معركة أولاد العم.. عن حقيقة صراعات الدين والسياسة داخل البيت الحوثي

> تحليل / مرتضى الشاذلي*

> متمردون من الشمال سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء في 4 أيام فقط، فرضوا أجندتهم الثورية، لكنهم يواجهون معارضة شرسة لحكمهم من تنظيم القاعدة ومجموعات أخرى، بينما تخوض جبهتهم الداخلية حربًا متقطعة مع رجل الدين الزيدي محمد عبد العظيم الحوثي الذي برز معارضًا قويًا للحركة الشيعية الصاعدة، فأججت محاولاتهم المستميتة للاستيلاء على السلطة نزعتهم الطائفية، وزاد صعودهم من تشرذم اليمن أكثر فأكثر.

صراع حوثي
معارك عنيفة تشهدها منطقة آل حميدان بمحافظة صعدة، هذه المرة داخل الأسرة الحوثية، أي بين الحوثيين وأبناء العمومة، فمنذ أيام قليلة تفجر الصراع مجددًا، وبدأت الاشتباكات بين أتباع إيران بقيادة عبد الملك الحوثي وأتباع محمد عبد العظيم الحوثي أحد علماء المذهب الزيدي الذي يرفض التبعية لطهران.  

يتوسع مربع الخلاف الحوثي رويدًا رويدًا بين أنصار عبد الملك وعبد العظيم في أهم مديريات محافظة صعدة، إلى أن وصل خلال أيام قليلة إلى مديرية مجزّ ومدينة ضحيان، أهم مدن ومديريات يسيطر عليها الحوثي منذ 14 عامًا.
كانت الشرارة التي فجَّرت الأوضاع مداهمات واعتقالات استهدفت أتباع عبد العظيم لمعارضتهم الشديدة للانقلابيين ولممارساتهم، وأسفرت عن مقتل نحو 40 شخصًا من أنصار العالم الزيدي بينهم أطفال ونساء نتيجة القصف الهستيري والعشوائي الذي شنه الحوثيون على قرى آل حميدان الواقعة في مديرية سحار والمحاصرة منذ أواخر سبتمبر.    

«الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» جملتان من صرخة الحوثي التي أعقبت تفجير منازل لمناصري عمه الذي يوصف بأنه «القريب اللدود»، أما التطورات الأخيرة والمعهودة من جماعة الحوثي فتتمثل في هدم 3 منازل على رؤوس ساكنيها.
ونتيجة للرعونة التي يتعامل بها أنصار عبد الملك الحوثي، وبعد عمليات تنكيل بحق أنصار عبد العظيم، أصدر الأخير بيانًا من محافظة حجة طالب فيه ميليشيات عبد الملك بالكف عن التصرفات الرعناء وحصار قرى آل حميدان وقتل ما أسموها «النفس التي حرم الله»، ولوح بإعلان الجهاد وإطلاق الإشارة لجميع الأتباع في جميع القرى والمدن لملاحقة الحوثيين واجتثاثهم من البلاد. 

وأمام هذه التطورات، دعا الداعية اليمني محمد عبد العظيم الحوثي جميع أتباعه وأنصاره للتدخل السريع وإنقاذ آل حميدان مما وصفه بـ «العدوان من الحوثيين»، وقال لهم إن الانقلابيين - الذين وصفهم بـ «المجرمين اللصوص السلاليين» - يقصفون منازل أتباعه بالأسلحة الثقيلة، مما أدى سقوط عدد من القتلى والجرحى.  

هذه التطورات زادت من الخلافات القائمة داخل الأسرة الحوثية أصلاً، إذ يعود الصراع بين أتباع عبد الملك الحوثي الموالين لإيران وجماعة محمد عبد العظيم الحوثي إلى عام 2004، إذ يرفض الأخير تبني مشروع إيران ويصفهم بـ «الطغاة والمجرمين».
وخلال فترات الصراع بين الطرفين اعتدت ميليشيات الحوثي على عبد العظيم الحوثي أكثر من مرة وهدمت منزله وطردته من ضحيان، شمال صعدة.. كما فجر الحوثيون في مايو 2015 مسجده ومدرسته و13 منزلًا لأنصاره بحجة موالاتهم لمحمد عبد العظيم، ووقعت مواجهات عنيفة في أبريل 2016 بين أنصار عبد العظيم الحوثي والحوثيين خلفت عشرات القتلى من أتباع عبد العظيم الحوثي.

وما زالت خلافات الصراع الحوثي - الحوثي على أشدها ولا بشارة في انفراج للأزمة الراهنة، عدا ظهور ملامح خلافات الإمامة من جديد، التي يعيدها التاريخ الحديث بصورة حوثية تتمثل في تناحر الأسر داخليًا نتيجة فقدان المصالح وأماكن السيطرة، أما الملمح الثاني فيتمثل في تفجير منازل الخصوم.

وبحسب مصادر يمنية في صعدة، لم تنجح وساطة قبلية في تهدئة الموقف وإخماد المعارك بين الطرفين، بل إن المصادر ذاتها أكدت أن عبد الملك الحوثي استقدم تعزيزات أمنية جديدة لمواجهة أتباع عبد العظيم الحوثي وحسم المعركة، وبالتالي تحويل أبناء القبائل وقود لصراعات أسرة بيت الحوثي.

ليسوا على قلب رجل واحد
محمد عبد العظيم بن الحسن بن الحسين الحوثي، ابن العم اللدود لعبد الملك الحوثي، من أبرز الشخصيات الزيدية في اليمن، ويتبع تيار مجد الدين المؤيدي الذي كان على خصومه مع زعيم مليشيات الحوثي السابق بدر الدين الحوثي، نتيجة خلافات في معتقدات المليشيات الحوثية الموالية لإيران.

اشتهر محمد عبد العظيم الحوثي بمعارضته لجماعة الحوثيين منذ بدء تمردهم على الدولة عام 2004، بعد طرده من ضحيان شمال صعدة، وهدم منزله، بسبب خلافه معهم ورفضه التلاعب بالطائفة الزيدية لخدمة مصالح إيران، إذ يعارض عبد العظيم المذهب الإثني عشري ويرفض التدخل الإيراني في شؤون اليمن.

الداعية الأبرز في اليمن للمذهب الزيدي يتبنى خطًا معارضًا للحوثيين، إذ يرفض تطبيق التجربة الخمينية التي استقدمها مؤسس جماعة الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي التي حاول فرضها على اليمنيين بقوة السلاح، ويرى أن تصرفات ميليشيا الحوثي لا تمت بصلة لهذا المذهب بل يصفهم بـ «النصابين واللصوص وقطاع الطرق». 

وعن حقيقة خلافه مع ميليشيا الحوثي، أرجع عبد العظيم الحوثي ذلك إلى أنهم «يحاولون الهيمنة على الحكم مستغلين المذهب الزيدي وهم غير مأمونين عليه»، وسبق له أن أفتى في بداية خلافه مع أنصار حسين الحوثي، بكفرهم، داعيًا إلى «قتالهم حتى قبل اليهود والنصاری»، مضيفًا أن «جهاد الحوثيين الكفرة خير من الجهاد ضد اليهود، لأن هؤلاء الحوثيين أعداء لله ورسوله وللمؤمنين».

فأتباع المذهب الزيدي يرفضون الأمور الغريبة التي أدخلتها ميليشيات الانقلابيين على المجتمع اليمني، بعد أن تحولت المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي إلى ساحة لتطبيق الأفكار الخمينية المتطرفة في عملية نسخ للمظاهر الإيرانية الدينية والسياسية، تهدف إلى إدخال اليمن تحت ولاية طهران.

يتمتع محمد عبد العظيم بقاعدة شعبية في مختلف مناطق محافظات صعدة وصنعاء وعمران وحجة وذمار، فيما تعتبر منطقة آل مسعود الواقعة في مديرية سحار، المعقل الرئيس لمحمد عبد العظيم الحوثي، لكن بالمقارنة مع قاعدة الجماعة الحوثية تبدو متواضعة، فقد ساعدت الحروب التي خاضتها جماعة الحوثي وعلاقاتها الإقليمية على استمالة رؤوس القبائل والعشائر ورجال الدين.

ورغم ذلك، فإن الحرب نفسها أدت مؤخرًا إلى تضاؤل القاعدة الشعبية للحوثيين وخدمت محمد عبد العظيم كثيرًا في محافظات صعدة وعمران وصنعاء وذمار، وهي كبرى المحافظات التي ينتشر فيها المذهب الزيدي، خاصة بعد أن أظهرت الحرب سياسة الحوثيين في دعم وتعزيز الأسرة الحوثية الهاشمية على حساب القبائل الزيدية الأخرى.

كذلك، فإن استراتيجية الحوثيين في إقصاء خصومهم دفعت بعض أتباع المذهب الزيدي في محافظات الشمال اليمني إلى تأييد عبد العظيم في مواجهتهم، لكن مؤيديه لا يمتلكون القدرات والأدوات الكافية لخوض مواجهات مباشرة مع الحوثيين، أصحاب الخبرة العسكرية، إذا ساء الوضع كثيرًا بين الطرفين.

تقاطعات السياسة والدين
سبق لعبد العظيم أن خاض وأنصاره عدة مواجهات مسلحة ضد ميليشيات عبد الملك الحوثي الانقلابية، في مناطق مران وسحار في صعدة، ومناطق أخرى في صنعاء، على خلفية عدم تأييده لمشروع زعيمها المستند إلى المذهب الإثني عشري التابع لإيران.

وقد حاول الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح استغلال جبهة عبد العظيم الدينية القوية ضد الحوثيين لتشكيل توازن قوى دينية داخل صعدة والاستفادة منه في إشغال الحوثيين الذين كانوا يعززون قوتهم العسكرية، لكن محمد عبد العظيم رفض هذه العروض التي لم تأتِه بشكل مباشر أو رسمي.

وفي رأي عبد العظيم الحوثي، فإن صالح مغتصب للحكم لأنه لا ينتمي إلى البطنَين أو الحسنَين، كما أن له خلاف مع الرئيس السابق يتعلق بالدعم الذي مرّره الأخير للحوثيين في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ما عزّز نفوذهم وساهم في تهميش خصومهم.

ومن الناحية الدينية، تعود بعض بذور الصراعات داخل المذهب الزيدي إلى التعصب القبلي في شمال اليمن وإلى دور حسين بدر الدين الحوثي، شقيق عبد الملك، في تغيير المذهب الزيدي إلى الإثني عشري بعد عودته من إيران، إذ أسس الحركة الحوثية التي خاضت مع المجتمع اليمني صراعًا تحوّل إلى صراع مسلح قُتل خلاله حسين الحوثي.

وبالتالي أصبح الصراع الحالي بين عبد العظيم الحوثي (المعتدل) وبين عبد الملك الحوثي (المتطرف) صراع أجنحة، نتيجة شعور المعتدلين بأن هزيمة الحركة باتت قريبة، بعد اختراق التحالف العربي جبهتي صعدة، معقل الحوثيين، والحديدة الرئة التي يتنفسون منها، ولذا احتدم الصراع خشية تعرّض المذهب الزيدي لتصفية كاملة.

لكن مقابل نقاط الاختلاف بين الحوثيين ومحمد عبد العظيم، ثمة بعض الأمور التي يتفقان بشأنها، مثل حصر الحكم في آل البيت والتعصب المذهبي المطالب بسطوة المذهب الزيدي على المذهب الشافعي، ورغم ذلك يهدد الصراع بتآكل الحوثيين من الداخل، وإضعافها ماديًّا ومعنويًّا.

ومن المتوقع أن يتطور هذا الخلاف مستقبلاً، نتيجة التعامل العنصري والنظرة الدونية والتعامل بقاعدة الطبقات والتفريق العرقي لدى الجماعة فيما بينها، ومثلما حققت فكرتهم العنصرية، تمييزًا خارجيًا وتفريقًا طبقيًا بين سلالة الهاشمية وبقية أبناء المجتمع، فإن الفكرة ستؤدي لتمييز وتفريق واختلاف داخل السلالة نفسها التي تتبنى هذه الفكرة والقاعدة.

ويرى مراقبون أن هذا الصراع الحوثي - الحوثي، المتجدد، يوحي بهشاشة الفكر الحوثي، وسيمهد لتآكل الميليشيات الحوثية وإضعافها ماديًا ومعنويًا، ما يعني استغلال التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات حالة الارتباك التي تعيشها الميلشيات الحوثية.
* (نون بوست)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى