قفوا لمرة واحدة وضعوا أيديكم في يد بعض لأجل الوطن

> أسماء الآغا

>
 إلى السيد الرئيس ونائبه، ودولة رئيس الحكومة والسادة الوزراء، وإلى الأحزاب والمؤسسات الوطنية والحكومية، وأعضاء المجلس الانتقالي، وإلى أخوة الدم وأصدقاء الجوار، والحاضرون في زمن الولائم، الغائبون في زمن السقوط.. تحية ممزوجة بالغصة الخالية من كل تعابير الحياة في وطني.. يا من تشهدون هذا البلاء المستمد من عصور فاقت عصور كل مراحل الظلام التي خيمت يوما على وطني.

أعتقد أنه لا حاجة لي بأن أصف لكم ما يحدث في موطني، فأنتم شاهدون على كل هذا البلاء الذي نمر به والمتقاطر من لحومنا وأكبادنا المقهورة.

في بلدي شحوب أصفر، مريض فاق كل التصورات التي تدفعنا إلى الاستغاثة، شحوب يذكرني باستمامة مرضى الطاعون واستسلامهم لكل الضربات الموجعة التي أخيرا ضربت حمته رؤوسنا فأصبحنا كالمجانين الذين يدورون هنا وهناك، واننا أبعد من أن يعرف إلى ماذا نتجه.. ويعلم الله انكم كنتم ومازلتم السبب الأول والأخير فيما نحن ماضون فيه من كوارث.

رسالة بسيطة بعد كل هذا الذي ترونه في شوارعنا المكتظة بالصراخ المفجع والهرولة غير المحتملة نحو جهنم.
كونوا مسؤولين ولو لمرة واحدة، وأنقذوا هذا الوطن من كارثية الانزلاقة التي قصمت ظهر الوطن، واظهرت ما تبقى من عجزه.

كون يدا واحدة ولو لمرة واحدة، في قيادة سفينة هذا الوطن الجريح الذي أنتم عكازه.. أغلقوا قليلا جيوبكم وآفاقكم الطموحة وكونوا إنسانيين ووطنين بعيدا عن بدلكم الانيقة وأحذيتكم اللامعة او شعاراتكم الرنانة الكذابة المستفزة لعنفوان الكرامة الحاضرة الغائبة التي أصيب بها جبين المواطن فخرج من دائرة الصمت الكريم إلى صراخ التسول والمسكنة والاحباط.

تعالوا هنا قليلا، وما يزعجني انكم هنا ومعنا وشاهدون على كل هذا الآنين المتناثر من حناجرنا، وصدورنا وجبين الكريم منا.. اقتربوا قليلا من دار يقطنها افراد يتباكون، لأنهم لم يتمكنوا من توفير عشاء الليلة، أو لم يعنهم راتبهم الشهري على شراء كيس دقيق او دبة زيت، لانها فاقت راتبه الذي يعول عليه في تيسير حياته خلال الأيام القادمة التي ربما قد تطول أشهر دون أن يتمكن من استلام راتبه مجددا.

اقتربوا قليلا من ديار وحواري تساوى فيها الغني مع الفقير، الكريم مع المستور، مع اليتيم، مع المنكوب، مع المعوز، مع العائل لأسرة أو العائل لنفسه.. اقتربوا قليلا من صرخات الشوارع بعيدا عن حساباتكم البنكية التي يملؤها الخارج المجاور والبعيد.. اقتربوا قليلا، وارتدوا بعض من البؤس الذي يرتديه الكهل والطفل والشاب رجلا وامرأة.

بالله عليكم، أوقفوا قليلا هذا الصخب العدائي والعداوات المعلنة والخفية والاتهامات المتبادلة والشعارات الرنانة الكذابة المستفزة والقاتلة الممتصة من دماء هذا الشعب المنكوب، المقهور، المصلوب، المذبوح من شريان الوطنية إلى شريان المسؤولية.. هذا الوطن المنكوب بالخيانات، المقهور، المخذول، المكسور، المتأرجح، بين فتيل النار الداخلية والخارجية، المختلط فيه الكذب بالصدق، المنزوع من كل عروق الحياة.. وللمرة التي لم نعد نحسبها.. نصرخ فيكم، أرجوكم لا للحظة الواحدة والمئة وغير المنتهية.

أرجوكم، قفوا لمرة واحدة، وضعوا أيديكم في يد بعض وإن اختلفتم وتفرقتم وتمزقتم كل ممزق، ساهموا لمرة واحدة فقط في رفع الجزء الأهم والبالغة الأهمية في حياة ومستقبل هذا الوطن وحياة أبنائنا وأبنائكم، وإن لم تكونوا عونا فأكبر ما تقدمونه هو أن لا تكونوا عائقا، ولا تساهموا في تجهيز عدة السلاخة لما تبقى من جلد المواطن الخالية والحمدلله من اللحم الذي تناثر بعضه في معارككم، والآخر امتصته الهموم المعلقة عليه حياته.

ما نمر به اليوم من كارثة اقتصادية كان السبب الأول فيها الجشع، الذي آسفا أقوالها ملأ نفوس كل مسئول كبير أو صغير به، وأصبح كل واحد يدعي الوطنية، وساعات الازمات يرمي بظلال المسئولية على الآخر، بينما نحن نشوى من لهيب هذه الأزمات، تشغلون أنتم كراسي الطائرات المغادرة نحو مسؤوليتكم المرهفة والمرفهة والقادمة لملء الكيس بعد نفاده باستثمار مجموعة من الشعارات التي أصبحت لا تصلح حتى لأن تكون علكة يلوكها المواطن.

نسألكم بالله، أن تتركوا قليلا من مهماتكم في البحث واستثمار شعاراتكم، إلى بعد أن يتماثل الوطن للشفاء، وساهموا للمرة الأولى والحقيقية والمنتظرة والمحتاجة إلى عونكم في إيجاد حلول مسئولة ومساعدة لوقف استمرار هذه الأزمة التي تحفر لحد الوطن والمساهمة في الحد من استمرارها، بما تمليه عليه مسئوليتكم الوطنية أو الإنسانية.

كونوا وطنين، وأعدوا أقلامكم وجهودكم وأموالكم وضمائركم في رسم طريق صحيح واعٍ ووطني لإيقاف هذه الأزمة الاقتصادية المجنونة وتدهور العملة وتنشيط كل ما توقف من نشاطات اقتصادية لإعادة المحاولة لإنعاش روح هذا الوطن الغارق في مسارح الفقد الأخيرة، فإن لم تكونوا على قلب واحد، فأنتم على وطن واحد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى