التسوية في عهد جريفيثس ستأخذ منحنى أشبه بصفقات المقايضة والحلول الجزئية

> معاذ منصر*

> تستمر الجهود السياسية والدبلوماسية للمجتمع الدولي وبعض دوائر الاتحاد الأوروبي لمنع التصعيد العسكري في الحديدة وباقي مناطق اليمن، تمهيداً لدخول سريع في تسوية سياسية لا يزال الجميع يشدد عليها باعتبارها السبيل الوحيد نحو الحل.
المبعوث الأممي مارتن جريفيثس وبمساندة ودعم مباشرَين من قبل مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، مستمر في تحركاته في هذا الإطار.. فبعد جولته الأخيرة إلى صنعاء التقى جريفيثس قيادات سلطة صنعاء من بينهم قائد الجماعة الحوثية عبدالملك الحوثي. وطبقاً لإحاطته الأخيرة التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي فإن «لقاءه مع السيد عبد الملك الحوثي كان إيجابياً ومثمراً»، مؤكداً أن صنعاء أكدت موافقتها على «إخضاع ميناء الحديدة لإدارة مشتركة مع الأمم المتحدة وأنها واضحة في هذا الاتجاه».

مصادر سياسية مقربة من مكتب جريفيثس أكدت بأن «الانطباع الأخير الذي توصل إليه المبعوث الأممي ونقله إلى مجلس الأمن في جلسة مغلقة عقدت الخميس الماضي، هو أن معركة الحديدة عقدّت من إحداث تقارب مباشر بين أطراف الأزمة، وأنه كان من الأسهل أن يتم إحداث ذلك التقارب واللقاء المباشر بين الأطراف السياسية اليمنية من دون معركة الحديدة».

وطبقاً لمصادر سياسية مطلعة، فإن معركة الحديدة «فتحت الباب واسعاً أمام اشتراطات عسكرية وسياسية تبدو معقدة». هذا الطرح ربما يؤكد أن «الحسابات كانت خاطئة»، حيث إن تلك الحسابات كانت تقول إن معركة الحديدة ستكون بمثابة ورقة ضغط على صنعاء للذهاب نحو الحل السياسي، ولكن «يبدو أن وقائع الميدان ونتائج المعركة على الأرض أثبتت توزاناً كبيراً على المستوى العسكري في المواجهات والجبهات».

وكشفت المصادر السياسية عن أن جريفيثس «سيعود بجولة سياسية وستكون واسعة هذه المرة، وقد وصل مؤخرا إلى الرياض، ومن المتوقع أن تشمل زيارته أبو ظبي وسلطنة عمان، وهو يحمل مبادرتين واحدة تختص بمعركة الحديدة وأخرى بالحل الشامل للأزمة اليمنية، حيث إن الحديدة ومن خلال الجهود التي قام بها المبعوث لا يمكن أن تمثل بوابة للذهاب نحو الحل». وتشير المصادر إلى أنه «توصل إلى أنه لا بد من مبادرة شاملة يمكن من خلالها إحداث تقارب بين أطراف الحرب».

وأكدت المصادر على أن جريفيثس قام بـ«مشاورات واسعة واتصالات مكثفة مع الاتحاد الأوروبي بعد جلسة مجلس الأمن، وبحث معهم مسار الجهود القادمة والنقاط التي يمكن أن تمثل انطلاقة حقيقية له ولجهوده المدعومة هذه المرة بمساندة كبيرة».
وقالت المصادر إن «الاتحاد الأوروبي يبدو مهتماً بشكل كبير هذه المرة بشأن التسوية»، مشيراً إلى أن هناك «مساعي كبيرة واتصالات مكثفة نسبياً يجريها الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع المبعوث الأممي مارتن جريفيثس». ولفتت إلى أن «السويد تبدو أكثر المهتمين بهذا الملف، حيث إنها تريد أن يكون ملف اليمن ملفها القادم بالتزامن مع توليها رئاسة مجلس الأمن».

خلال الأسبوع الماضي شهدت صنعاء تحركات مكثفة لبعض المسؤولين الأوروبيين، وشهدت العاصمة صنعاء  لقاءات لأولئك المسؤولين الأوروبيين بقيادات القوى الوطنية بصنعاء، حيث التقى رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط مبعوث السويد لدى اليمن ،وخرج الاجتماع بعرض سويدي باستضافة السويد للمفاوضات اليمنية تزامناً مع اقتراب توليها رئاسة مجلس الأمن للفترة المقبلة. كما التقى المشاط رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي التي أكدت أن الاتحاد الأوروبي يعمل على إعادة فتح مطار صنعاء وهو المطلب الذي تطالب به سلطة صنعاء.

الزيارات والجهود الأوروبية إلى صنعاء أيضاً تواصلت عبر المبعوث الأممي البريطاني جريفيثس الذي زار صنعاء للمرة الرابعة تقريباً منذ توليه منصبه، إضافة إلى زيارات المنظمات الأممية التابعة للأمم المتحدة وآخرها زيارة الرئيس التنفيذي لمنظمة «يونيسيف». وبحسب سياسيين، فإن القاسم المشترك لمضمون تصريحات المسؤولين الأوروبيين هو «أهمية تعزيز فرص الحل السلمي لما يجري في اليمن ورفض الحل العسكري وتجديد الدعم للمبعوث الأممي».

ويعتبر مراقبون أن هذا «الانفتاح» الأوروبي على صنعاء يأتي «في وقت تعيش حكومة هادي حالة صراع، وفي كل الأحوال يعتبر هذا الانفتاح مع سلطة صنعاء مؤشرا إيجابيا ومطمئنا، ويدل على تطور مستوى التفاهم بين المجتمع الدولي وبين صنعاء. وربما بدأ هذا «الانفتاح» قبل أشهر وتحديداً عندما زارت مبعوثة الاتحاد الأوروبي وعدداً من سفراء خارجية بعض الدول صنعاء، في خطوة وصفها مراقبون في حينها بالمتقدمة، إذ تمكنت صنعاء من خلالها «من كسر العزلة الدولية».

تبدو السويد على خط الحل الأزمة اليمنية على رأس الاتحاد الأوروبي. وطبقاً لمصادر سياسية أوروبية، فإن «السويد تبدو متحمسة وهي أكثر الأطراف تواصلاً مع المبعوث الأممي جريفيثس بحكم أن النجاح في هذا الملف الشائك سيكون نجاحاً لمجلس الأمن في فترة رئاستها».

وكشفت المصادر عن أن «هناك صورة سلبية عن دور مجلس الأمن خصوصاً فيما يتعلق بملفي سوريا واليمن، ولهذا تريد السويد أن تحقق نجاحات في بعض الملفات المعرقلة والتي لم يستطع مجلس الأمن حسمها طوال الفترة الماضية».
وطبقا للمصادر، فإن السويد «تدرك مدى نجاحها هذا وأنه مرتبط بالتنسيق مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن المعنية دوماً بحسم أي ملف، ولهذا لدى السويد تطلع ورؤية ستتحرك على ضوئها وفق اتجاهين، الأول متابعة المبعوث الأممي ومتابعة الأطراف اليمنية والثاني عبر المناقشات مع أعضاء مجلس الأمن بشكل انفرادي».

وأوضحت مصادر أوروبية بأن «السويد طرف مقبول في مجلس الأمن الدولي، ولذا من المهم انعقاد حوار أو بدء تهيئة سياسية بين الروس والصينيين والأمريكان والأوروبيين بشأن وضع اليمن الحاضر والمستقبل، لأن السويد لن تؤثر على طرف على حساب آخر، والجانب الآخر المأمول من السويديين أن لهم علاقة كبير بالطاقة، لهم شركات مهمة بالتنقيب عن النفط والغاز في اليمن».

وأشار المصادر إلى أن «للسويد تاريخ اقتصادي في اليمن وشركة تتراباك السويدية تعمل من مطلع الثمانينات في البلد وهي من أهم الشركات السويدية. كما أن لها تعاون مع اليمن في مجال التدريب الفني ولهم معهد خاص على نفقتهم لتعليم المهن الفنية في مدينة تعز».

تشير المصادر إلى أن «السويد دولة تشبه سويسرا وقوة ناعمة في الاتحاد الأوروبي وعلاقاتها الاقتصادية كبيرة مع الشرق والغرب، ولها معرفة تاريخية في المنطقة واليمن بالتحديد»، مؤكدة بأنها ستمثل «إداريا ناجحا لنقل وجهات النظر بين موسكو وواشنطن وبكين ولندن وباريس، ولديها أهم جهاز أمني وفيها أهم شركات الأمن الخاصة بالمعلوماتية.. ولذا، ستوفر مكاناً خصباً للتفاوض بعيداً عن تدخلات المخابرات العالمية والإقليمية كما حدث في سويسرا، حيث حدثت مشاكل في التنظيم والإدارة وتواجدت خلايا استخباراتية عالمية كانت تتدخل لعرقلة أي مساعٍ أو حلول في المفاوضات اليمنية».

وأضافت المصادر: «بالمجمل، الكل يريد إنجاح الحوار في اليمن، لأن الأوروبيين فقدوا امتيازات مهمة في البلد وكذلك الأمريكان والبريطانيين والصينيين والروس ليس لديهم ما يخسرونه إلا بيع السلاح فقط. فنسب نجاح الحوار أكثر من التكهن بفشله إذا انعقد».

سلام المقايضات من الحديدة
إذاً، ما يزال السلام في اليمن بعيد المنال رغم تصريحات المبعوث الأممي بقرب عقد جولة تفاوض جديدة بين أطراف الأزمة، حيث أعلن خلال اليومين الماضيين عن جولة جديدة لجريفيثس تبدأ من الرياض للقاء هادي، غير أن وسائل إعلام مقربة من الأخير نشرت خبرا أن هادي لن يقابل جريفيثس إلا في عدن وهو ما حدث بالفعل.

الخبر يبدو من أوله مجرد تسريبات هدفها إظهار رفض هادي كون مكتب المبعوث الأممي لم يعلن عن جولة جديدة له في وقت يسود تكتم شديد حول نتائج لقاءات جريفيثس في صنعاء، والتي أشاد عقبها بزعيم جماعة الحوثيين السيد عبد الملك الحوثي. هذا التكتم تلاه هجوم عنيف لزعيم الجماعة الحوثية على دولة الامارات واتهام التحالف السعودي برفض مبادرة المبعوث الأممي.

التحشيد العسكري عاد إلى الساحل الغربي مرة أخرى، وهو ما يجعل من معركة الحديدة أمرا واردا، في وقت يبذل دبلوماسيون أجانب جهودا لتفادي المعركة خصوصا من جانب الاتحاد الأوروبي.
يرى مراقبون أن خيار البندقية يبدو هو الأرجح في الساحل الغربي، خاصة في ظل التحشيد الواسع للتحالف لمقاتلين أغلبهم من العناصر السلفية إلى الساحل الغربي. ويأتي هذا التحشيد في ظل خلافات داخل المعسكر المحلي الموالي للتحالف والذي ظهر إلى العلن باحتجاجات لعناصر المقاومة التهامية التي قطعت الطريق الساحلي بين الخوخة والتحيتا جنوب غرب الحديدة الأحد 8 يوليو 2018، للمطالبة بصرف مرتباتهم.

هذا الاحتجاج يقرأ في إطار الصراع الإماراتي - الإخواني، حيث يحسب أغلب قيادات اللواء الأول - فصائل تهامية - على تجمع الاصلاح - الذي همش من معركة الحديدة والساحل الغربي بشكل عام، وهو الصراع الذي سيكون له تأثيراته على معركة الحديدة وما يجري من جهود لاحتواء المعركة، ما يعني أن معركة الساحل الغربي تدور وفق أجندات خارجية لا علاقة للداخل بها.

ما تزال جهود جريفيثس حتى الآن مجرد تحركات لم تلق بآثارها على الميدان في ظل استمرار التحشيد والتأهب لمعركة الحديدة، غير أن البعض يرى أن التكتم على نتائج لقاءات صنعاء وعدن التي قام بها جريفيثس تعد مؤشرا على أن صفقة يجري طبخها على نار هادئة.

ويرى مراقبون أن التسوية السياسية ستأخذ في عهد جريفيثس منحنى أشبه بصفقات “المقايضة” و الحلول الجزئية..مشيرين إلى أن البريطاني جريفيثس جاء لتنفيذ مخرجات اللجنة الرباعية التي تعد بلاده عضوا فاعلا فيها إن لم تكن عراب هذه اللجنة.
و لفتوا إلى أن الحل السياسي سيبدأ على شكل حلول جزئية تبدأ من ميناء الحديدة ثم المدينة، و هكذا. وهذه الحلول الجزئية لن تتم إلا بمقايضات خلف الكواليس بهدف الوصول إلى تحقيق اجندات تسعى إليها قوى دولية وهي الحلول التي ستستخدم القوة العسكرية كأداة ضغط لتحقيق تلك الحلول.

الجميع منتظر الخطوة التالية لجريفيثس خاصة بعد تصريحه بأن جولة تفاوض قادمة بين أطراف الأزمة اليمنية ستنعقد في أقرب وقت.
* عن «العربي»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى