والشعور بالاغتراب داخل أوطانهم وغرس قيم اجتماعية جديدة وهوية سياسية وتاريخية مخالفة للواقع، وتقوم تلك الثورة على مبدا التحرير.
وبالعودة إلى ما شهدته المنطقة العربية من ثورات ضد الظلم والاستبداد، فقد أخذت معظمها الطابع أو المفهوم البسيط للثورة، وقامت تلك الجماهير بالخروج على أنظمتها التي ظلت في معزل عنهم وعن تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل، وحاولت تغيير الواقع السياسي المتهالك القائم على الشعارات الرنانة والزائفة والحالة الاقتصادية المتردية بسبب الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة والانحلال الفكري والثقافي وعدم الشعور بالأمان والعدل والمساواة وقمع الحريات، إضافة إلى نهب المقدرات وظاهرة التوريث فظهرت بوادرها بالاعتماد على القطاعات متسوطة الدخل والمثقفة من سكان المدن وظهرت فئة الشباب المقهورة كأبرز فئات المجتمع العربي المؤمنة بالتغيير، ولكن المشكلة تمثلت في أن السواد الأعظم من تلك القطاعات لم تكن على وعي كامل بالمتغيرات السياسية، وهذا شكل طبيعي وبفعل الممارسات اللاديمقراطية لتلك الدول والستار الزائف للتعددية الفكرية والسياسية ولضعف مؤسسات المجتمع المدني فيها، ومن الأسباب أيضًا عدم وجود رؤية سياسية شاملة تجمع قوى الشباب وترسخ معاني الثورية الحقيقية عندهم ما جعلهم فريسة لتلك القوى السياسية التقليدية العتيقة (المسماة بالمعارضة) والتي هي أيضًا جزء من المشكلة في الوطن العربية، فغالبية تلك القوى السياسية ترفع الشعارات وتتنصل من عهودها عند الفوز بزمام السلطة.
أما الثورة في اليمن فهي كمثيلاتها العربيات تم القضاء عليها مبكرًا من قبل النخب السياسية ذوات العقليات والأدوات الفيدية التي روجت لهذه الثورة وكأنها الحل الأمثل لكل مشاكل اليمن شمالا وجنوباً (الخصوصية الجنوبية) وسرعان ما تحولت تلك الشعارات الثورية إلى وفاق وطني واصطفاف شعبي وغيرها من التسميات، والظاهر أن النخب السياسية ذوات العقليات والأدوات الفيدية قد فاتها.. أن معنى الثورة هي قطع أو كسر في مسار الأمور والانتقال الفجائي السريع من النظام التقليدي السائد والمتوارث منذ عقود طويلة، وخلع كافة الرموز والمشاركين في هذا النظام إلى نظام جديد قد يكون مخالفًا أو مناقضًا تمامًا لما هو قائم.
أي أنها لا تستهدف تغيير الأشخاص الذين يتولون إدارة شئون المجتمع بالطريقة التي دفعت إلى التمرد، وإنما النخبة السياسية الحاكمة والبطانة الراعية لها.
ودائمًا ما يكون التغيير الاجتماعي للثورة أساسيًا ومبدأ هاما لقيام أساليب ومبادئ حياة تهدف إلى التطور الاجتماعي والسياسي، وبالتالي تغيير النمطية العقلية والسياسية الموجودة في المجتمعات، والملاحظ أن الثورات الحديثة هي عبارة عن حركات تقدمية تقوم بها الشعوب لاستعادة حقوقها المسلوبة وهويتها وكرامتها الضائعة مهما كلفها الثمن.
ونعرفها بأنها هي التي تؤدي إلى تغييرات أيديولوجية عميقة في الكيان الاجتماعي والسياسي للدولة، وليست تعديلات في بعض النظم والعلاقات السياسية والاقتصادية عن طريق الإحلال، أي تغيير بعض الوجوه وإحلالها في مواقع أخرى للدولة والتقاسم النسبي لتلك القوى، فالثورة هي صوت الرغبة في مستقبل جديد بعيدًا عن المكايدات السياسية والمحاصصة الحزبية.
ولو قارنَّا كل ما سبق بالحالة اليمنية لوجدنا أن مفهوم الثورة قد أسدل عليه ستار الثورة الزائف الباهت في الموضوع والمضمون والهادف إلى تعزيز النزعة القبلية المصبوغة بالاتجاهات العنيفة نحو الراديكالية الدينية المنسوخة من نماذج موجودة في مناطق وأصقاع مختلفة كنوع من أنواع تناسخ الثورات، وبالتالي فهي بعيدة كل البعد عن المنطق الاجتماعي والسياسي للمبادئ العامة للثورة الحقيقية.
**كمال محمد الديني / عدن**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى