«عيدة».. قصة كفاح امرة حُديدية كسرت قيود العادات العُرفية

> تقرير/ خاص:

> تناضل عيدة، وهي مواطنة حُديدية، الظروف المعيشية الصعبة بمكنستها لمجابهة أوضاع الحرب، حتى لا يجوع أطفالها الخمسة، على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل الأهل والمجتمع كما تقول.
سجلت هذه المحافظة أعداداً صادمة للطفال الذين هم تحت خط الفقر قبل الحرب، أما بعدها فأصبحوا يموتون جوعاً.

وفي الوقت الذي تصحو فيه المعلمة للذهاب إلى مدرستها والطبيبة إلى المستشفى والموظفة إلى مقر عملها والأم لتجهيز فطور زوجها وأطفالها، تغادر عيدة هي الأخرى منزلها صوب القمائم المكدسة في أرصفة الشوارع والمتناثرة بالأحياء والأزقة لجمعها وتنظيف تلك الأماكن من مخلفاتها.
يقع منزل عيدة في حي شعبي فقير بعيد عن الساحل ورائحة الأسماك، وحدها أشجار المُريمرة سيدة المنظر، وهي الشجرة التي يفضلها سكان الحارات الشعبية، حيث تغرس بكثرة في الأحواش الترابية التي تغطيها بظلالها.
حوش منزل "عيدة"
حوش منزل "عيدة"

ولا يختلف منزلها كثيراً عن بقية منازل الحي، فهو عبارة عن حائط من الصفيح قد علاه الصدى وبوابة خشبية مرقعة بالكثير من القطع الخشبية جمعتها من قمائم المدينة، وسط ساحته الترابية غرفة من الخشب، بجانبها نصف مطبخ من الصفيح مركن بأحد زوايا الحوش وبمقربة منه شبه حمام.
وعلى الرغم من صغر مساحة الغرفة إلا أنها تتسع لعيدة وأطفالها، تعيش فيه بسعادة يفتقدها الكثير من الأغنياء.

عمل اضطراري
تغادر عيدة منزلها كل صباح حاملة مكنستها وزنبيل كبير يتسع لكثير من القمائم تستمر في عملها حتى الظهر ومن ثم تعود مرة أخرى بعد كل عصر.
تقول في حديثها لـ«الأيام» إنها خرجت مضطرة للعمل بعد أن تخلى زوجها عن مسؤوليته في رعايتها وأبنائها، وتمكنت من الحصول على وظيفة في صندوق النظافة والتحسين في المدينة ضمن مجموعة من النساء اللاتي يعملن في تنظيف الشارع.

ومن خلال الراتب الذي تتقاضاه، والذي لا يتجاوز الـ 20 ألفاً، استطاعت أن توفير الاحتياجات الأساسية لأسرتها.
وتضيف: "كنت وحيدة بعد أن تخلى زوجي عنا، وعانيت من قسوة الحياة وكذا المجتمع، وهذه الظروف هي التي دفعتني للخروج والبحث عن عمل.

لم تتقبل أسرة عيدة عملها في النظافة والتحسين، كذا المجتمع لم يقبل هذا العمل للمرأة غير أنها وأخواتها أثبتن أن العمل ليس عيباً في سبيل توفير لقمة العيش.
تقول: "أغلب أهلي ومن في الحارة يشمتون بي.. نسوا أنني كنت وأطفالي ننام بدون عشاء وهم شابعين لحد التخمة.. أنا أكافح بشرف من أجل أن لا يجوع أطفالي.. وحالياً خروجي للعمل تحسنت أوضاع بيتي والحمد لله".

وفي الوقت الذي تذهب فيه للعمل يتوجه أطفالها: خالد، وسامي، وأحمد، وشيماء إلى تلقي تعليمهم في الصفوف الابتدائية، فيما خديجة ابنتها البكر (20 عاماً) لم تتمكن من مواصلة تعليمها الجامعي بسبب تدني الظروف المادية للأسرة، ولكنها تعمل على مساعدة والدتها في عمل البيت وتدريس أشقائها وحل واجباتهم.
وتؤكد خديجة في حديثها لـ«الأيام» أن أسرتها لم تتحصل على أي من المعونات الإغاثية كغيرهم من أهل الحي.

وتضيف: "الروتي الواحد بعشرين ريالاً والحبة البيض بسبعين ريالاً، كم بتكون العشرين الألف التي تتحصل عليها الوالدة نهاية كل الشهر؟".

لم تستسلم
حنان المقطري تسكن في حي قريب لمنزل عايدة، أكدت بأن الشارع زاد جمالاً بوجود المرأة إلى جانب الرجل في عمل نظافة في المدينة.
ووصفت المقطري عايدة بالمرأة القوية، لعدم استسلامها للعادات والتقاليد والانتظار لشفقة وعون الآخرين لها ولأبنائها.

صديقتها عائشة، والتي ظلت طويلاً تتلقى ضرباً مبرحاً من زوجها لمشاهدته إياها بالصدفة بمعية عايدة وأخريات ينظفن أحد الشوارع، عانت كثيراً وذاقت الجوع والحرمان هي وأطفالها بسبب عدم اهتمام زوجها بها وأطفالها، وإنفاقه المبالغ المالية في شراء القات وغيابه لأيام طويلة بعيداً عن أسرته.
تقول في حديثها لـ«الأيام»: "زوجي منعني من الذهاب للعمل تحت مبرر بيقول الناس إنه زوجته تنظف الشوارع، وعندما طالبت منه بمصاريف لأولاده أجاب: يأكلون تراب".

عائشة (عشرينية) تزوجت وهي في الرابعة عشرة من عمرها بعد تعرض والدها لجلطة دماغية عجز بسببها عن تحمل مسؤوليتها.

قصة نضال
"وراء كل امرأة عاملة نظافة وقصة نضال" هذا ما قاله د. منصور القدسي لـ «الأيام».
ويرى القدسي، وهو أكاديمي في جامعة الحديدة، أن خروج المرأة للعمل في هذا الجانب يعد جديداً على الشارع اليمني المحافظ، وفي نفس الوقت يعد تحدياً كبيراً لمحاربة الفقر ودليلاً على رغبة المرأة في العمل وتحسين دخل أسرتها.

ويؤكد ناشطون أن وجود المرأة في هذا المجال يدل على رغبتها في مشاركة الرجل في بناء المجتمع وخدمة الوطن.

عمل في وضع صعب
العمل في نظافة الشارع وتجميع النفايات من أزقة الحارات في مدينة ساحلية شديدة الحرارة أصعب بكثير من العمل في منطقة تتمتع بطقس بارد.
تعمل عيدة وغيرها من النساء في ظروف استثنائية، حرب وانقطاع مرتبات، ناهيك عن التخريب الذي تشهده شوارع المدينة جراء الحفريات والحواجز الترابية.

تعمل عيدة مقابل نصف راتب ولا تشارك في أي إضرابات من هذا تقول: "الشارع بيتي الآخر ونظافته واجبة ومهمة، وأي وقفة احتجاجية سأشارك فيها لكن الإضراب مشكلة تضر المواطن بدرجة رئيسة".
تقول عيدة عن مهنتها: "العمل في الصيف متعب، وملابسي من شدة الحرارة تهترئ وجلدي تكسوه تقرحات وحتى رائحة النفايات وغبار الأتربة تسببت لي بأمراض في جهازي التنفسي، مؤكدة في السياق ذاته أن عمال النظافة أكثر شريحة في المجتمع مهضومة الحقوق والأكثر ولاءً وخدمةً للوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى