آهات امرأة

> عبدالله علي جعيرة

> ولدت على ثرى هذه المعمورة، ثم صارت ارملة يغشاها البؤس والحزن والحرمان، عاشت سنوات عجافا، أثرت على جسدها الطاهر، فتجعد وجهها وهي في ريعان شبابها، كل هذا أثار نفوس البعض ودعاهم لسؤالها: لم كل هذا أخية وأنت في ريعان شبابك؟
حينها أمعنت النظر لسائليها لبرهة من الزمن وكلهم آذاناً صاغية لجوابها، شردت بها ذاكرتها وعادت بها إلى ذالك الزمن الجميل الذي عاشته في بداية مشوار حياتها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة وابتسامات عريضة ترتسم على شفتيها المتجعدة، كل هذا أثار من كانوا بجانبها ومن سألوها وأصيبوا بدهشة وهم يرون حالها وهي تتمتم بهذه الكلمات والابتسامات، حتى تلفظ أحدهم قائلاً: لقد زل عقلها.
حينها نظرت إليهم باستغراب وقالت: أتدرون ماذا حل بي وبجسمي وترهل جسدي وخارت قواااي وأبيض شعري وتأرجحت قوامي ولبست هذه الثياب البالية وأسود جسدي !؟ قالو لا علم لنا.
فاستدارت وولت وجهها مغرب الشمس وأشارت بيدها الهازلة إلى حائط قديم يجلس بجانبه ثلة من الناس أتدرون من هم ؟
قالو كلا. قالت: هم عيالي وأولادي !! بل هم فلذات كبدي وهم حماااي وووووووو..
وهم سبب تعاستي وهزالي وتجعد وجهي الشاب وأنا في ريعان شبابي . قال الحاضرون لما كل هذا فعلوه بك يا آمة الله؟
قالت وبتنهد عميق: لقد علمت أجملهم وعلى كاهلي أهلتهم ولكنهم تركوني وحيدة أعاني، وربيت أكثرهم حتى اشتدت سواعدهم وتركوني أيضاً وخرجوا يعملون خارج ملكي.
وبقي بعضهم جانبي وعلى كاهلي فزادوني وهناً على وهن، فقد جعلوا جبيني مكسوراً على الأرض بأفعالهم المشينة التي استزلهم الشيطان للوقوع فيها فأحرجوني وأسود وجهي بأفعالهم القبيحة. وآخرون لا همَّ لهم إلا أنفسهم فيأكلون وأنا جائعة ويشربون وأنا عطشى، وينعمون بالنور وأنا في الظلام ووووو !!؟
ياه قالتها وبكل مرارة والدموع تنهمر على خديها المتجعدة لقد حركتم آهاتي وجوارحي وأرهقتم جوارحي المتهالكة بسؤالكم هذا يا قوم.
حينها سمعنا صوتاً أتى من جهة المشرق فإذا بها امرأة وهي تهوي إلى الأم الأرملة وهي تقول على هونك أخية وجففي دموعك المنهمرة، فأنا من سيعوضك وينير وجهك الأسود ويحمي جسدك المتهالك وتعود بهجتك وبها وجهك الشاب، شريطة أن يقف معي أولادك هؤلاء.
نظرت الأم إلى أولادها، فإذا بهم يهرولون إليها ويحتضنونها، وهي تعانقهم بكل حب بركت الأم على الأرض وهي تغطيهم بردائها الكبير، وقد بلت الأرض تحتهم من كثرة الدموع المتساقطة من حداقات أعينهم.
مفردات:
الأم-- المحفد
الأولاد -- أبناء المحفد
الفتاة الآتية من جهة المشرق-- الكهرباء.
**عبدالله علي جعيرة**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى