“كم فيك يا بلادنا من المضحكات المبكيات” كما قال أحد الشاعر.. فنحن نلاحظ عن كثب كيف يتمثل العرف السياسي في البلد في انقسام الجنوبيين بين مؤيدين للحكومات ومعارضين لها، وكأن حالة المعارضة هي حالة مطلقة ودائمة وكذلك حالة التأييد، فمعظم المعارضين يضعون أنفسهم في الخندق المناهض للحكومة مهما كانت ومهما اتخذت من قرارات، بينما يساند معظم المؤيدين كل الحكومات مهما كانت ومهما اتخذت من قرارات.
هذا العرف ترسخ في عقول الناس لدرجة أنهم أصبحوا ينظرون باستغراب لمن ينتقل من صفوف المعارضة إلى صفوف المؤيدين ويتهمونه في الغالب بتغيير جلده من أجل تحقيق مصلحة ما، في حين يواجه من يُنقل من صفوف المؤيدين إلى
المعارضة بقدر أكبر من الاستغراب والتشكيك، وهذه الحالة تعبر عن فقر سياسي وتفقد العمل السياسي قيمته ومعناه، فلمصلحة من نؤيد الحكومة عندما تخطئ أو نعارضها عندما تصيب؟
اليمنيون في جنوب اليمن وشماله متفقون حول الثوابت التي لا يسمح لأي كان أن يتجاوزها مهما كانت الظروف، والمجتمع اليمني ينبذ كل من يتجاوز، بقصد أو بغير قصد، أياً من هذه الثوابت ويخرجه من المعادلة السياسية بشكل تلقائي، وفيما عدا ذلك فلا بأس من الاختلاف طالما أن الهدف هو مصلحة الوطن وطالما أن المعارضة (إن وجدت حالياً في ظل هذه الظروف الصعبة التي أوجدتها حرب الانقلاب الحوثي) تتم بالطرق الدستورية وضمن أجندات وطنية، بل إننا نأخذ على الكثير من المسئولين السابقين صمتهم إزاء مواطن الخلل ودفاعهم أحياناً عن سياسات أو قرارات خاطئة لمجرد الشعور بالمسؤولية الدائمة عن الدفاع عن كل الحكومات، لأننا نرى في ذلك تهميشاً ذاتياً لشريحة مهمة من أبناء هذا الوطن هي بكل تأكيد الأكثر دراية وخبرة وأهلية لتوجيه النقد البناء الذي يساهم في تصويب المسيرة وإثراء العمل السياسي.
نحن اليوم في أشد الحاجة إلى مشاركة الجميع في تحمل المسؤولية، وهذا يتطلب من المعارضين والمؤيدين على حد سواء التفاعل مع كل ما يطرح من برامج وسياسات، بموضوعية وبتجرد من أي التزام سياسي أو أخلاقي أو وظيفي.