> استطلاع : فردوس العلمي

تدهشك العاصمة عدن، هذه المدينة الصامدة في وجه التقلبات وتجددها المستمر.
ففي الوقت الذي يعيش فيه شعبها في ظلام دامس، وانعدام الحياة الكريمة، فضلاً عمّا يواجهون فيها من حرب ضروس في الخدمات تجد هذه المدينة وأهلها يقفون في وجه التحديات، بل وتقدم لك أنموذجا يفتخر بها في مجالات عدة.
وكان أبرزها تلك الفتيات اللاتي يواجهن الصعوبات والتحديات فيها، متجاوزات كل ما يعيق حياتهن.
تجولتُ في شوارع العاصمة الصامدة، وفي شوارعها وجدت زهرات يانعات تفوح منها الثقة والإصرار، وبعزيمة وهمة عالية يواجهن التحديات ويزرعن الأمل لغدٍ أفضل.
تلك الزهرات هن بائعات وصاحبات بسطات يعملن بجد وإصرار لتحقيق أهدافهن وطموحاتهن لمستقبل أجمل.
«الأيام» التقت بعدد من هذه الزهرات اللاتي يمتلكن بسطات للبيع بشوارع المدنية.
اختلفت أسباب خروجهن للعمل، فمنهن من ترغب في مساعدات أسرتها لتحسين الدخل، ومنهن من تسعى لتطوير عملها وتحقيق حلمها.
*أحلم أن أكون مصممة مجوهرات
نشوة العمودي ( 19 عام) زهرة تفوح ثقة وإصرارا وقوة رغم صغر سنها، فحين تُحدثها تجدها تتمتع بثقة يفتقدها الكبار وعزيمة وإصرار على النجاح ما يفتقده بعض الشباب.
نشوة خريجة ثانوية عامة لديها طموح لتصل للقمة والتربع عليها، فتاة تتمتع بثقة، وطموحها أن تكون في المستقبل (مُصممة مجوهرات)، ادهشتنا حقيقتها، فبرغم سنها الصغير إلا أن هدف حياتها كان كبيرا، ولكي تصل لهذا الهدف قالت: "أنا أعمل في مجال التصميم الإكسسورات، وبدأت مشروعي قبل تسعة أشهر، حيث عملت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصفحة في الفيس بوك بعنوان "تصاميم ننوش" عرضت من خلالها تصاميمي، ثم انتقلت بعدها إلى بازارات تابعة لاتحاد مالكات المشاريع".
*عملت لأطور ذاتي
وعن بدايتها تقول: "بدأتُ عملي بيني وبين نفسي ووجدت الدعم من داخل البيت، فأهلي دعموني كثيرا، من طقوسي أحب التصاميم، فأنا أحب هذا المجال، ففي بداية عملي كنتُ أوزع تصميمي كهدايا".
وتضيف: "إنني أحببت أن أعمل أشياء جديدة وأحصل على شهرة أكبر، لهذا عملت بسطة، طبعًا في البداية حصلت على الكثير من المعارضات والمضايقات من الشباب، حيث كانوا يسمعونني كلمات سئية، ولكن بالعزيمة والإصرار تجاوزتها".
إمراه تجوب تحت حرارة الشمس بحثا عن رزقها
إمراه تجوب تحت حرارة الشمس بحثا عن رزقها

وتوضح "فحسب تفكير الناس أن فتاة تبيع بالشارع هذا شيء لا يقبل، أو أن تفكيرهم الوحيد ينحصر على أن هذه البنت محتاجة، لكن خروجي أنا للشارع يأتي من أجل تطوير ذاتي".
وعند سؤالي لها: هل العمل أضاف لك شيئا، قالت: "استفدت أشياء كثيرة منها طورت ذاتي، كسبت معرفة وخبرة وشهرة أكثر، بل إن اسمي بدأ يشتهر، فالكثير في عدن يعرفون من هي تصاميم (ننوش)، والحمد لله استطعت تحقيق نجاح وعرفت ذوق الناس".
ننوش أو نشوة، مازالت طاقة متجددة لديها الكثير من الأفكار والأهداف التي ترغب في الوصول إليها وتحقيقها.
وعند سؤالها عن مستقبلها الدراسي قالت: "في العام الدراسي الجديد سألتحق بلكلية الآداب، تخصص (صحافة وإعلام)، وسأبحث عن منحة خارجية لدراسة تصميم المجوهرات، فهذا حلم حياتي".
زهرة أخرى من زهرات عدن الطالبة أحلام علي، طالبة ثانوية عامة، القسم العلمي، تفوح عطرا، تقف مع زميلاتها على بسطة صغيرة لبيع العطور تقول: "ملّيت من الفراغ وأحببت أن أعمل لنفسي شيئا، وخرجت وعملت بسطة، وهي مجرد عملية جس نبض لمعرفة تفكير الناس ومعرفة أخبارها وطرق تفكيرهم ومدى تقبلهم، والأهم معرفة متطلباتهم واحتياجاتهم، فمن هنا نستطيع أن نعمل قياسا للسوق، لمعرفة حجم العرض والبضاعة المرغوبة".
أحلام فتاة فخورة بوالديها، وتقول: "أمي وأبي دعماني ووقفا إلى جانبي لكي أعتمد على نفسي وأطور ذاتي وتفكيري".
لأحلام طموحات وأحلام كثيرة تسعى لتحقيقيها، فهي تحلم بأن تفتح لها معرضا خاصا بها،
وحين سألتها عن وضعية السوق، وكيف تقبلها الناس خاصة الشباب؟
أجابت أحلام في حديث معي: "أي عمل يكون في بدايته صعبا، لكن مع المدى يصبح أمر اعتياديا، نحن في البداية واجهنا صعوبات وتلقينا الإهانات، لكن لم يستطيعوا إحباطنا، فأمي وأبي راضيان، وأنا مقتنع، لهذا لم أهتم، وواصلت عملي لكي أحقق هدفي".
زهرة من زهور عدن اسمها عفاف سهيل محمد إبراهيم، طالبة جامعية في المستوى الثاني، كلية الآداب، قسم علم اجتماع، عفاف لديها سبعة إخوة، خمس بنات وولدان، ووالدها على باب الله، ليس لديه دخل ثابت يعينه على إعالة أسرته، تقول عفاف: "خروجي للسوق وعمل بسطة لم يأتِ من فراغ أو كتقليد، ولكن لمساعدة أسرتي في تحسين الدخل، كون إخواني صغارا، وليست لهم القدرة على العمل، بل لا يستطيعون إكمال دراستهم، والحمد لله ربي وفقني، وأنا مرتاحة بالعمل، كوني أستفيد من وقتي بشيء يعود عليا وعلى أسرتي بالفائدة".

سألتها: هل تعرضتي لمضايقات؟ قالت: "الحمد لله ـ حتى اليوم ـ لم أجد مضايقات من الشباب، وما أبيعها من عطور تشترى مني".
تنصح عفاف الفتيات بأن لا يضيعن أوقاتهن، ويحاولن أن يساعدن أسرهن، فهم تعبوا من أجل تربيتهن.
ندى احمد كانت تقف في بسطة نشوى تشتري بعضا من بضاعتها "إكسسورات" سألتها عن رأيها فيما أقدمت عليه هؤلاء الفتيات، فقالت: "ما شاء الله.. يستحقين بجدارة أن يتم تبنيهن ومساعدتهن على تنمية هذه المشاريع، لتكون بشكل أكبر، لكي يحققن طموحاتهن".
وتضف: "أنا لا أفرق بين الولد والبنت، لكن حين أرى فتاة تعمل على بسطة وبجانبها شاب يعمل هو الآخر على بسطة بالتأكيد أميل للشراء من الفتاة، فأنا حين أشتري منها أشجعها وأزيد من ثقتها بنفسها".
وتتمنى أم ملك أن ترى هؤلاء الفتيات وهن سيدات أعمال قادرات على إدارة مشاريعهن.
محمد عمر أبوعبدالله مواطن في العقد الخامس من العمر يقول: "هؤلاء الفتيات يعملن بشرف وبثقة، وهن رافعات رؤوسهن، لم يتنازلن عن شيء، ولكن وقفن بقوة في مواجهة ظروف الحياة الصعبة، وخرجنا للعمل ليثبتنا وجودهن، وهذا دليل على أنهن تلقين تربية صالحة، وهن بهذا يعملن على إعانة وأسرهن، ومساعدتهم لتجاوز صعوبات الحياة، وبعضهن خرجنا ليثبتنا ذاتهن، ويعتمدن على نفوسهن، وعلى الدولة أن تساعدهن وتفتح سوقا خاصا بالنساء، لتجنب هؤلاء الفيات النظرات القاصرة من بعض الرجال، الذين تعود أن يكون مكان المرأة البيت فقط".
الشاب مصطفى قاسم في العقد العشرين معجب جدا بتجربة هؤلاء الفتيات ويصفهن بالقاهرات، حيث استطعاعت هؤلاء الفتيات أن يعملن بجد ويستثمرن وقتهن بشكل صحيح،
وأتمنى لهن التوفيق والنجاح.
النجاح لا يعرف ذكرا أو أنثى، فهنا استطاعت تلك الفتيات أن يكسرن احتكار البسطات من قبل الشباب، واستطعن أن يوجدن لأنفسهن مكانا في السوق، وينافسن بشرف، ويحصلن على ثقة زبائنهن.
زهرات عدن يتمتعن بثقة وعزة نفس، استطعنا رغم الظروف الصعبة، أن يتجاوزن بخطوات صغيرة عقبات كبيرة، وأن يستثمرين وقتهن بشكل صحيح، أتمنى أن تجد تلك الفتيات من يدعمهن لتقوية مشاريعهن، وتحقيق أحلامهن وطموحاتهن.