ارتفاع معدلات الجريمة في مجتمع العاصمة عدن.. ضعف الدولة وغياب الوازع الديني والرادع القانوني أسباب رئيسية في ارتفاع معدل الجريمة

> استطلاع/ وئـام نجيب

> شهدت العاصمة عدن مؤخرا قضايا لم تكن معهودة من سابق، بعدما انتشرت وتزايدت معدلات الجريمة بشكل مخيف للغاية وانتشار الجماعات الخارجة عن القانون، وتعددت وسائل الجريمة بمختلف أشكالها وأنواعها من اختطاف، واغتيال، واغتصاب وسطو.. البعض أصبح يستغل عدة طرق لتنفيذ جريمته، وهناك من يستخدم عربات الأجرة للوصول إلى ضحاياه، وإيقاعهم في فخه بواسطة البخاخ( مادة مخدرة).
ناهيك عن الانتشار الكثيف للدراجات النارية والسيارات المجهولة غير المرقمة، للاعتداءات على المواطنين، وسلبهم وابتزازهم تحت قوة السلاح.
وكثيراً ما يفيد المعنيون والنخب الأكاديمية والمثقفون بأن انتشار معدلات الجريمة مردها إلى غياب القانون والدولة، وانتشار المخدرات والسلاح بين أوساط الشباب.
في الوقت الذي نجد فيه دور المساجد يتضاءل في توجيه النصح والإرشاد، وغياب دور النخب المثقفة والمؤسسات التوعوية في توجيه الناس، وإرشادهم إلى سبل التدابير والاحتياطات التي تقي أبناءهم من الوقوع في براثن الانحراف والسقوط في مستنقعات السلوكيات المارقة، واقتصار المؤسسات والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام المختلفة على المماحكات والمناكفات السياسية.
البعض يرى أن أحد الأسباب التي تدفع البعض إلى ارتكاب الجرائم بحق الآخرين هي أوضاع الانفلات والفوضى، وضعف دور الأجهزة الأمنية، وجمود المؤسسات القضائية، وغياب الوازع الديني والرادع القانوني.
وللتعرف على أسباب ارتفاع معدل الجريمة وتفشيها في مدينة عدن، التقت «الأيام» عددا من الاختصاصيين الاجتماعيين لتسليط الضوء على مزيد من التفاصيل المتعلقة بهذه الموضوع.
*أسباب انتشار الجريمة
أسباب كثيرة أدت إلى تزايد انتشار الجريمة وتقافمها بشكل بات يهدد حياة وسلامة الكثيرين، بل الكل مهدد بالقتل والخطف والاعتقال، أو للسطو عنوة من قِبل جماعات وعصابات تتوزع في المدينة.
يقول الموطن سامي عمر: “إن من أحد هذه الأسباب هو ضعف التوعية الدينية بخطورة هذه الجرائم على الفرد والمجتمع من قبل خطباء وأئمة المساجد”، وأضاف في حديثه لــ«الأيام»: “المساجد وجدت لتأدية العبادة وتوعية أفراد المجتمع وإرشادهم إلى ما فيه الخير والنفع لهم في مجتمعاهم التي يعيشون فيها، وتنوير عقول الشباب وتنشئة الأجيال التنشئة الحسنة، غير أنها - مع الأسف - أضحت توظف منابرها للمماحكات السياسية والحزبية، وما إلى ذلك من الأمور التي لن تعود للمجتمع إلا بالفوضى والخسران، ولهذا وجد جيل متشنج متحزب أناني متعصب غير واعٍ، الأمر الذي يجعله فريسة سهلة لضعاف النفوس وممن لايريدون لهذه المدينة أن تنعم بالأمن والسلام، فيتم توظيفهم لتنفيذ مثل ما يسعون لتحقيقه من جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب والسرقة وغيرها.
وما عمليات الاغتيال التي بات يتعرض لها مشائخ الدين والعلماء مؤخراً في هذه المدينة إلا واحدة من أسباب ضعف التوعية، فأصبح رجال الدين أول الضحايا لتلك التنشية الخاطئة وغياب الوعي لدى كثير من الناس وفي مقدمتهم فئة الشباب، بل أصبحوا يخافون من قول الحقيقة حتى لا يتهمون بالتحريض والإرهاب وما إلى ذلك من المسميات”.
*الإعلام ودوره الغائب
ولوسائل الإعلام المختلفة دور كبير في انتشار هذه الظاهرة، وذلك من خلال ما تبثه من مواد وبرامج سلبية تحمل في مضامينها الدعوة إلى تبني السلوكات الإجرامية والمنحرفة وممارسات خاطئة يعود ضررها على الفرد والمجتمع بشكل كامل.

وغالباً ما يتم إعداد هذه البرامج الموجهة بطرق وأساليب قوية وبقالب دراماتيكي أو براغماتي، وذلك من خلال تقديم الطرق والوسائل خصوصا غير المشروعة في الحصول على المال والسعادة والشهرة.. فتتفشى في المجتمع مشاعر الأنانية والاحتيال والسرقة ومختلف أنواع الجرائم والانحرافات كالقتل العمد، والانتحار، وتخريب الممتلكات العامة، وهذا من شأنه أن يفسد المجتمع ويزعزعه، في حين تغيب أو تكاد تنعدم البرامج التي تقدم خدمات علمية أو تكنولوجية تساهم في التثقيف والتوعية ونقل المعلومات والبرامج المفيدة لأفراد المجتمع.
*ترسيخ ثقافة العنف
والمقارن - بشكل بسيط - بين البرامج التكنولوجية والعلمية مع برامج الأفلام والمسلسلات الغربية لوجدنا الفارق كبيرا جداً، ومنه تتضح أهداف الإعلام ذلك، فوسائل الإعلام خاصة المرئية منها أصبحت تنتج الجريمة والعنف بمختلف أشكاله، لذلك أجري عدد هائل من الدراسات والبحوث لتقييم آثار البرامج التلفزيونية، وعني أكثر هذه البحوث بآثار مشاهد التلفزيون على الأطفال وانعكاسات ذلك على التنشئة الاجتماعية في المراحل الأولى من العمر، وتدور هذه الدراسات بصورة عامة على محورين أساسيين هما: آثار التلفاز على مستوى الجريمة والعنف، وطبيعة التغطية الإخبارية، ولا شك أن تواتر العنف في برامج التلفاز المنتجة في الغرب قد أصبح مدعاة للقلق في جميع الأوساط الاجتماعية في العالم. إن المشاهدة المستمرة لوسائل الإعلام المرئية لديها القدرة على إمكانية تعلم السلوك العدواني من خلال ما يعرض من مضامين وبرامج، وأن المشاهدة تزيد من احتمال تعلم السلوك المنحرف. ويؤكد أصحاب هذه النظرية أنه باستطاعة الفرد تعلم وتقليد سلوك الشخصيات العدوانية التي تقدم له نماذج ليقتدي بها وتوفر فرص تعلم السلوك العدواني، إضافةً على دور الإعلام الذي يلعبه ويتمثل في المشاركة في تعزيز الأمن داخل المجتمع والوقاية من الجريمة والانحراف من خلال بث البرامج التي تبين مخاطر بعض الآفات المنتشرة في المجتمع والتوعية ومخاطرها وأسباب انتشارها وانعكاساتها على أمن المجتمع واقتصاد الدولة وتبيين جهود أجهزة الأمن في مواجهتها وحث المواطنين على المشاركة في مكافحتها والوقاية منها، وبهذا يكون الإعلام قد لعب دورا كاملا في الوقاية من الجرائم وإلا سيكون طرفا في نشرها وتهديد أمن المجتمعات.
*غياب الدولة
الأختصاصية الاجتماعية في علم اجتماع الجريمة لوين كليب قالت في تصريحات لها لــ«الأيام» إن المنظور الاجتماعي للجريمة يعرف “بأنها كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة وما هو عدل في نظرها، وتصبح الجريمة اعتماداً على المفهوم الاجتماعي انتهاكا للعرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه وإنهاء ذلك الفعل العدائي والمعارض لتماسك الجماعة التي يعدها الفرد جماعته الخاصة”، وتشير إلى أن هناك من ينظر إلى الجريمة باعتبارها أنماط السلوك غير المعتاد للمجتمع الذي يترتب عليه ضرر بالمصلحة الاجتماعية.
وتضيف: “تُعد الجريمة آفة اجتماعية باعتبارها أحد النماذج السلوكية التي يفرزها المجتمع، أي أنها من ضمن منتوجاته الوظيفية. وتصبح الجريمة مشكلة اجتماعية إذا أصبحت حالة أو ظرفاً معيناً يسود في فترة زمنية معينة، وتظهر للناس سلبية هذه الحالة أو الظرف سواءً كانت سلوكياً أو غير ذلك، ويتم اعتبارها من طرف الجماعة على أنها كذلك، أي يتم الحكم عليها وتقديرها وتقييمها سلبياً، وهكذا تصبح الجريمة مشكلة اجتماعية.
كما أن للجريمة أنواع: فهناك جرائم الحدود والقصاص، وجرائم التعزير، وهناك جرائم متعلقة بأمن الدولة كالجرائم ذات الخطر العام والجرائم الماسة بالاقتصاد القومي، والجرائم الماسة بالوظيفة العامة، والجرائم المخلة بسير العدالة، وجرائم التزوير والجرائم العسكرية والجرائم الواقعة على الأشخاص والأسرة: الزنا وهتك العرض وإفساد الأخلاق، وكذا الجرائم التي تقع على المال.
*جانب من طرق الوقاية
وأعادت كليب انتشار الجريمة بشكل كبير في عدن إلى غياب الدولة، وضعف الوازع الديني وانحدار القيم في المجتمع.
وتختم بالقول: “إن وظيفة المجتمع في مكافحة الجريمة تكمن بنبذه للجريمة بأنواعها وأشكالها، وتوعية الناس بأسبابها وعواقبها ومعرفة طرق علاجها، أيضاً الجانب الديني يجب أن يكون له الأثر الفاعل في تدعيم الأمن الاجتماعي داخل المجتمع ومحاربة الظواهر الانحرافية التي قد تطرأ على نفوس الناس وعلاجها للوقاية منها.
فدور الدين يفوق دور أي مؤسسة تربوية وقانونية كونه يخاطب الضمير الإنساني الذي هو الثقل في توازن الطباع البشرية وتربيتها على حب الخير والحق والجمال”.
استطلاع/ وئـام نجيب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى