مسيرة نضالية طويلة توجها بالشهادة من أجل حرية الوطن وكرامته.. عمر اللميح.. هب لمقاومة العدوان وهو في عمر الـ(68) عاما فأكرمه الله بالشهادة

> علي راوح

> “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”.
في صبيحة يوم الـ30 من مارس 2015 اشتدت المعارك في جبهة الضالع، حيث كثفت مليشيات الحوثي وجيش عفاش القصف على العديد من المناطق، ومنها منطقة زُبيد.. كانت المليشيات تقصف قصفاً همجياً عشوائياً بمختلف أنواع الأسلحة على مناطق دار الحيد، ودبابة أسطورة النصر، ونفذ القصف من موقع بجانب الخط العام أمام مفرق الكرب زُبيد، فالقذائف أحاطت بالدبابات من كل الجهات، ولكن بلطف من الله لم تصب بأي أذى.. شُلت الحركة في ذلك اليوم، ولم يتحرك أحد لشدة القصف المعبر عن حقد وهمجية المعتدين.
سقط المقاوم البطل، عبيد قاسم الأبيض بإصابة بالغة بجانب دبابة النصر، وتم إسعافه إلى مستشفى النصر في مدينة الضالع، وكانت حالته حرجة فقرروا نقله إلى عدن، وعندما سمع الخبر المناضل المقاوم عمر اللميح، ارتدى كفنه وأخذ سيارة مسرعاً إلى المستشفى، رغم خطورة الطريق التي كانت تُقصف بشدة، وفور وصوله إلى بوابة المستشفى تم استهدافه من موقع الخزان فسقط شهيداً عن عمر بلغ الـ(68 عاماً).
ومن خلال الكتاب الذي صدر بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاده، نعرض هذه النبذة المختصرة عن حياة وسيرة نضال الشهيد عمر علي حسن اللميح، ولد الشهيد عمر اللميح في قرية القفلة زُبية، محافظة الضالع عام 1947م، انحدر من أسرة فلاحية فقيرة.. بدأ منذ الصبا برعي الأغنام مثله مثل الكثيرين من أقرانه، ثم التحق بالدراسة في الكُتّاب (المعلامة).. وتعلم القرآن الكريم على يد المرحوم الحاج مقبل حسين.. ومن ثم واصل دراسته في مدرسة الشهيد صالح قاسم بمدينة الضالع، وتحصل على شهادة الإعدادية.
كانت مرحلة ونشأة الشهيد عمر مليئة بالتفاعلات والأحداث، فهي تعبير عن المرحلة الاستعمارية، كانت مرحلة يكتنفها الحرمان، إذ لا مدارس ولا معاهد للعلم، عدا (المعلامة).
وفي الأول من سبتمبر 1962م التحق الشهيد عمر بالحرس الاتحادي الأميري.
مرحلة كفاح متواصلة
كانت حياة عمر اللميح منذ شبابه مليئة بالنشاط الوطني الثوري، كان شاباً متقداً بالحماس والحس الوطني الثوري، وهو يرى وطنه مستعمراً من قبل القوات البريطانية، ومن قبل السلاطين والعملاء الذين لا هم لهم إلا مصالحهم الخاصة على حساب قهر وظلم الشعب وتجويعه وتجهيله.. وسرعان ما انضم الشاب عمر اللميح إلى جمعية أبناء الضالع التي أسسها الحاج مقبل حسين ورفاقه عام 1953م. قام الشهيد عمر بدور محوري وهام في إطار الجمعية، وتمثل ذلك الدور في حث الشباب للانضمام إلى الجمعية.
يقول المناضل صالح أحمد مقبل (المسلم): كان عُمر أبرز الناشطين في الجمعية، ولعب دوراً مؤثراً ومهماً في صفوف جنود الحرس الاتحادي (الحرس الخاص من أبناء المنطقة) واستقطب الكثيرين منهم إلى صف الثورة، وكان ورفاقه يقومون بتسهيل دخول وخروج أفراد جيش التحرير، عند القيام بأي هجوم على قوات الاحتلال البريطاني، وبحماية من جنود الحرس الاتحادي الذين استقطبهم الشهيد إلى صفوف الثورة.
وعند قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م وانضمام جمعية الضالع إلى حركة القوميين العرب أصبح عمر اللميح عضواً في حركة القوميين العرب، وتم تكليفه أثناء الكفاح المسلح للعمل بين صفوف الشباب وصفوف الحرس الاتحادي والحرس الأميري، فكان من أبرز القيادات التي دربت الشباب المقاتلين على استخدام الأسلحة المتوسطة مثل رشاش (البرن) ومدفع (البلاندسيد) فكان مدرباً للخلايا السرية والمنظمات القاعدية.
وبحسب شهادة المناضل صالح أحمد مقبل فإن الشهيد عمر اللميح كان من أبرز الناشطين في هذا المجال، وعمل على تطوير نفسه من عضو عادي إلى مسئول عن عدة خلايا في المجال الجغرافي والسكاني في منطقة الضالع، وأثناء عمله في الحرس القبلي للأمير شعفل، وكان يسمى هذا الحرس باسم (تريبل جات)، كان عمر يقوم بجمع التبرعات والاشتراكات من أفراد الحرس والمحددة بـ(5 شلنات) شهرياً، ويقدم هذه التبرعات لصالح الجبهة القومية، وهذه مهمة خطيرة يقوم بها، لأن الأمير وسلطات الاستعمار لو علموا بذلك لتعرض للموت، بل إنه كان يقوم بعمل أخطر، وهو دعم الثوار وتسليمهم الأسلحة التابعة للمراكز الحكومية، لينفذوا بها هجماتهم ضد قوات المستعمر، ومن ثم يستعيد السلاح عند انتهاء العمليات، كما كان الشهيد عمر يقوم باستطلاع الحراسات وشرح الخطط للثوار، بل كان يرافق أفراد جيش التحرير في العديد من العمليات.
ويواصل المناضل صالح أحمد مقبل: أبلغت من قِبل الحاج مقبل (رحمه الله) بأن الشهيد عمر اللميح وعبدالله مساعد حميد كانوا معدين لعملية ضد العملاء في الاحتلال البريطاني يوم الجمعة، وكانوا محضرين لتفجيرهم، وهذه عملية خطيرة، وإذا نفذوها فإننا سنفقد عناصرنا الوطنية وسيتم تبديل العملاء بعملاء آخرين، ونحن كنا مؤثرين على الحرس 60 %، وكانت علاقتنا بالمعسكرت في الضالع، وخاصة ما يسمى بجيش (الليوي)، وكانت لنا خلايا سرية داخل هذه المعسكرات، حتى إن قائد المعسكر الشهيد عبدالقوي المفلحي كان منتميا إلى الجبهة القومية، فبعد أن تلقيت المعلومات تحركت إلى الشهيد اللميح وعبدالله مساعد وأبطلت هذه العملية، وقلت لهما نحن قائدنا في الضالع علي عنتر، وأنا أمثل علي عنتر، في الاجتماع الذي عقد في زُبيد قرية لغوال، وهذا كان بعد معركة دار الحيد التي أصيب فيها الأخ علي شائع هادي، ونقل إلى تعز للعلاج، ومن ثم عاد إلى الضالع.
ويواصل المناضل صالح أحمد مقبل (المسلم) متحدثاً عن المسيرة النضالية للمناضل الشهيد عمر اللميح فيقول: وبعد الدمج القسري بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في 13 يناير 1966م، قطع المصريون المساعدات المالية والعسكرية عن الجبهة القومية بالرغم من العمل العسكري للجبهة القومية ضد المعسكرات البريطانية وقصور المشايخ والأمراء بالضالع، وحينها استدعت الاستخبارات المصرية الرفاق علي عنتر وصالح مصلح إلى تعز، وحاول قائد الاستخبارات (رجائي فارس) الضغط عليهم للقبول بهذا الدمج القسري، إلا أنهم رفضوا وطرحوا بديل الدمج أن يكون هناك تحالف جبهوي، لكن الاستخبارات رفضت، وبعدها نزل (رجائي فارس) إلى قعطبة، لكي يستلموا الأسلحة الثقيلة من علي عنتر، لكن الجماهير في الضالع أعدت لعرض عسكري ومروا به من أمام رجائي فارس وقيادات جبهة التحرير في قعطبة، وكان الشهيد عمر هو من أعد هذا العرض، وكان في مقدمة المشاركين في هذا العرض، وعلى كتفه رشاش (البرن).
وبعد مؤتمر خمر، حددت الجبهة القومية موقفها من الدمج وفضلت الاعتماد على الجماهير، حيث خرج المؤتمر بقرارات مهمة، وشكل لجانا للمتابعة والتنفيذ، فكان الشهيد عمر اللميح رئيساً لإحدى هذه اللجان الشعبية.
وبعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م تحمل قيادة الحرس الشعبي في الضالع وواصل تدريبهم حتى توفرت الإمكانيات لدمج الحرس الشعبي بالجيش والأمن.
شارك الشهيد اللميح في الدفاع عن الوطن ضد حروب 1972م و1979م، وفي حرب 1994م كان الشهيد من القيادات المتواجدة في الصفوف الأولى لمواجهة هذا العدوان.. وفي الحرب الأخيرة التي شنها الحوثيون وجيش عفاش على الضالع ساهم الشهيد مساهمة فعالة في الدفاع عن مدينة الضالع حتى استشهد وهو يقوم بإسعاف الجرحى إلى المستشفى.
علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى