المدرجات الزراعية ومواسم الحصاد في يافع.. مهنة ممتعة وتقاليد أصيلة.. المزارع اليافعي يضمن الحد الأعلى من الأمن الغذائي لمواجهة الأزمات

> استطلاع / قائد زيد ثابت

> منذُ زمنٍ بعيدٍ شُيّدَت المدرجاتُ الزراعية في يافع، التي لا تقل حضارتُها ومناظرها عن عجائبِ العالم السبع.
تشيد المدرجاتُ الزراعية في يافع بالحجارة المستخرجة من الطبيعة نفسها، وتبنى بطريقة محكمة تحتضن تربة المنحدرات الجبلية وتحافظ عليها من الانجراف بما يتناسب مع البيئة الجبلية الوعرة، ويعمل المزارعون على عمل الجدران والحواجز الصغيرة إلى الجبال لتصد المياه المنحدرة، وتتجمع فيها التربة التي تربى وتؤهل، لتكون تربة صالحة للزراعة.
وتُظهر المدرجات الزراعية في يافع عظمة وعبقرية الإنسان القديم في تحدي ومجابهة الصعاب وتسخير الطبيعة القاسية لخدمتِه تحت دوافع الحاجة إلى الغذاء، والاعتماد كلياً على الذات في توفير الأمن الغذائي لسنوات طوال قد يستطيع معها الإنسان اليافعي مواجهة الأزمات.
هذهِ المدرجات ظلت بما تحتويه من تربة خصبة مورداً هاماً اعتمد عليها الإنسان بيافع اعتماداً كلياً حتى زمنٍ قريب في تلبية احتياجاته من الغذا بعيداً عن الاستيراد الخارجي.

تعتمد المدرجات الزراعية في يافع على غيث السماء المتساقط في فصل الصيف، حيثُ يقومُ المزارعون في يافع قبل هطول الأمطار بتهيئة المدرجات والوديان والإعداد الكامل من خلال حرث الأرض يدوياً وبالثيران وإعادة إصلاح مساقي المياه (العبر) وهي عبارة عن جداول توضع لتمرير المياه من الجبال إلى المدرجات الزراعية، وكذا دفن وخلط روث ومخلفات الحيوانات بالتربة نظرًا لأهميتِه في خصوبة الأرض، وهو ما يعرف بيافع بـ(الدمان) أي السماد، كما يتسخدم بعض المزارعين القدامى الرماد كسماد ينثر تحت المزروعات، ويستخدم المزارعون لتقلب التربة وحرث الأرض (الخنزرة) وهي أداة من الحديد محدبة الشكل حادة الطرف يتم تصنيعها عند الحدادين، إضافة الاستعانة بالحمير والضمد (الثور) لحرث الجِرَب، والجرب هي مساحات زراعية أكبر من المدرج الزراعي وتكون بكثرة في الوديان.
*جودة المحصول الزراعي
بعد سقوط الأمطار يتريث المزارعون قليلاً حتى يحينَ موسم الزراعة وتظهر علامات النجوم الزراعية «وبالنَجمِ هم يَهْتَدون»، كون زراعة الحبوب في يافع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواسم والنجوم الزراعية التي يفهمها قليل من المزارعين، وبالذات كبار السن ممن أخذوا ذلك كابراً عن كابر من الأجدادِ والآباء.
وتزرع في يافع أنواع كثيرة من حبوبِ الذرة الرفيعة البيضاء والحمراء والدُخن والذرة الشامية، في حين أن القمح كان يُزرع خلال فترات غابرة من الزمن.
وتجود المرتفعات الجبلية في يافع بزراعة أنواع أخرى، ناهيك عن شجرة البُن التي تراجعت زراعتها بسبب الزحف الشديد من قبل شجرة القات وموجات الجفاف التي تجتاح المنطقة، وكان الناس في يافع قديماً يحفظون هذهِ الحبوب في مخازن أرضية منحوتة في الصخر الأصم محكمة الإغلاق تسمى (المدافن)، وهي كفيلة بحفظِ الحبوب من التلف ِ لفتراتٍ طويلة قد تصل إلى عقود.
*تدهور ملحوظ
هناك عوامل كثيرة أدت إلى تدهور واندثار المدرجات الزراعية في يافع وعدم الاهتمام بصيانتها والحفاظ عليها من الاندثار، أبرزها التعليم والارتباط بالوظيفة الحكومية، والهجرة من الريفِ إلى المدينة، واندفاع الشباب نحو الهجرة خارج حدود الدولة، بالإضافة إلى انتقال السكان مؤخراً في بناء المساكن إلى قيعان الوديان، بدلاً عن رؤوسِ وقمم الجبال، فضلا عن شق الطرقات والتوسع العمراني على حسابِ المدرجات الزراعية.

لقد سخر الأجداد قديماً رؤوس الجبال وأحضان الشعاب والوديان لصالح الزراعة وتوسيع رقعتِها، مستغلين كل شبر في تدبير الحياة وزيادة الإنتاج، أما اليوم لم يَعُد الإنسان في يافع كما كان عليه أسلافه في السابق، وهو ما يتطلب من أبناء يافع اليوم الاهتمام بالنشاط الزراعي وبناء وصيانة المدرجات الزراعية والحفاظ عليها من الاندثار.
*موسم الحصاد
يدشن موسم حصاد الذرة في يافع والاستعداد لـ(اللَبيج) بعد أشهر من البذر والحرث والعناية بالمزروعات، فيأتي الموسم ويبدأ المزارعون في المرتفعات الجبلية كعادتهم سنوياً حصاد ثمار الحبوب الزراعية بأنواعها، وهو يُسمى موسم (الصُراب) وهو مصدر الفعل (صرب) أي حصد، ويشير للحصاد في مدلول الكلمة بالمعني الشعبي بيافع، ومنه اسم الآلة (مصرب) وهي الأداة التي تستخدم لتقطيع الثمار.
وبعد تدشين موسم الحصاد يقوم المزارعون بجمع سنابل الحبوب على أسطحِ المنازل حتى تتعرض لأشعة الشمس، كي تجف ليسهل (خبطها وتناصلها) من الثمرة.

ثم بعد ذلك يقوم المزارعون بتنظيفِ الأوَصَار (جمع وصر) جيداً، وتجهيز (الملابيج والمصاول).
والوَصَر عبارة عن مبنى من الحجر بشكل دائري يصل ارتفاع جداره من متر إلى متر ونصف، يتم بداخِله طرح الحفول (السبول) أرضاً، تمهيدا لخبطة ودكه بـ(الملابيج)، والملابيج جمع ملباج وهو اسم آلة من الفعل (لبج) أي ضرب، بمعنى أن الملباج أدة خبط (الحفول) ودكه حتى يتناصل منه الحب، والملباج عبارة عن عصا بطول مترين يتم تقويسها، وهي خضراء لينة، وتكون غليظة في الأسفل، وتسمى هذهِ العملية بـ(اللبيج)، والملباج الأكثر جودة والأطول عمرا يُصنع من أشجارِ (التَأََلَب) المعمرة.
أما المصولة فتُصنع من شجيرات نادرة تسمى (بَرَاْح) وهي عبارة عن نبتة صغيرة، سيقانها كثيفة يتم نزعها من جذورها وتركها تحت الأحجار الملساء حتى تتقارب وتلتف سيقانها وتستخدم منذ القدم في تنظيف الحبوب من الشوائب التي تظهر بعد اللَبيج، وهذه الشوائب هي (الشوب). والشخص الذي يقوم بتنظيف سنابل (الحفول) بعد خبطها يدوياً بالعصيان يشترط أن يكون ذا خبرة في استخدم المصولة وعزل الحبوب عن باقي محتويات السنابل، وتسمى عملية تنظيف الحبوب بـ«الصُوّال».
وبعد اللبيج والصوال تأتي عملية (الذلّاح) ويقوم بها النساء في معظم الأحوال، بكثير من مناطق يافع، وتتمثل هذه العملية بحمل النساء الحبوب إلى أماكن هبوب الرياح وفرش بساط في الأرض، ثم يقمن برفع الحبوب بواسطة أواني وإسقاطها على البساط الذي تستقر وتتجمع فيه الحبوب النظيفة، بينما تأخذ الرياح ما تبقى من الشوائب، وهو هنا الحماط..
بهذه العملية ينتهي الحصاد وتجهيز المحصول ليتم نقله للخزن، وبالسابق كان يتم الخزن في (المدافن) أما اليوم فقد اندثرت هذه الوسيلة وتُخزن المحاصيل في براميل وأواني وشوالات في بعض الأحيان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى