صفحات من نضال المقاومة الجنوبية ضد المستعمر البريطاني(8) الفقيد المناضل/ عبدالله حسين مساوى (أبو هاشم).. بدأت معترك النضال في منتصف الخمسينات في إطار النقابات،

> كتب/ علي راوح

> توطئة
عبر كل السنوات التي مرت منذ غزو المستعمر البريطاني للجنوب في 19 يناير 1839م، واصل شعبنا الجنوبي نضاله وكفاحه ضد الغزاة المستعمرين.. وهو كفاح ونضال شاق وطويل تكلل بنيل الحرية وتحقيق الاستقلال وقيام الدولة الوطنية في الـ 30 من نوفمبر 1967م.
لكن ما تزال هناك صفحات منسية لملاحم بطولية قدمها الكثير من المناضلين بدءاً من يوم الـ 19 من يناير 1839م وحتى تحقيق الاستقلال والحرية لشعب الجنوب. هناك أبطال قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن ولم يكن هدفهم الكسب المادي أو الوصول إلى السلطة بل ناضلوا وكافحوا من أجل هدف واحد وهو تحرير الوطن ونيل الحرية لشعب الجنوب.
ذلكم هو الهدف السامي والغالي لكل الشرفاء. أبطال يجب علينا ذكر مآثرهم وتوثيقها بأحرف من ذهب.
الفقيد المناضل عبدالله حسين مساوى (أبو هاشم) بدأ معترك النضال في منتتصف الخمسينات من القرن المنصرم، وهي الفترة التي شهدت عدن فيها حركة نقابية نشطة، فكان أبو هاشم أحد قادة نقابة العمال والفنيين التي رأسها المناضل الفقيد إدريس حنبلة، كما شارك المساوى في تأسيس جمعية بناء لحج في الشيخ عثمان، وكان عضواً في جمعية مزارعي لحج ومندوبها في الاتحاد العام للنقابات، فضلاً عن أنه كان حينها أحد القيادات في الجبهة الوطنية المتحدة منذ تأسيسها عام 1955م.
وشارك أبو هاشم في العديد من العمليات الفدائية ضد قوات الاستعمار البريطاني، ومنها عملية قصف مطار عدن، وعملية قصف الإذاعة.
زرته قبل وفاته في منزله بمدينة المنصورة ودار بيننا حديث ذكريات الكفاح المسلح أبان الاحتلال البريطاني لعدن، وجدت أن لديه ذاكرة للمواقف التي شارك فيها رغم أنه قد تجاوز الـ 75 عاماً من العمر، طلبت منه سرد ذكرياته النضالية، ومراحل النضال التي خاضها، كون ذلك جزءاً هاماً من تاريخ ثورة الجنوب.. لم يخيب أملي وبدأ بالحديث قائلاً:
عندما كنت أحد القيادات في الحركة النقابية، وكذا الجبهة الوطنية المتحدة، فكانت هذه القيادات تتهيأ للانتقال بالعمل السياسي إلى مرحلة أخرى تتمثل بالعمل العسكري لمواجهة المستعمر، وهي ما عرفت بفترة الكفاح المسلح فيما بعد.. وتحملت دوراً كبيراً في إطار الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، والتي انضوت تحت لوائها العديد من التنظيمات.
*بدء العمل العسكري
ويواصل أبو هاشم: وفي تلك الفترة اتصل بي الأخ علي أحمد السلامي، والتقينا، وكان ذلك اللقاء مكرساً لإطلاعنا على بدء العمل العسكري المسلح بقيادة الجبهة القومية، وعلى انضمام الجبهة الوطنية المتحدة بكافة عناصرها إلى صفوف الجبهة القومية شأنها شأن بقية التنظيمات التي انضمت إلى الجبهة القومية، وعلى ما أتذكر أنه تم الاتفاق على أن يتم لقاء يضم عناصر من الجبهة الوطنية ومن التنظيمات الأخرى في دكان الأخ عبدالله أحمد حسن، (أبو عبدالسلام) في عدن، وتم اللقاء بحضور عدد من الأخوة.
*التدريب على السلاح وتشكيل الخلايا
وعن موضوع هذا اللقاء يقول أبو هاشم: كان موضوع هذا اللقاء هو مهمة التدريب على السلاح، وكانت المرة الأولى التي أمسك فيها متفرقعات، أما المسدس فهو معروف لدينا، وفعلاً فقد بدأنا التدريب، ولم يستغرق الكثير من الوقت، وفيما بعد تم توزيعنا على حلقات قيادية، وكنت ضمن حلقة قيادية مسئول عنها الشهيد يوسف علي بن علي (مسعود)، وكلفت بمسئولية عدد من الخلايا في الشيخ عثمان، وخورمكسر والممدارة وبئر فقم موقع القاعدة البريطانية، وهو مقر عملي حينها، وبالنسبة للخلايا فقد كانت تنقسم إلى قسمين: خلايا فدائية وخلايا تنظيم شعبي، وضمت الخلية التي كنت ضمنها كل من: فضل محسن، عبدالكافي محمد عثمان، أبو عبدالسلام، علي عوض عباد، عبدالعزيز عبدالولي، محمد صالح مطيع، وأضيف إلينا سالم سهيم، ومنصور مطلاء، كما تم نقل بعض القياديين إلى موضع آخر.
أما بالنسبة لخلايا فقم (موقع القاعدة البريطانية)، فكانت تضم (20) فدائياً، أذكر منهم: الشهيد أحمد سالم ذياب، محمد أحمد بكيران، محمود يحيى، محمد الجباري، محمد صالح حليفة، أحمد صالح الذماري، علي البيشي، ناجي علي أحمد، عبدالرب علي يافعي، سيف محمد سيف، أبو حيدرة، علي بن علي الجافر، أحمد صالح العماري، محمد عبده البعداني، وآخرون، ولم تسعفني الذاكرة بأسمائهم في هذه اللحظة، هؤلاء الفدائيون أذاقوا المستعمر الضربات تلو الضربات، وجعلوا القاعدة البريطانية تعيش حالة رعب وذعر وخوف دائم، وكما أتذكر أنه في أواخر عام 1963م عاد إلينا الأخ عمر سيف حنش وأخوه عوض إلى فقم بعد أن استكملا دورة تدريبية (ضباط) ضمن عشرة أفراد أرسلوا إلى صنعاء للتدريب.
*نقل الأسلحة إلى فقم
وبالنسبة للتموين بالعتاد (الحديث لأبي هاشم) كان يصل إلينا التموين عبر الشهيد عوض محمد جعفر، تم عبر الفقيد محمد صالح مطيع وفضل عبدالله عوض، ويوسف علي بن علي.. وكان أول يوم لنقل السلاح من الشيخ عثمان إلى القاعدة، صادف ذلك اليوم يوم إحراق المطابع في كريتر، وكنت أنا والأخ ناجي علي (طارش) على ظهر السيارة، عبارة عن (قلاب) مع العمال ذاهبين إلى العمل، وحسب العادة كانت معداتنا معنا لخزنها في أماكن عديدة، ونسينا أن حادث إحراق المطابع سيؤدي إلى وضع نقاط تفتيش، وهذا الذي حصل، فقد واجهنا نقطة قبل دخولنا إلى القاعدة في فقم، حيث أوقف الجنود الإنجليز كل السيارات الناقلة للعمال وطلع أحد الجنود إلى ظهر القلاب، وقال: ما هذه الأكياس..؟ فأجاب عليه الأخ ناجي بكلمة جريئة: هذا طعام للعمال، فاقتنع الجندي وسمح لنا بالمرور، والخوف يسيطر علينا.
*موقف شجاع.. قصف الإذاعة
ويستطرد أبو هاشم: من أكبر العمليات التي شاركت فيها عملية قصف الإذاعة في التواهي وهي من أكبر العمليات الجماعية، حيث شارك فيها قرابة أربعين فدائياً، اثنان بالبازوكا وواحد بالرشاش البرن وثلاثة بنادق قناصة، تمهيداً لنجاح العملية واثنان معمران للبازوكا ومدافعان عن الرماة مع رشاشاتهم، ولدى كل واحد 4 قنابل دفاعية وهجومية، وبقية الزملاء في الطرق وفوق الجبل بهدف إرباك قوات الإنجليز حتى يتم استكمال العملية، ونقل المعدات، وكان المخطط لهذه المجموعة والمتواجد معها في نفس الموقع من البداية وحتى سلمناه السلاح خارج موقع التنفيذ الفقيد محمد صالح مطيع، حسب ما أتذكر، كما شارك معنا الحاج صالح باقيس بالرشاش البرن.
*موقف جري وشجاع
وهناك حكاية أخرى، حيث كان الأخوان يوسف علي بن علي وعبدالله محفوظ، يراقبان طريق الشيخ عثمان ـ فقم لعدة أيام، ووجدوا في إحدى الأيام أن الطريق آمناً، فقاما بنقل المعدات على سيارة جيب، وعندما وصلا إلى ما بعد الجسر أوقفهما الإنجليز، وكان عبدالله محفوظ راكباً خلف السيارة، جالساً فوق المعدات العسكرية وقابضاً في يده مسدساً، وعندما اقترب منه الجندي ورفع الغطاء صوب عبدالله محفوظ المسدس إلى رأس الجندي ففزع وأمر بتحرك السيارة، وهذا موقف شجاع وجريء من قبل الأخوين محفوظ ويوسف، رحمهما الله، وهناك أشخاص أحياء يعرفون هذه الحادثة.
*عملية المطار لم تنفذ كما خطط لها
ويمضي في الحديث قائلاً: العملية الأخرى التي شاركت فيها كانت عملية قصف المطار، وقد خططنا لتنفيذها في تمام الساعة الرابعة فجراً، والسبب هو وجود العديد من الكشافات وإنارة كبيرة موجهة إلى منطقة الدرين وإلى منازل اللبن ومدرسة عبدالله حاتم في الشيخ عثمان، وكان الموقع المرتب للانطلاق منه هو منزلي، وكانت الكشافات تعمل إلى الساعة الثالثة فجراً.. فتم خروجنا لضرب المطار من قرب الشبك الحديدي بعد الجسر الصغير، وكانت بحوزتنا سيارتان، الأولى تحمل مدفع (4 إنش) وعشر قذائف، والثانية فيها مدفع بازوكا ورشاشات صغيرة وقنابل، وحدد موقعها بعد معسكر النصر في اتجاه طريق أبين، وكنت أنا المسئول عن العمل، وهناك شخص آخر من جماعة المدفع انسحب فوجدت أنه لابد أن أحل محله، فحدث إرباك، لأنه للأسف عند تنفيذنا للقصف لم تنفجر القذائف إلا واحدة فقط، وعدم وجودي في السيارة الأولى أدى أيضاً إلى الارتباك، ورجعت السيارة دون أن تنفذ الخطة، وكانت المبررات عديدة، ومنها أن سيارات الدورية البريطانية كانت تحوم بجانب المطار.. وهذا الموقف حوسبت عليه باللوم، وكان المسئول علينا في الخلية أحمد علي العلواني (حسان)، وهذه الواقعة يعرفها فضل محسن، وعدنا بعد ذلك ومررنا في الصباح بجانب معسكر (الليوي)، وكان ناصر عبدالله عبده يردد الله أكبر الله أكبر، فردد التكبير من داخل المعسكر.
*الفدائي الصغير
ويواصل أبو هاشم سرد محطات النضال ضد المستعمر البريطاني قائلاً:
أتذكر عملية أخرى يوم زيارة الزعيم البريطاني (جرينود) إلى عدن، وقررنا تصعيد العمليات العسكرية وقمنا بعملية نسف دور السينما والمسبح وخزان المياه وإحدى العمارات التي يسكنها قائد في سلاح الجو، وفي الصباح طوقت المنطقة وتم تفتيش كل المواقع، وفي ليلة وصول (جرينود) حدثت العديد من الانفجارات في كل من كريتر والتواهي وخورمكسر، وفي الصباح أشعرنا أنه سيزور القاعدة في فقم وسيتوجه إلى المطار العسكري خارج القاعدة، وكان هناك جنود منتشرون، فطلبنا من أحد الشباب، ويدعى علي بن علي (الدبعي)، وكان لديه كتلي (إبريق) يبيع الشاي ومعه أكواب في (جلن) حق الطلاء، وكان هذا الشاب صغير السن ويتجول بين العمال من موقع إلى آخر ويعبر وسط الأسلاك الشائكة، فطلبنا منه إخفاء القنبلة داخل الدبة حق الطلاء، ويقوم بألقائها من فوق المبنى عند مرور الزعيم البريطاني (جرينود) فقام الدبعي بتنفيذ العملية وشاهد (جرينود) القنبلة وهي تتدحرج ثم تنفجر، وحدث نوع من الفوضى والإرباك في صفوف القوات البريطانية، وقاموا بالتفتيش، وتعرضنا للضرب والركل جميعاً ما عدا علي بن علي الدبعي الذي نفذ العملية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى