صنّاع الفخّار في اليمن يهجرون مهنتهم

> «الأيام» عن "العرب"

>
يشتهر اليمن كغيره من الدول العربية الأخرى بالكثير من الصناعات الحرفية اليدوية، ومن هذه الحِرف صناعة الفخار والخزف، وارتبط استمرار هذه الحِرف والصناعات وازدهارها بالطلب عليها حتى أواخر القرن الماضي، وبداية الألفية الجديدة، حيث بدأ الطلب على الأواني الفخارية يقل نتيجة مزاحمتها ومنافستها بالأواني المعدنية والبلاستيكية والزجاجية المصنّعة، إلى أن كسدت صناعتها وتجارتها بعد أن أغلقت منافذ التوزيع، وتوقف السُيّاح عن زيارة البلاد.

يجد صانع فخار يمني صعوبة في تدبير ومواكبة متطلبات الحياة اليومية بعد أربع سنوات من الحرب، ويقول إن المهنة التي قضى 40 عاماً من عمره في الاشتغال بها تواجه الآن صعوبات بالغة، لكن حسب قوله، ليس له أي بديل عنها.
يدير علي حسن مرعي، البالغ من العمر 60 عاماً، ورشة لصناعة الفخّار، وهي مهنة توارثتها العائلة جيلاً بعد جيل على مدار 50 عاماً، لكنه يقول: “إن هذا العمل لم يعد كافياً لتغطية النفقات ومتطلبات الحياة الأساسية”.

ويقول مرعي: “أشتغل في هذه المهنة منذ سنوات طويلة، لكنني لا أدّخر منها أي شيء، فنحن نشتغل فيها من أجل تأمين لقمة العيش التي تنحصر في الأكل والشرب لا أكثر”، مؤكداً أن حاله لا يختلف عن حال بقية حرفييّ الفخار في كل اليمن.

وحسب قول المؤرخ اليمني عبدالمغيث الأهدل، فإن الفخار حرفة تاريخية في اليمن كانت تحظى بشعبية في المدن، وحتى في الجبال. وبحسب الاكتشافات الأثرية، تعود البدايات الأولى لصناعة الفخار في اليمن إلى حوالي 2600 سنة.

حرفيّو المهنة يغادرون إلى أعمال أخرى
ومن أهم الأماكن والمواقع التي تشتهر بصناعة الفخار في اليمن منطقة تهامة وزبيد والجراحي وبيت الفقيه تليها عتمة ووصابين وريمة ومنطقة الحُجرية، والعديد من المناطق في صنعاء وحضرموت.. وغيرها، حيث حافظت هذه المناطق على صناعة الفخار بأنماطها التقليدية وألوانها المتعددة والزاهية. وتدخل في صناعة الفخار في اليمن، عدة مواد طبيعية، أهمها الطين اللبني، الذي يوجد على شكل خيوط حمراء في باطن الأرض والجبال ويطلق عليه اسم التراب الأحمر.

ولنجاح صناعة الفخار يقوم الحِرفي المختص، أولاً باختيار نوعية التراب ومزجه بالماء وإعداد مقدار معين من الطين اللبني، ثم يأتي دور الحرفي الخبير بتشكيل الطين إلى عدة تحف مختلفة الأغراض والأحجام، وتجفف في ضوء الشمس قبل وضعها في أفران تقليدية توقد النار فيها لفترات محددة، ثم يقوم الحرفي بعد ذلك باختيار الأدوات المصنوعة ومدى صلاحيتها للاستخدام، ويختلف الوقت الذي تتم فيه صناعة المنتجات الفخارية، حسب نوعية كل شكل وحجمه والغرض من صناعته.


وقال الأهدل: “اشتهر اليمن بهذه الصناعات الفخارية سواءً في السهول أو الجبال، وما زال الحرفيون يحافظون عليها حتى أدخلوا عليها تنظيمات حديثة، وأدخلوا لها حنفيات الزير، ويسمى باللغة العامية “بلبلة” وباللغة العربية الزير، وأدخلوا عليها حرفيات وطلاء وزينة وزخرفة”.

وينتج حرفيّو الفخار الأزيار؛ وهي جرار مختلفة الأحجام تستخدم لحفظ المياه وتبريدها، وتستعمل أيضا لتخزين التمور وحفظها لفترات طويلة، كما يصنعون المحاميص التي تستخدم لتحميص البن الذي اشتهر به اليمن، إضافة إلى فناجين القهوة من الخزف، ولا يزال استخدامها إلى اليوم في مناطق البادية.

وتشمل حرفة الفخار أيضاً إنتاج طويس الماء؛ وهي كؤوس واسعة من الأعلى تضيق تدريجياً حتى تصير بحجم قبضة اليد، ويسهل إمساكها والشرب بواسطتها، كما توسع الحرفيون في إنتاج أوعية المصاحف المكتوبة باليد، وهي أشبه ما تكون الآن بالأدراج.

وهناك مصنوعات خزفية أخرى تم الاستغناء عنها تماماً مثل؛ الملخة والكعدة والمصب وألعاب التراث وكؤوس الماء والخيش الخزفي، الذي لا تزال بقاياه إلى اليوم على سطوح بعض المنازل وغير ذلك.
وعلى الرغم من هذه التشكيلة الواسعة من المنتجات الفخارية وخاصة القُدور والصحون، يقول الحرفيون اليوم: “إنه رغم تميز وصحية الطبخ بالأواني الفخارية إلا أن الذين يقبلون على الطبخ بتلك الأواني قليلون جداً، خاصة بعد تطور الصناعة وظهور أصناف مختلفة من الأواني البلاستيكية والمعدنية، وقليلون جداً ما زالوا يحافظون عليها، ولهذا فسوق الأواني الفخارية في تراجع مستمر، ومن النادر من يأتي لشرائها خاصة بعد غياب السياح الذين كانوا مولعين بهذه التحف الفخارية”.

ويقول الحرفي نعمان غالب: “الحقيقة أن الكثير من العاملين في صناعة الفخار في اليمن قد تخلوا عن عملهم وانصرفوا إلى أعمال أخرى نتيجة لتراجع الطلب على الفخار والخزف، ولم يبقَ في هذه المهنة سوى القليل من الصُنّاع، الذين لو توافرت لهم الظروف لاشتغلوا بأعمال أخرى، وحتى أولئك الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة انحصرت أعمالهم في نماذج محدودة للغاية؛ فمثلاً الزير المصنوع من الفخار لم يعد له وجود اليوم، لأن الناس أصبحوا يخزنون المياه في أوعية أخرى مثل البراميل الحديدية أو البلاستيكية والمعدنية، وكذلك الكوز الذي كان على الدوام الوعاء المفضل للاحتفاظ بمياه الشرب باردة، لم يعد له اليوم أي حضور، لأن الناس أصبحوا يستخدمون بدلاً عنه الثلاجات أو الأوعية البلاستيكية والزجاجية الأخرى التي تؤدي الغرض ذاته”.

أفران الخبز المعروفة باللهجة اليمنية الشعبية بـ “الصغن” أو “الصاغة”، لم يعد هناك من يقتنيها اليوم، بسبب انتشار التنور المعدني، وساعد على انتشاره في كل البيوت اليمنية استخدامه للغاز بدلاً من الحطب، وهذا وفّر الجهد والوقت للمرأة في المدينة والريف على حد السواء.

ويقول حسين المولى، أحد بائعي الفخار: “إن التوسّع باستخدام الفرن الغازي في المدينة والريف قد قلّص من بيع الفرن المصنوع من الفخار، والذي يستخدم بواسطة الفحم لإنتاج الخبز أو طهي بعض المأكولات التي يكون لها طعمها المميز والشهي جدا”.

وفي السوق يشكو اليوم عدد من باعة الأواني الفخارية من تراجع مبيعاتهم نتيجة استيراد السلع الصناعية البديلة النحاسية منها والبلاستيكية، فالأدوات المنزلية الفخارية المستخدمة لشرب القهوة والشاي وأواني الطهي والخاصة بحفظ الماء، تقابلها اليوم سلع مستوردة ورخيصة الثمن، رغم تأكيدات اختصاصيي التغذية على أن الطبخ في الأواني الفخارية صحي جداً، ولا يشكّل خطراً كما هي الحال مع الأواني المعدنية الجديدة.

بحسب تجار الفخار، إن المهنة لم تعد مربحة، حيث لا يتجاوز سعر الإناء 3 آلاف ريال (12 دولاراً)، فضلاً عن تكاليف الإنتاج المتزايدة بسبب القيود التي فرضتها الحرب على أسعار المياه والصلصال، وهما مكونان رئيسيان في هذه الحرفة.
قال محمد شوعي: “هذه المهنة تأثرت بشكل كامل بعد أن أغلِقت كل المنافذ للتوزيع وجلب الطين، بالإضافة إلى غلاء الحطب ونزوح أصحاب المهن التقليدية، أما السوق المحلية فأسعارها لا تكفي لتغطية نفقات المُنتج”.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى