لا ترموا بفضلاتكم في حديقة المعرفة

> نُهى البدوي

>
> تعددت أنواع الفوضى وفقا لتعدد أهدافها وأساليب ممارستها ليأخذ كل نوع منها شكلاً مكملاً للحرب الدائرة في اليمن بكل أنواعها ومضمون أهدافها لتدمير الأرض والإنسان فيه. وكما جعل اليمنيون الديمقراطية «عوراء» حين مارسوها بلغة السلاح، يحاول اليوم كثير منهم تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى مستنقع ومجمع لقاذوراتهم ولنشر غسيلهم، لتدمير ثقافتهم وأخلاقهم وقيّمهم وكأنهم ببلادتهم لا يعلمون أنهم يرمون بفضلاتهم في حديقة منزلهم المليئة بالزهور.

لم يسخر معظم اليمنيين وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصال الحديثة كما سخرها الآخرون لبناء مجتمعاتهم وإصلاح أنظمة الحكم فيها، وتبني قضاياها، وتطوير الذات للفرد وتصحيح الاعوجاج في الحكم، وإبراز خفايا الأحداث والتذكير بالدروس والعبر، ليستفيد منها الناس في إشاعة التآخي والتعايش بين أفراد المجتمع.. بل حولوها إلى ساحة نزال للمبارزة والتصفيات وضرب أخلاق المجتمع وقيمه وثقافته وتاريخه، ناهيك عن إلصاق التهم ببعضهم البعض، فمن يدخل الفيس بوك أو تويتر او يقرأ ما يتداول في الواتس آب سيجد أنه دخل في مستنقع مليء بالقاذورات والفضلات التي تنبعث منها روائح كريهة تزكم الأنوف وكأن  منصات التواصل تلك وجدت فقط للسب والقذف وتصدير التهم الجاهزة والشتائم للآخرين ليخفي وجودهم أصوات الحقيقة ولجمها.

تعج وسائل التواصل الاجتماعي بكثير من الأسماء والصفحات التي لا ترتقى لمستوى مناقشة القضايا بصورة تليق بتاريخنا وثقافتنا كيمنيين، حتى إنهم كونوا بحواراتهم العقيمة وثقافتهم الدخيلة على مجتمعنا، صورة مزيفة في عيون العالم الخارجي والمجتمعات الأخرى، وأحدث تبنيهم للأخبار الكاذبة، ونشر الشائعات، والقذف والسب خدشاً كبيراً في الصورة الجميلة المعروفة عن تاريخنا، وأصالة ثقافتنا اليمنية، لتسيء لسمعة المثقف اليمني في الخارج، باستثناء عدد من المنصات والمواقع والصفحات والحسابات المتميزة عنها بالآراء ومواضيع المعرفة، وتنطلق منها أصوات كاشفة للحقيقة بطرحها الموضوعي الشفاف لقضايا المجتمع، وتسهم باقتدار في تبني أفكار إيجابية مفيدة المجتمع، تغرس في أفراده القيّم والأخلاق وروح التآخي  والتعايش، ونبذ العنف والغلو والتطرف، وتبث في أرواحنا الأمل والتفاؤل لتضميد جراحاتنا ودفعنا للبناء ومعالجة قضايا ومشكلات المجتمع.

أصبح الكل في العالم الافتراضي يعرض بضاعته للتسويق والنشر، والشهرة، والتنافس، لكنه أتاح فضاء (مسموح- ممنوع) للمتحاربين في بلادنا، وصار أداة ووسيلة مكملة لحربهم العبثية لشن الحروب الإعلامية، مما جعل تداعياتها أقذر من الحروب الإعلامية السابقة، لاختلاف الوسائل والتقنيات الحديثة عما كان عليه سابقاً، بنشر الدعاية والإشاعة في حروب القرن الماضي، ولم يعد المواطن اليوم كما كان سابقاً متلقياً فقط في ظل توفر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بل مشاركاً ومتلقياً ومتفاعلاً.. والأسوأ من ذلك أنه مدمر لثقافته ووطنه وذاته، بصورة أفظع بما يحدثه من فوضى فكرية وأخلاقية في المجتمع عبر هذه الوسائل لسرعة بث ونقل الإشاعة وإعادة إنتاجها وتجديدها.

إن العيب ليس في وسائل التواصل الحديثة، إنما في وعي مستخدميها ومستوى أخلاقهم وثقافاتهم وطرق تفكيرهم وتعاطيهم مع الأحداث والحقائق في ظل غياب التشريعات المنظمة والضابطة لاستخدامها، حتى أصبحت أشبه بحدائق للفكر والمعرفة الممتلئة بالأشجار المثمرة والزهور الجميلة، تفوح منها روائح العطر الزكية، في ظل تزايد مستمر لمحاولات العابثين بها لجعلها ساحة للنزال والسقوط القذر، فكفوا عن محاولات تحويلها إلى مستنقع لقاذوراتكم المدمرة لثقافتنا بجهلكم وصراعاتكم ونشر غسيلكم.. فلا ترموا فضلاتكم في حدائق الفكر والمعرفة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى