جياع في زمن الشرعية.. 24 فردا في منزل مهترئ ودون سقف

> تقرير/ وئام نجيب

>
ما إن تدخل مقبرة القطيع الكائنة في مديرية صيرة بالعاصمة عدن حتى تجد أعدادا كبيرة من الأسر النازحة وحولها أطفالها يمرحون ويلعبون رغم قساوة الحياة، والظروف التي تعصف بهم، وهذه الفئة عزفت عن العيش بين الأحياء، ووجدت أمانها بالقرب من الأموات في المقابر، واتخذتها مأوى لها.
«الأيام» رصدت معاناة بعض الأسر التي تعيش في المقبرة.

ملامح أطفال لخصت المعاناة
بدايةً ذهبنا الى منزل رب أسرة نازحة وهو الحاج يحيى إبراهيم، الذي يخلو منزله من السقف ومعظم أجزائه مهترئة، فيما يبلغ إيجاره عشرين ألف ريال، وتسكنه ثلاث أسر هم “الوالد والوالدة واثنان من أبنائهما (شابين)، وابنتهما المطلقة والتي لديها ثلاث طفلات وولد، إضافة إلى ابنهم الأكبر، وزوجته ولديهما 14 ابنا وابنة”.


الفتاة المطلقة قالت: “حينما نزحنا منذ 8 أشهر من مدينة الحديدة وتحديدا من قرية بيت الفقيه، كنا لا نعلم إلى اين ننزح، كونه لا يوجد لدينا أي مصدر دخل ثابت، وقبل فترة بسيطة وجدت فرصة عمل في تنظيف أحد مكاتب العقارات بعدن، وما أتحصل عليه لا يتجاوز 20 ألف ريال شهرياً، والتي أدفعها لإيجار المنزل، اما عن الاكل فإننا نأتي به من خلال عمل اخواني واطفالنا في الجولات من خلال عملهم في تنظيف السيارات، ناهيك أن أمي تعاني من مرض في عينيها لم نتمكن من علاجها، وولدي البالغ من العمر 12سنة يعاني من مرض تكسرات في الدم ويحتاج الى تبديل دم بما يقدر 20 ألف بحسب إفادة الطبيب”.

متاعب النزوح والتشرد
واضافت لـ«الأيام»: “منزلنا عبارة عن غرفة، وصالة، وحمام ومطبخ، ويخلو معظمه من السقف، وتأتي إلينا أشعة الشمس من كل جهة، ونرى الموت في أكثر من مرة، فقد حدث وان سقطت أفعى من سقف المطبخ عندما كانت ابنتي تصنع لنا الطعام، فالأفاعي تدخل بشكل متكرر إلينا خصوصا في فترة المساء، ما جعلنا نحلم اليوم قبل الغد بأن نخرج من المنزل واستبداله بآخر بسعر رمزي”.
وتابعت “نتمنى الحصول على منزل نأمن فيه على حياتنا وأطفالنا”.

أغراض الاسرة متكدسة
أغراض الاسرة متكدسة

واستطردت: “بداية نزوحنا مكثنا في منزل قريب من هذا المنزل وايضا كان قيمة إيجاره 20 الف ريال، حيث عملنا على توقيع العقد مع مالكه لمدة سنة واحدة، ولكنه قام بعرضه للبيع أثناء وجودنا فيه، على الرغم من أن مدة العقد لم تكتمل، ولأكثر من مرة يقوم بإبلاغ مركز الشرطة بغرض إخلائنا المنزل، فقامت الشرطة بإعطائنا مهلة لخمسة أيام لإخلاء السكن، رغم معرفة مالك المنزل بأنه لا يوجد لدينا سوى الشارع إلا أنه أصر على موقفه، وبالفعل غادرنا المنزل واضطررنا إلى العمل بنصيحة أحد الجيران في عمل مخيم أو عشة تتكون من بعض الخشب والطرابيل والأقمشة القديمة، إضافة إلى الكراتين، في أعلى الجبل وبعيداً عن المقابر، ولكن البلدية قامت بإزالتها في 3 مرات متتالية، ومن ثم أتينا إلى هذا المنزل”.

رغد العيش
وأضافت: “قامت إحدى المنظمات بمدنا بإثنين من الفرش، وراشن لمرة واحدة فقط، ولا نخفي عليكم بأن المنزل يخلو من الاحتياجات الأساسية، ولا نتمكن من توفير أبسطها، حيث إن ما نتحصل عليه ننفقه في أخذ بعض الخضار والارز، وغالبية أيامنا نقوم بالتحطيب، وما يؤسفني هو بكاء أطفالنا ليل نهار بسبب الجوع، وليس بأيدينا أي شيء”.

المطبخ ويظهر فيه عدم وجود مواد غذائية كافية
المطبخ ويظهر فيه عدم وجود مواد غذائية كافية

وتابعت حديثها لـ«الأيام»: “كنا في مدينتنا مرتاحين وحالنا أفضل من هنا، كما أن أطفالنا كانوا يدرسون في المدارس وما دفعنا للنزوح إلى عدن هو طيبة ناسها، ناهيك عن اشتداد المعارك في مناطقنا، وتضرر منزلنا بشكل كبير، كما أننا خشينا على أطفالنا كون المدارس في المدينة تغيرت مناهجها، فقد تم استبدال القرآن الكريم بتعاليم سيرة الحسن والحسين، وما لمسناه أن جماعة الحوثيين لم تكتف بغزو بلدنا ولكنها أيضاً تسعى إلى غزونا فكريا وعقائديا، علاوةً على أنهم بدأوا بمداهمة القرى المجاورة لنا وأخذ اطفال ممن أعمارهم 12 عاما فما فوق لتجنيدهم وجعلهم أدرع بشرية”.

انقطاع راتب أخي
وبحسرة تضيف: “في السابق كان أخي الأكبر المتزوج لديه عمل حكومي في الحديدة، حيث كان معلما في إحدى المدارس هناك، وبسبب أوزار الحرب تم إيقاف صرف راتبه لما يقرب السنتين، ولا يختلف الأمر كثيراً عندما نزحنا إلى عدن حيث مازال راتبه منقطعا”.
وأردفت: “أما أنا فقد كنت أعمل في إحدى المنظمات الإغاثية بالحديدة، إلى أن قامت جماعة الحوثيين بالسيطرة عليها وتوظيفها لصالحهم وصالح جرحاهم، وطلب مني بأن استمر وآتي بفتيات أخريات مقابل توفير مسكن لي وأسرتي في موقع آمن في البلد، ولكنني رفضت هذا العرض”.

غرفة المعيشة
غرفة المعيشة

حسرة وأسى
وتابعت: “تتفاوت أعمار أطفالي، ولو كان الامر بيدي لما اخرجتهم إلى الشارع للعمل في الجولات، فأنا كأي أم تخشى على أطفالها، حيث إني غير راضية عن هذه العيشة لهم، وأريدهم كغيرهم من الاطفال يحصلون على اللباس واللقمة النظيفة، وأن تتوفر لهم كافة الحقوق من التعليم والعيش الكريم، ولكن كما يقال (العين بصيرة واليد قصيرة)، وفي حال تركتهم في المنزل من سيأتي إلينا برغيف العيش؟ حينها سيموت اطفالي جوعاً وعطشاً”.

صورة للحمام
صورة للحمام

وأشارت الى أنه “لا توجد أي جهة حكومية أو خاصة تنظر إلينا بعين الرحمة أو أحد يضع نفسه مكاننا، لا نعلم عن شيء اسمه حكومة ولكننا نعلم ونعي بشبح اسمه الجوع الذي انهكنا وأنهك أطفالنا، لكم أن تتخيلوا بأن أطفالنا يبكون من الجوع، وينظرون إلى ما هو بيد غيرهم”.
واختتمت حديثها لـ«الأيام»: “تمر علينا أوقات نقول فيها ليتنا متنا في الحرب، ليتنا لم نبرح منزلنا ومسقط رأسنا”.​​

سقف المطبخ
سقف المطبخ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى