قصة قصيدة: عيون المها

> محمد حسين الدباء

>
محمد الدباء
محمد الدباء
علي بن الجهم كان بدوياً فظاً جافاً قاسياً أثرت فيه البادية كثيراً.. فقيل إنه أنشد الخليفة المتوكل قصيدة جاء فيها:
أنت كالكلب في حفظك للود
وكالتيس في قراع الخطوبِ
أنت كالدلو، لا عدمناك دلوا
من كبار الدلا، كبيرَ الذنوبِ

فكاد من في مجلس المتوكل أن بطشوا به، لكن المتوكل كان حليماً ولم يستغرب قول الجهم البدوي الفصيح الصريح، فقد فطن إلى براءة مقصده، ورقة إحساسه، وصدق مشاعره، وخشونة لفظه، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة بها بستان فسيح، ومنظر بهيج، ومأكل حسن، وفراش وثير، فأقام على ذلك مدة ثم جاء إلى الخليفة لينشد بين يديه قصيدة يقول مطلعها:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

فصاح المتوكل: انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة.

وتعد هذه القصيدة من بين أجمل النصوص الشعرية التي نظمها علي بن الجهم، استهلها بالنسيب على العادة التقليدية المتبعة، ثم لمح إلى محاسن ومباهج مدينة بغداد، وبداعة بساتينها، وجمال عيون حسانها، ثم خلص إلى مدح الخليفة.
نص مختار من القصيدة:
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن

سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
تُشَكُ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ

وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ وَلا

وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري
وَما أَنا مِمَّن سارَ بِالشِعرِ ذِكرُهُ
وَلكِنَّ أَشعاري يُسَيِّرُها ذِكري

وَما الشِعرُ مِمّا أَستَظِلّ بِظِلِّهِ
وَلا زادَني قَدراً وَلا حَطَّ مِن قَدري
وَما كُلُّ مَن قادَ الجِيادَ يَسوسُها

وَلا كُلّ مَن أَجرى يُقالُ لَهُ مُجري
وَلكِنَّ إِحسانَ الخَليفَةِ جَعفَرٍ
دَعاني إِلى ما قُلتُ فيهِ مِنَ الشِعرِ

فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ
وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ وَالبَحرِ
وَما غايَةُ المُثني عَلَيهِ لَو أَنَّهُ زُهَيرٌ

وَأَعشى وَاِمرُؤُ القَيسِ من حُجرِ
إِذا نَحنُ شَبَّهناهُ بِالبَدرِ طالِعاً
وَبِالشَمسِ قالوا حُقَّ لِلشَمسِ وَالبَدرِ

وَمَن قالَ إِنَّ البَحرَ وَالقَطرَ أَشبَها
نَداهُ فَقَد أَثنى عَلى البَحرِ وَالقَطرِ
وَلَو قُرِنَت بِالبَحرِ سَبعَةُ أَبحُرٍ
لَما بَلَغَت جَدوى أَنامِلِهِ العَشرِ


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى