كيف تغيرت موازين القوى العسكرية من "جنيف 1" إلى مفاوضات السويد؟

> فارس الجلال

> يقترب الحوار الخامس بين أطراف الصراع اليمني، والمقرر انعقاده مطلع ديسمبر المقبل في السويد، فيما الصراع العسكري لم يُحسم بعد، مع اقترابه من إكمال عامه الرابع. وبين الحوارات الخمسة والسنوات الأربع، شهد مسرح العمليات العسكرية تحوّلات كبيرة، رافقتها تغيرات في سياق هذه الحوارات، منذ أول جولة في جنيف في يونيو 2015، والتي عُقدت بعد ما يقارب الثلاثة أشهر من اندلاع الحرب.

بداية غير متكافئة
عند انعقاد جنيف 1 في يونيو 2015، كانت السيطرة الميدانية لصالح الحوثيين بشكل شبه تام، عدا الجزء الغربي، وجزء بسيط من الجهة الشمالية لمدينة عدن، كانا تحت سيطرة الشرعية، إضافة إلى ميناء الزيت في البريقة بعدن، المنفذ الوحيد للشرعية والتحالف إلى داخل الأراضي اليمنية، الذي كان أيضاً تحت التهديد الناري من الحوثيين وقوات حليفهم حينها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، فضلاً عن جزء من الضالع، وأحياء قليلة جداً في تعز. فيما تقاسم الطرفان محافظة مأرب، بينما كان التحالف الداعم للشرعية يسيطر على المجال الجوي، ويفرض حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً.

يقول العقيد في الجيش اليمني، أبو العز يعقوب البدوي إن المعركة في اليمن لم تكن متكافئة منذ البداية، وكان التفوّق القتالي وفي العتاد وكذلك السيطرة لصالح الحوثيين، بينما الشرعية في الأشهر الأولى كانت تتكبّد خسائر، وفقدت السيطرة على أغلب المناطق التي كانت تحت سيطرتها، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن، وأجزاء من مأرب ولحج، وكل ذلك في الأيام الأربعة الأولى من الحرب.

وكان الحوثيون وقوات صالح، كما تؤكد مصادر عسكرية، يسيطرون عسكرياً على كل الأراضي اليمنية، والمطارات والمعسكرات، والقواعد العسكرية، والمنافذ البحرية والبرية، إضافة إلى القوة المخابراتية والتجسسية، فضلاً عن القوة القتالية والعتاد العسكري، الذي كان يملكه الحوثيون وحليفهم صالح بعد سيطرتهم على كل مقدرات الدولة من مخازن الأسلحة الهائلة والاقتصاد.

أما قوات الشرعية فكانت عبارة عن مواطنين تجمّعوا ضمن صفوف ما عُرف بـ «المقاومة الشعبية»، من دون تدريب أو خبرة، واعتمدوا على الأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية، فضلاً بعض قذائف «آر بي جي»، وكانت عمليات إمدادهم بالذخيرة تتم بواسطة عمليات الإنزال العسكري الجوي، لكن جزءاً من هذا العتاد كان الحوثيون يسيطرون عليه.

ضوء أخضر لتوازن عسكري
بعد فشل حوار جنيف 1، بدا وكأن هناك ضوءاً دولياً للشرعية والتحالف لتحرير بعض المناطق عسكرياً، لخلق توازن في القوى وإرغام الحوثيين وصالح على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فقد اشتد القصف الجوي، وبدأ التحالف حينها يدفع بقوات وآليات عسكرية عبر المنفذ الوحيد في عدن، ويفتح معسكرات تدريب غرب عدن، ويدرب قوات «المقاومة» في السعودية والإمارات والقرن الأفريقي حيث القواعد الإماراتية.

ومنذ ذلك الوقت، بدأت تتغير الخارطة العسكرية لصالح الشرعية والتحالف، فيما مليشيات الحوثيين وصالح تخسر وتتراجع عسكرياً. هذه المرحلة بدأت بتحرير أجزاء واسعة من محافظة الضالع في 25 مايو 2015 قبل السيطرة عليها بشكل كامل بعد فترة. تلا ذلك تحرير عدن في 17 يوليو 2015، ثم تحرير أجزاء من تعز ومأرب. وفي أغسطس من العام نفسه، وبعد أقل من شهرين من فشل جنيف 1، تمكنت الشرعية وبدعم من التحالف من السيطرة على محافظة لحج الاستراتيجية، لا سيما قاعدة العند العسكرية، التي تشرف على مضيق باب المندب.

بعد هذا التقدّم للشرعية، بدأت القوات العسكرية والدعم الكبير من التحالف يصل إلى المحافظات المحررة، بعد تطهير عدد من المنافذ، أهمها موانئ عدن ومطارها، ومنفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، والذي تحوّل في ما بعد إلى أكبر منفذ لإدخال القوات والعتاد إلى المحافظات الشرقية والشرقية الجنوبية، لا سيما محافظة مأرب. في الوقت نفسه، استمرت العمليات لتحرير محافظة أبين، وكذلك باب المندب الذي سيطرته عليه قوات الشرعية في أكتوبر، إضافة إلى تحرير أراضي مديريات عدة في مأرب، لتصبح الشرعية والتحالف يسيطران على ما يعادل ربع مساحة اليمن، من ضمنها أربعة منافذ بحرية، بعد تحرير ميناء شقرة في أبين.

تصعيد بعد الفشل
بعد فشل مؤتمر جنيف 2 الذي عقد في مدينة بيل السويسرية في ديسمبر 2015، شهد الموقف على الأرض تصعيداً، وتمكّنت الشرعية من فتح جبهات جديدة، مع تركيز التحالف على إدارة الملف العسكري من ثلاثة محاور، محور مأرب ومهمته إكمال تحرير مأرب ومحافظة الجوف وشبوة والبيضاء، ومحور عدن لتحرير محافظات لحج وأبين ومضيق باب المندب، والتوجّه لتحرير الساحل الغربي بموانئه ومدنه وجزره، إضافة إلى التلاقي مع محور مأرب في شبوة والبيضاء، ومحور داخل السعودية ومهمته تحرير صعدة وحجة، والالتقاء بمحور مأرب في عمران والجوف، فيما يتم الالتقاء بمحور عدن في الحديدة وحجة.

يشرح قيادي عسكري في الشرعية تفاصيل المعارك حينها، قائلاً إن المقاومة الجنوبية تمكّنت من تحرير منطقة ذباب كأول المناطق المؤدية إلى تحرير الساحل الغربي، وكانت المنطقة الأولى لتأمين مضيق باب المندب. القيادي الذي كان ضمن قيادة المنطقة العسكرية الرابعة السابقة التي حررت ذباب، يوضح أن معركة ذباب الساحلية، «شهدت أشد المواجهات عنفاً وفي الخسائر، لكنها كانت الخطوة الأبرز للانتصارات في الساحل الغربي»، مشيراً إلى أن فشل مشاورات جنيف 2 ساعد الشرعية من خلال ردة فعل التحالف وإصراره على تحرير ذباب، تمهيداً لتحرير ميناء المخا في تعز، المطل على البحر الأحمر.

وأطلقت الشرعية والتحالف عمليات عسكرية كبيرة لتحرير شبوة والجوف وصعدة والمنافذ الحدودية مع السعودية، إضافة إلى بسط السيطرة على المنافذ البحرية في تعز وميدي في حجة، وموانئ شبوة وأبين وحضرموت ولحج والمهرة، ومعظم هذه المناطق تحررت بعد مشاورات جنيف 2، وبسطت الشرعية بدعم التحالف سيطرتها على ما يصل إلى 80 في المائة من مساحة اليمن الكلية. وبقي الوضع على هذه الصورة حتى حوارات الكويت التي عُقدت أواخر أبريل 2016 واستمرت حتى أوائل أغسطس مع توقفها لفترات، ومع تعطّل المفاوضات عادت المواجهات العسكرية على الأرض، ونجحت الشرعية والتحالف بتحرير ميناء المخا ثم التقدّم نحو مدينة الحديدة.

انقلاب الصورة الميدانية
اليوم ومع اقتراب حوار السويد المقرر مطلع الشهر المقبل، باتت الشرعية والتحالف يسيطران على محافظات عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة وحضرموت والمهرة ومأرب والجوف، وأجزاء من صعدة وحجة، وجزء كبير من الحديدة، ومديرية من صنعاء، والجزء الأكبر من تعز. فيما لا يزال الحوثيون يسيطرون على الجزء الأكبر من صنعاء، وأيضاً على أجزاء من صعدة وحجة والحديدة، وبشكل كامل على ذمار وريمة وإب وعمران والمحويت، وعلى ميناء الحديدة والصليف ومطار صنعاء. وبهذا تقترب الشرعية والتحالف من السيطرة على 85 في المائة من مساحة اليمن، مقابل 15 في المائة للحوثيين، نظراً لسيطرة الشرعية على المناطق والمحافظات الكبيرة، إذ تمثّل حضرموت لوحدها ثلث مساحة اليمن.

والملاحظ أنه قبل كل جولة من المفاوضات السابقة، وبعدها، كانت تشتد العمليات العسكرية، مع سعي كل طرف لتحقيق مزيد من الانتصارات لرفع رصيده في المفاوضات، فيما كان يؤدي فشل المشاورات إلى ترجمته على الأرض في صراع عسكري. ففي أول حوار، أفشل الحوثيون محاولة الشرعية والتحالف تحقيق انتصارات على الأرض وسحب ورقة ضغط من يدهم، لكنهم فشلوا في كل الحوارات التي تلت ذلك، ما جعلهم اليوم يستميتون في الدفاع عن آخر المنافذ بيدهم، والمتمثلة في ميناءي الحديدة والصليف في الحديدة، والمطلين على البحر الأحمر.

وفي هذا السياق، يشرح المستشار العسكري في رئاسة الجمهورية اليمنية، اللواء سمير الحاج أنه في بداية الصراع ومع سيطرة الحوثيين على معظم الأراضي اليمنية، كانوا يرفضون الحوار، بل «إن اجتياحهم العسكري للمحافظات كان في الأساس رفضاً لمؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية المدعومة دولياً». ويضيف أنه «بعد عاصفة الحزم وتحرك الجيش الوطني ثم سيطرة قوات الشرعية على كل المحافظات الجنوبية وجزء من محافظات الشمال (مأرب، وجزء من محافظة تعز والبيضاء) وتراجع الحوثيين في الجبهات، وكذلك بعد صدور قرار مجلس الأمن 2216، وافق الحوثيون على الدخول في مشاورات جنيف الأولى والثانية، وكان الهدف من هذين اللقاءين بالنسبة للحوثيين عبارة عن استراحة محارب وإعادة ترتيب أوضاع الجبهات، بعد أن تعرضوا لخسائر كبيرة».

ويشير الحاج إلى أنه في مشاورات الكويت «كان واضحاً أن هدف الحوثيين كسب الوقت وإعادة التموضع، وبالذات في المحافظات الاستراتيجية كالحديدة والساحل الغربي، خصوصاً بعد سقوط مدينة وميناء المخا الاستراتيجي»، متابعاً أنه «في مشاورات جنيف الأخيرة والتي انتهت قبل أن تبدأ، رفض الحوثيون الحضور إلا باشتراطات، لعل أهمها إيقاف معركة الحديدة، الشريان الرئيس لنهب الأموال وتهريب السلاح لهم، إضافة إلى رغبتهم بتسفير مجموعة من الجرحى يُعتقد أن بعضهم أجانب، وإيرانيون على وجه التحديد، بطائرة الأمم المتحدة، وعندما لم تتم الاستجابة لذلك رفضوا الحضور».

وبخصوص المشاورات المقرر عقدها في السويد الشهر المقبل، يقول الحاج «إنها تأتي في توقيت حرج بالنسبة للحوثيين نظراً لتضعضع موقفهم العسكري بعد وصول القوات الحكومية إلى وسط مدينة الحديدة، والانهيارات الكبيرة التي تعرضوا لها في محافظات هامة مثل صعدة، المركز السياسي والروحي للجماعة، والبيضاء والضالع، مما يجعلهم يستنجدون ببعض المتعاطفين معهم من دول الإقليم والعالم لإيقاف معركة الحديدة وإطلاق النار في كل الجبهات، وهذا تغيير جوهري بالنسبة لهم، إذ إنهم في كل المحطات السابقة أظهروا أنهم لا يؤمنون إلا بلغة السلاح وفرض الأمر الواقع».

ويؤكد الحاج أنه منذ جنيف 1 وحتى اليوم، حصلت تغيرات عسكرية كثيرة و «كانت كلها في صالح القوات الحكومية وبإسناد من قوات التحالف العربي، مما بدّل المعادلة على الأرض»، متوقعاً أن ذلك «هو ما سيدفع الحوثيين لحضور مؤتمر السويد، والذي لم تتضح معالمه حتى اليوم على الرغم من كثرة المبادرات».

قبيل أيام من حوار السويد، يُلاحظ أن الشرعية التي لم تكن تسيطر سوى على منفذ واحد في جنيف 1، باتت اليوم تسيطر على معظم منافذ البلاد، فيما فَقَد الحوثيون هذه المنافذ ولم يعودوا يسيطرون إلا منفذ بحري واحد. إضافة إلى ذلك، فإن الشرعية باتت تمتلك جيشاً كبيراً ومدرباً، وعتاداً حديثاً، بينما يعاني الحوثيون من تقهقر قواتهم وخسارة عتادهم، وهو الموقف الذي كانت الشرعية عليه مع بداية الحرب.
عن (العربي الجديد)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى