الثائر «علي عُبيد ذي حران».. قصّة بطل اختزلت الكثير من مظاهر النضال

> سطَّر ملاحمَ بطولية غايةً في الشجاعة والإقدام

>
تقرير/ شايف محمد الحدي
كان يطلق عليه مرجعية الثورة الجنوبية
مع اقترابِ الذِّكرى الـ 52 ليومِ الجلاءِ الوطني الـ 30 من نوفمبر عام 1967م، الذي شَهِدَ أروع ملاحم البطولة والفداء، لإعادة العزَّة والكرامة للشَّعب الجنوبي، الذي لم يَحنِ يوماً هامَتَهُ ولم يسقط سيفُه في مُقارَعَة المُستعمر البريطاني. يَطِيبُ لي في هذا المَقام أن أَتَحَدَّثَ عن شخصيَّةِ الثَّائِر والبطل القومي، علي عُبيد محمد ذي حران، أحد صَناديد الثَّورة الجَنوبيَّة، وبِمُنَاسَبة قدوم أربعينيَّة رحيلهِ التي تُصَادف يوم الخميس القادم 21 نوفمبر، والذي من الصَّعب أن يَجود الزَّمن بثائرٍ مثله، فهو أُسطُورةٌ خالدةٌ لا يُمحى تاريخُه أبداً ولن تَطَالُه أحرف النِّسيَان، ولن يمحى من ذاكرة شَعبِهِ، بعد مُحطَّاتٍ متتابعةٍ من النِّضَال والكِفَاح المُسَلَّح ضدّ المُستعمر البريطاني.

«الأيام»، وكعادتها وثَّقَت شيئاً من صَفَحَاتِ الرَّاحل علي عبيد الذي اختار خطَّ الثَّورة والنِّضال مُنذُ نُعُومَة أَضَفارِه، وكان ممن يَزدَادون لمعاناً وبريقاً في ساحات النِّضال، ولم تتغير مواقفُهُ ومبادئُه الثَّوريَّة قيد أُنمُلَة، وترجَّل عن صَهوة جوادِهِ عن عمرٍ ناهز الـ 92 عاماً، ولِمَكانة الفقيد المناضل، لاقَى رحيلَهُ أصداءً شعبيةً ووطنيةً وسياسيةً كبيرةً.
وهكذا رحل عَلماً من أعلام الثورة السبتمبرية والأكتَوبرية بعد أن تركَ بَصَماتٍ ثابتةٍ ولَعِبَ دوراً فعَّالاً وكانت له صَولاتٍ وجولاتٍ في مَيَادين العِزَّةِ والشَّرفِ والبطولةِ تَمَيَّزَت مَسيرتُه بمراحلِ نضالٍ جمهوري في الشَّمَال وكفاحٍ مسلّحٍ في الجنوب.

النشأة والبداية النضاليَّة..
وُلِدَ الفقيدُ علي عبيد محمد عبدالله في بَلدةِ ذي حران 8 كيلو مترات شمالي مدينة الضالع، في شهر مارس من العام 1927م، لأسرةٍ مَيسورةِ الحال، بَدَأَ حياتَهُ العَسكريَّة جُنديَّاً في الجيش العربي إلى أن تَبَوَّأَ قائدَ فرقةِ الحرس الأميري في إمارةِ الضَّالع، رَفَضَ أن يُؤَدِّي التَّحِيَّة العسكرية لثلاثةٍ من الضُّبَّاطِ الإنجليز في أحد العُرُوض العسكرية، وخَرَجَ إلى مدينة قَعطبة مع مجموعةٍ من زُمَلائِه وهو في رَيَعَان شبابِهِ ولم تَتَغيَّر مواقفُهُ ومبادئُه الثَّورية قيدَ أُنمُلَة، شاركَ الثُّوَّارَ كلَّ المَعَارك في الدِّفاع عن الوطن، وكان من الرَّعِيل الأول الذين فَجَّروا ثورة 1956م، والتي استمرت لِعَامين قبلَ أن يتمَّ إجهاضها، ومع بداية الستينيَّات التحق بالجيش الجمهوري، عند قيام ثورة سبتمبر وتم ابتعاثه إلى جمهورية مصر العربية ضمن الدفعة الأولى وألتحق بالكلية الحربية المصرية وتخرج برتبة ضابط، وكان ممن فجّروا ثورة الرابع عشر من أكتوبر من على جبال ردفان الشماء بعد عودته مع الكثير من المناضلين من شمال الوطن، وهو من الشخصيَّات التي كان لها بصمات في النضال الجنوبيّ وعُرف بكونه العقل المدبرّ لأهمّ العمليّات التي نفّذتها المقاومة، وكان المرجع للثوّار في جبهات القتال في ردفان والضالع بحكم سنه ورجاحة عقله، وأشرف على تأسيس مراكز التدريب، وقد عمل على نقل السلاح للثوّار عبر القيادة العربية المصرية في تعز، بعد محطات متتابعة من النضال والكفاح المسلّح، انجز فيها الكثير من العمليات العسكريَّة.

ومن المآثر الخالدة التي يتذكرها رفاقه في السلاح أنه كان ينام في الكهوف الجبلية ويقضي النهار في تدريب وتجهيز وإعداد المقاتلين وتنظيم الخلايا المسلّحة ويفضل العيش خلف الأضواء، وكانت للفقيد قيَم وخصال إنسانية وأخلاقية وقبلية من وفاء وتسامح وكرم وإصلاح ذات البين، وكان أباً وأخاً للجميع وابناً باراً للوطن، عاش بطلاً وتوفي بطلاً.

قائد صلب عركته الأيام
إنَّ من يقرأ التاريخ يدرك أن هناك قامات ورموز وأبطال يقفون وراء أحداث عظام ومفارقات جسام حملوا هم وطنهم وابتعدوا عن أيِّ مناصب قيادية، تاركين المجال لزملائهم الآخرين، والراحل علي عبيد محمد، كان واحداً من هؤلاء، حيث تدثرت ملامحه الوادعة بين ثناياها وهي تحكي قصّة بطلاً اختزلت حكاية ثائر مقاوم على ثرى أرضه، شارك الثوّار كل معاركهم بفدائية وشجاعة منقطعة النظير وضرب أروع ضروب الشجاعة في مختلف جبهات القتال ضد المستعمر البريطاني وبرز كأحد القيادات العسكرية، وطوال حياته حتى توفاه الأجل لم يُلاقِ الراحل التكريم اللائق، رغم أنه كان رمزاً للنضال والوطنية وقائداً عسكرياً ذا نظرة بعيدة، وكانت لديه كل سمات القائد الميداني المتكامل، وهو لا يقل شأناً عن قيادة الثورة الذين كانوا معه في نفس المسار، وكان الراحل شخصية قيادية محنكة ورجل شجاع وعسكري مقاتل، وقد تنكر له الكثير من رفاق السلاح الذين كانوا معه في خندق واحد وكان يحمل عشية الاستقلال الوطني رتبة عسكرية (نقيب) قبل أن يرحل إلى شمال الوطن ويستقر مدة من الزمن هناك.

إنَّ كتابة سيرة الراحل النضاليَّة تُعَدّ ضرباً من المستحيل، لأن جميع كلمات المدح والثناء والشكر والتقدير تقف عاجزة أمام شجاعة وبطولة ورجولة وعنفوان هذا الفدائي في جميع محطاته النضالية التي حفرت في تاريخ كفاح شعبه.

مآثر بطولية
لقد كان للبطل مسيرة عطاء لا تنضب، حمل رأيه المقاومة والنضال والكفاح عن قناعة وإيمان راسخ وقوي، وبرحيله ترك فراغاً من الصعب أن يملأه غيره، وحتى لا تبقى سيرته طي النسيان، فإن كتابة تاريخه هو أفضل تحية نقدمها لهذا البطل الذي كرّس حياته في خدمةً قضايا وطنه، وستبقى ذكراه حاضرة في وجداننا، فهو من دافع عن عدالة القضية والهُوية.

إنَّ سجل الأبطال الخالدين لا يمحى أبداً ولن تطالَ من أحرُفِ النِّسيَانِ ولن يُمحَى من ذاكرة الشُّعُوب، وسوف تُشَكِّل سيرتُهم العَطِرَة ومواقفُهم النِّضَاليَّة والكِفَاحيَّة مَكتَبَةً ضخمةً، وسوف تستقطِب بطولاتُهم اهتمامَ المُؤَرِّخين والقادةَ العسكريين وسوف تُدَرَّس نظرياتُهم النِّضاليّة في الأكاديميات العسكرية، فالحديث عن الفقيد علي عُبيد ذي حران، ومآثره التي اجترحها معناها الحديث عن العَظَمة والبطولة في أبرز تجلياتها فهو قائدٌ من الصعب أن يجود الزمن بمثلِهِ وسيظل أُسطُورةً خالدةً في ذاكرة التاريخ.

قائد لم تتغير مبادئه الثورية
يزخرُ التَّاريخ الجنوبي بالشخصيات النضَالية التي تركت بصمات كبيرةً في مسيرتها، حيثُ إن كفاح شعب الجنوب يختزل بين طياتِهِ نضالاً طويلاً لا يمكن قراءته دون الحديث عن الذاكرة المُتَعلقة بمرجعية الثورة الجنوبية ورُبان السفينة الراحل علي عُبيد ذي حران، الذي عُرِفَ بكونه العقل المدبِّر لأهم العمليّات التي نفَّذَها القطاع الفدائي بجيش التحرير، وهو من الشخصيات التي كان لها بصماتٍ في النضال الجنوبيّ.

هذا القائد الوطني الكبير تَشَبع فكرُهُ بالنضال مبكراً، حيثُ كان الرَّاحل بطلاً لمسيرة عطاء لا تنضب حَمَل رأية المقاومة والنضال والكفاح عن قناعةٍ وإيمانٍ راسخٍ قوي.
وعلينا اليوم أن نستذكر بفخرٍ وإجلالٍ رجالاً أبطالاً منهم فقيدنا الكبير، علي عبيد ذي حران، الذي كان عَلَمَاً من أعلام النضال الجنوبي، حيث كان بين صفوف إخوانه جُندياً باسلاً، لا يقنع بقيادة المعركة إلَّا من وسط ميدانها، يُشرف على سير المعركة ومُجرياتها حتى اكتسب الخبرات الميدانية التي تراكمت لديه من تجربة الكفاح المسلّح.

عظماء في شعوبهم
في تاريخ الشعوب أيام خالدةٌ محفورةٌ في أعماق التاريخ، ومُكتَنَزَةٌ في ذاكرة الأجيال، وإذ نعيد شريطَ الذِّكريات لبطولاتِ أولئك الأبطال الذين خَطَّوا بكفاحهم صَفَحَاتَ مُضِيئة في تاريخنا، فإننا نستذكر فقيدَنا الكبير الذي كان عَلَمَاً من أعلام الكفاح المُسَلَّح، وشاركَ في كل مَعارك الدِّفاع عن الثورة، حيثُ تَصغُر الكلمات أمام تضحيات الراحل فقد اجتمعت فيه كل معاني البُطولة والتَّضحية والفداء.

إنَّ الأحداث العظيمة المحفورة في صدر التاريخ القومي لا يصنعها إلَّا الأبطال، فقد شارك المناضل الوطني، علي عُبيد ذي حران، في معارك الدفاع عن ثورة 14 أكتوبر المجيدة، وتحولت جبهات الضالع وردفان إلى شُعلة من النَّضال وانفجرت في جبالها وشعابها ووديانها الشراراتُ الأولى ضدّ المُستعمر البريطاني، وكانت له مُحطاتٍ نضاليةٍ أفضت إلى الاستقلال الوطني، كما أن التاريخ المطرزة حروفُه بالدَّم الأحمر لا يكتبه إلا الأبطال الذين كانت لهم بصماتٍ نضالية، فقد هبَّ الراحل مع أبناءِ الجنوب لفكِّ الحصار عن صنعاء وسطَّروا ملاحمَ بطوليةٍ غايةً في الشَّجاعة والإقدام.

وقفات من مآثره الخالدة
للراحل القائد، علي عبيد ذي حران، معارك بطولية ومواقف نضالية كتبت في سجّلات التاريخ، حيث يقول في إحدى مذكراته: «من إجماليّ المعارك التي خُضناها ضدّ المستعمر البريطاني، هي إحدى العمليات الفدائية في الضالع التي قمتُ بتنفيذها بمعية الشهيد البطل علي بن علي هادي ومجموعة من الفدائيين على مركز الوقاية البريطاني في منطقة الدِّمنة أسفل نقيل الخُرَيبة، حيث إننا أثناء عملية التَّسلُّل للموقع وأثناء استشعار العدوّ لاقتحامنا للموقع أطلقوا علينا النار وباشرناهم برمي القنابل اليدوية على دِشَم تمركزهم وتعرضتُ لشظية بقدمي فقتلنا سبعة جنود إنجليز واقتحمنا الموقع واستولينا على أسلحتهم ما عدا جندياً فر هارباً».

وفي مذكرة أخرى يقول: «شاركتُ مع علي عنتر وعلي بن علي هادي والعديد من الثوار بالهجوم على مقر الضابط البريطاني في مطار الوعرة في ذروة العمل النضاليّ وكانت عملية فدائية ناجحة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الجنود البريطانيين وكانت لنا، أيضاً، الكثير من العمليات الفدائية في قطاعات الضالع وردفان وعدن ضدّ المستعمر البريطاني، قمنا بتنفيذها مع العديد من القيادات والثوّار في جبهتَي التحرير والقومية بالرغم من اختلافنا سياسياً في المراحل الأخيرة من عمرِ الثورة..».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى