مراقبون إسرائيليون: نتنياهو يفاخر بمنجزات الحرب لكن الحقيقة على الأرض مختلفة

> «الأيام» القدس العربي:

> بمناسبة مرور شهر على عملية “طوفان الأقصى”، استذكرت إسرائيل ضحاياها، وشهدت فعاليات اجتماعية مكرسة للأسرى والمخطوفين المحتجزين داخل قطاع غزة، فيما يؤكد قادتها بأن الحرب مستمرة، وأن الهدنة غير واردة قبل استعادتهم أولاً، وذلك رغم الضغوط الأمريكية المعلنة.

 وفي التزامن، يقول الناطق العسكري الإسرائيلي دانئيل هغاري إن القوات العسكرية تحقق تقدماً ميدانياً، وتحرز مكاسب عملياتية واستخباراتية، وتتمكن من قتل عدد كبير من مقاتلي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وإنها ذاهبة لاستكمال مساعي الحرب، حتى وإن طالت، من أجل تحقيق أهدافها بالقضاء على “حماس”، وإزالة التهديد الأمني داخل القطاع، لكن عدداً من المراقبين الإسرائيليين يشكّكون بقدرة إسرائيل على ذلك، ويحذرون من أن صورة الواقع الميداني مغايرة عن تلك التي يحاول نتنياهو رسمها، وأن الساعة الدبلوماسية الرملية تنفد.

وكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد قال، في إطلالة متلفزة، ليلة أمس، إن الحرب تستمر بقوة لم تعرفها “حماس” من قبل، وقال إن مدينة غزة محاصرة، وإن قوات الاحتلال تعمل من داخلها، وتصعّد الضغط على “حماس” في كل ساعة، في كل يوم.

وعلى غرار تصريحات غالانت (يواصل غالانت رفع سقف التوقعات من الحرب الإسرائيلية على غزة، رغم التحذيرات من ذلك)، مضى نتنياهو في مزاعمه: “حتى الآن صَفَّينا آلاف المخربين فوق الأرض وتحتها، وقتلنا قادة إرهابيين شاركوا في المذبحة في يوم السبت الأسود. ومنذ بدء الحملة البرية دمّرنا عدداً كبيراً من المقرات والأنفاق والقواعد العسكرية. أنا قادم من قاعدة تسائليم، والتقيت جنوداً، بعضهم قاتلَ بشكل غير اعتيادي، والآن يستعدون للعودة للقطاع وهم مزوّدون بأمرين؛ الأول الخلاصات التي يلتقطها الجيش بمنهجية بفضل العملية البرية داخل القطاع، والثاني الروح القتالية التي لا يوجد شبهاً لها، فهم جنود مصممون على القتال، وعقيدة بأنهم يدافعون عن البيت”.

وذهب نتنياهو في مزاعمه لحد التباهي بأن ضباطاً أمريكيين قاتلوا في الفلوجة والموصل يبدون دهشة حيال أداء قواتنا، وكرّر تهديداته لـ “حزب الله”. وتوجّهَ نتنياهو لعائلات المحتجزين في قطاع غزة، التي قال عنها إنها تعيش كابوساً متواصلاً، مدعياً أن إسرائيل تتحرك في كل الطرق والجبهات، من أجل استعادة أعزائنا، والحملة البرية حيوية لتحقيق هذا الهدف”.

وتشكك بعض الأوساط الإسرائيلية بذلك، أو على الأقل بإمكانية التوفيق بين تصعيد الحملة البرية والقصف المكثف على غزة وبين استعادة المحتجزين أحياء، وهناك من يلمّح داخل إسرائيل أيضاً إلى أن الهدف المركزي بالنسبة لها هو الضربة العسكرية لـ “حماس” وللغزيين وللفلسطينيين، بغية كيّ وعيهم، واستعادة الهيبة الجريحة والثقة “المتضعضعة”، دون اكتراث حقيقي لمصير الإسرائيليين المحتجزين، والتعامل معهم عملياً كـ “كبش فداء”، رغم التصريحات المتكررة عن أنها تعمل الكثير للإفراج عنهم. لو كانت إسرائيل ترغب حقاً باستعادة المحتجزين المدنيين الآن لوافقت على هدنة مؤقتة تتيح تحقيق هذا الهدف، لكنها تخشى أن تستغل المقاومة الفلسطينية الفرصة لالتقاط أنفاسها وترتيب أوراقها، بعد شهر من صبّ الجحيم على القطاع، مثلما تخشى استغلال جهات دولية للوقف المؤقت للنار من أجل تثبيته وعدم العودة للحرب.

نتنياهو، الذي تحدث للكاميرا لوحده، ودون مجال لأسئلة صحفية، وسبقه على انفراد وزير الأمن يوآف غالانت، والوزير بلا حقيبة بيني غانتس، سبق وقال قبل ذلك، في حديث لشبكة “أي بي إس” الأمريكية، إن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية على القطاع لفترة غير مقيدة، وقد عقبت الولايات المتحدة على ذلك بالقول إنها “لا تؤيد احتلالاً جديداً”.

الساعة الرملية

مقابل تعنّت إسرائيل الرسمية في موضوع وقف الحرب، أو حتى الهدنة، ومقابل مزاعمها بأن المجهود الحربي يحقق نجاحات كبيرة على الأرض، يؤكد عدد من المراقبين الإعلاميين والعسكريين في الاحتياط بأن الصورة في الميدان أكثر تعقيداً، وأنها لا تستطيع مواصلة الحرب بدون قيود، ويتهم بعضهم نتنياهو بمحاولة رسم صورة مغايرة عن حقيقة واقع الحال داخل غزة.

وينبّه بعض المراقبين الإسرائيليين إلى أن النجاحات العسكرية المزعومة بعد ضرب غزة بـ 30 ألف طن ديناميت غير مرئية حتى الآن، لافتين على سبيل المثال لعدم مشاهدة صور لأنفاق مدمرة، أو استسلام، أو قتل عدد كبير من المقاتلين الفلسطينيين، أو قتل قيادات بارزة في المقاومة.

في هذا المضمار، يوضح المحلل السياسي البارز في القناة 13 العبرية رافيف دروكر أنه يتحدث في الأيام الأخيرة مع مصادر عسكرية إسرائيلية تقرّ بعدم وجود مشاهد تصدّع قوات “حماس”، لكنها تراهن على أن الصور والنجاحات المفقودة ستتحقق في نهاية المطاف. لكن دروكر يعقّب متشكّكاً على تقديراتهم، بالقول مجدداً إنه لا يشكك بقدرات الجيش وبإمكانية تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، لكن السؤال متى، وهل تحتمل إسرائيل الأثمان والخسائر البشرية والاقتصادية، في ظل اقتصاد نازف، ووجود أكثر من 200 ألف إسرائيلي لاجئ نزحوا من جنوب وشمال البلاد؟

 كما يتساءل دروكر عن قدرة إسرائيل في مواجهة الضغوط الخارجية، في ظل استمرار مأساة المدنيين داخل قطاع غزة.

 وهذا ما يؤكده زميله المحلل البارز ناحوم برنياع، الذي نشرت صحيفته “يديعوت أحرونوت” مقاله على صدر صفحتها الأولى، تحت عنوان مركزي: “عقارب ساعة وقف النار تتحرك بسرعة”.

بارنياع الذي عاد من غزة قبل أيام، بعد جولة مع جنود إسرائيليين، يقول، اليوم الأربعاء، إن الأيام القادمة من شأنها أن تكون المرحلة الأخيرة الحاسمة في المعركة ضد “حماس” وبعدها من المشكوك به أن يكون بمقدور إسرائيل الصمود أمام الضغوط الأمريكية من أجل وقف النار، خاصة إذا ما طرحت صفقة لاستعادة المخطوفين على الطاولة، فعقارب الساعة تتحرك بسرعة.

 ويقول برنياع أيضاً إن الأمريكيين، منذ الأسبوع الأول للحرب، يسعون لرعاية صفقة جزئية تشمل إطلاق نساء وأطفال، وربما من هم بعد جيل القتال، لكن مساعيهم فشلت، غير أن واشنطن تتمسك بذات التوجهات، وهي أكثر تفاؤلاً اليوم، ربما بفضل الضغط العسكري على “حماس”، وربما نتيجة تليين مواقف إسرائيل. يشار إلى أن واشنطن قد دفعت للمنطقة، بعد وزير الخارجية بلينكن، رئيس وكالة الاستخبارات “سي أي إيه”، الذي يتنقل بين إسرائيل وقطر سعياً للتوصل لصفقة.

 ويتساءل بارنياع، الذي غطى حروباً، منذ حرب 1967، إن كان بمقدور إسرائيل العودة للحملة البرية بعدما توقف النار؟ عن ذلك يقول: “يعلمنا الماضي بأن الاحتمال لذلك ليس كبيراً. عندما يتحدث نتنياهو وآخرون عن حرب متواصلة هم يقصدون حرباً من نوع آخر: استهداف عن بعد، اغتيالات، غزوات محلية”. وفي إشارة لخلط الحسابات السياسية والشخصية والعسكرية لدى نتنياهو يقول بارنياع: “طالما استمر الحديث عن استمرارية الحرب، سيستطيع نتنياهو صدّ الضغط عليه، ليعلن مسؤوليته عن الفشل الذريع عما حصل في السابع من أكتوبر- “طوفان الأقصى”. بعد شهر على الحرب لا أحد في إسرائيل يستطيع الاحتفال بانتصار. أحياناً يكون الانتصار بالإدراك أنه لا يوجد انتصار”.

مشروع محكم

وفي هذه الروح يتحدث أيضاً المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي اختارت صحيفته اعتماد تحليله كمادة وعناوين مركزية على صفحتها الأولى، على غرار ما فعلته صحيفة “يديعوت أحرونوت” مع كاتبها ومحللها البارز ناحوم برنياع. في عنوانها الرئيس تقول “هآرتس”، على لسان هارئيل، إن كل ما تعرفه الاستخبارات العسكرية حول أنفاق غزة بعيد كل البعد عن حجم ودرجة إحكام مشروع الأنفاق”. ويحذّر برنياع ، على غرار بعض المراقبين الإسرائيليين، ولكن بصورة أكثر وضوحاً من قبل، من أن صورة الوضع القتالية معقدة أكثر من تلك التي يحاول نتنياهو رسمها، والتي قال عنها نتنياهو إنها ظاهرة نجاح استثنائية.

 ويتابع هارئيل في تحذيراته: “وربما أن النجاحات الإسرائيلية الحالية المتمثلة بتوغلات مع خسائر قليلة تنبع من رغبة “حماس” تسعى للاحتفاظ بقوتها للأيام القادمة، لتستدرج القوات الإسرائيلية الغازية”. كما يحذر هارئيل مما يجري على الجبهة الشمالية بقوله إن إسرائيل هناك في حالة دفاع، لكنها تنجح بجباية ثمن أكثر فأكثر من “حزب الله” والباب مفتوح للتدهور نحو حرب.

ويذهب زميله محرر الشؤون العربية والشرق أوسطية في “هآرتس” تسفي بار إيل للقول، في تحليل بعنوان ” لن تكون صورة انتصار”، إنه في هذه الحرب لن تكون صورة انتصار.. حتى عندما تتوقف النار”.

وفي ما يتعلق بالجبهة الشمالية، يقول بار إيل إنه مقابل “حماس”، حيث يبدو أن عذابات أهالي غزة تشكل رافعة بيد “حماس” للضغط ومطالبة المجتمع الدولي من أجل وقف نار، فإن الضغط اللبناني الداخلي يشكّل ضغطاً على “حزب الله” للحفاظ على مكانته كتنظيم لبناني، غير خاضع لإملاءات إيران، وبالتالي تحاشي الحرب، ومع ذلك ورغم مناورات نصر الله بين عدة اعتبارات فإن الوضع في الجبهة الشمالية هش وحساس، وهو مرتبط أيضاً بردود إسرائيل.

ويعلل رؤيته بالقول إن التقارير تبشر بأن الجيش يحيط مستشفى الشفاء، وبعد قليل سيقتحمه، وربما نرى قريباً أشرطة فيديو تظهر جنوداً إسرائيليين يتجوّلون داخل أقسام المستشفى، وبرفقتهم صحفيين داخل مقرات “حماس” أسفل المستشفى، ونطبع على مخططاتهم لمذبحة السابع من أكتوبر، وربما نرى جثامين لقيادات “حماس” لكن المنظومات القتالية موجودة في مواقع كثيرة والحرب طويلة.

استخفافنا بالعدو

بعد صمت طويل قال رئيس حزب “شاس”، عضو المجلس الوزاري المصغّر بصفة مراقب آرييه درعي، إن إسرائيل استخفّت بعدوّها حتى أُخذت على حين غرة في السابع من أكتوبر، وقال، في حديث للقناة 12 العبرية: “ظننا أننا الجيش الأقوى والأفضل ولدينا الاستخبارات الأفضل في العالم، ولا شك أن الحكومة فشلت في واجبها الأساس في حماية مواطنيها، كل الجهات فشلت”.

ورداً على سؤال حول من يدير القطاع بعد الحرب، قال درعي إنه لا يعرف. وتابع: “إسرائيل لن تكون مسؤولة عن غزة، وتدعو العالم لتحمّل مسؤوليته بشكل أو آخر، ونحن سنكون مسؤولين عن أمننا وسندخل القطاع بعدما نخرج كي نهتم بالأمن”.

وقال درعي إنه دأب داخل المجلس الوزاري المصغر على معارضة حملات عسكرية، وإنه طالما كان يوجّه سؤالاً حول وقت الخروج، منوهاً بأنه قد سأل عن ذلك بسبب حجم الكارثة والإجماع حول الحرب، بل “لأننا بحاجة لانتزاع القدرات العسكرية من حماس”.

في ما يتعلق بالاحتجاجات في العالم على الحرب على غزة، تساوقَ الوزير العمالي السابق عوزي برعام مع مزاعم لأوساط إسرائيلية غير قليلة تستغرب الانتقادات العالمية الواسعة ضد إسرائيل، بعد شهر من الحرب، وارتكاب جرائم حرب فيها بحق المدنيين. في مقال نشرته “هآرتس”، اليوم، قال برعام إنه طالما اعتقد بوجوب التمييز بين انتقاد حتى لو كان ثاقباً ضد إسرائيل، وبين اللاسامية، لكن الكثير من الانتقادات في العالم اليوم تنم عن عداء للاسامية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى