أستاذ في جامعة كولومبيا: دعم أمريكا لحرب غزة غير مسبوق

> «الأيام» القدس العربي:

> نشرت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” مقالاً لرشيد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة بجامعة كولومبيا، ومؤلف كتاب “حرب المئة عام على فلسطين: تاريخ الاستيطان- الاستعمار والمقاومة 1917- 2017″، وضّحَ فيه الكيفية التي غذّت فيها الولايات المتحدة الحرب الإسرائيلية، التي مضى عليها، عقود ضد الفلسطينيين. وقال فيه إن التباين في أعداد القتلى في غزة وحولها (1.200 إسرائيلي، و15.000 شهيد فلسطيني) في الجولة الأخيرة من الصراع، الذي مضى عليه قرن، يشير إلى التفاوت الهائل بين الجانبين. ويقول الكاتب إن الأرقام هي سمة الحروب الاستعمارية، وهي واحدة من الحقائق التي يغيّبها الإعلام عادة، كما غيّب جذور الحرب.

فهذه ليست حرباً واضحة بين شعبين لهما سيادة، مثل فرنسا وألمانيا، فهذه آخر الحروب الاستعمارية في العصر الحديث، تُخاض من أجل تحقيق هيمنة وحقوق مطلقة لشعب على شعب، وكما بدا واضحاً في قانون الدولة القومية للشعب اليهودي، عام 2018، والذي ينص بوضوح على  أن حق تقرير المصير في فلسطين “هو حق خاص للشعب اليهودي”. ويقول الخالدي،  إنه على الرغم من الرابطة التي لا ينكرها أحد عن صلة الشعب اليهودي واليهودية بالأرض المقدسة، فالفلسطينيون ينظرون للكفاح على أنه مقاومة ضد الاستعمار.

 فقد تم إنشاء إسرائيل كمشروع استعماري غربي، وهو أمر لم ينكره أي من قادتها الأوائل، وبدعم لا يستغنى عنه من الإمبريالية البريطانية. وعلى الرغم من شبكة الأساطير التي حاولت إخفاء هذه الحقائق، فهي مهمة لفهم أن الفلسطينيين سيقاومون أي جماعة تحاول أخذ أرضهم منهم، مهما كان دينها أو جنسيتها. وحدث أن هذه الجماعة يهودية بمشروع قومي، وبرابطة عميقة لنفس الأرض، وتاريخ الاضطهاد والتشريد في أماكن أخرى، ووصل ذروته بالهولوكوست، ما أعطى هذه الحرب طبيعة يائسة.

وبحسّ ما فأشكال النزاع التي حدثت مرة بعد الأخرى في القرن الماضي مألوفة. ومهما كان المستوطنون، ومن أي مكان جاءوا منه، وما هي الرابطة لهم مع الأرض، فالمقاومة ضدهم ستكون بالضرورة متشابهه، كما قاوم الأيرلنديون والجزائريون والأمريكيون الأصليون والليبيون والزولو المتسلّلين العازمين على سرقة أرضهم.

وقالها بصراحة مؤسس الصهيونية التصحيحية، فلاديمير جابوتنسكي، والتي أنجبت لاحقاً حزب الليكود: “كل شعب أصلي في العالم سيقاوم المستعمرين”، وكما قال إدوارد سعيد إنه من سوء طالع الفلسطينيين أن يكونوا ضحايا الضحايا. ويقول الخالدي إن عملية الاستعمار الاستيطاني شرّدت جزءاً كبيراً من سكان فلسطين الأصليين، وأدت إلى سرقة أراضيهم وممتلكاتهم. لقد طرد 750.000 فلسطيني خلال حرب إنشاء إسرائيل، عام 1948، أي أكثر من 55% من سكان فلسطين في ذلك الوقت. و 250.000 فلسطيني عام 1967، حيث لم يسمح لأي منهم العودة.

وكانت عملية التطهير العرقي المرحلية مهمة في عملية تحويل الغالبية العربية إلى أقلية في الدولة اليهودية. ولم يكن هذا ليحدث بأي طريقة أخرى، لأن عملية  “إخراج” الفلسطينيين “سراً” من البلد  بدت مستحيلة، وقد كانت هذه رغبة ثيودور هيرتزل التي سجّلها في مذكراته.

واستمرت نفس ممارسات الاستعمار والتشريد، وبلا هوادة، في الضفة الغربية المحتلة، طوال الـ 56 عاماً الماضية. ولأكثر من نصف قرن، راقبت الولايات المتحدة  الاحتلال العسكري لهذه المناطق، والضم التدريجي، وامتصاصها في إسرائيل بلامبالاة واضحة.

وهذا يتناقض بشكل صارخ مع ردّها على احتلال روسيا لأجزاء من أوكرانيا ولمدة أقصر. ومن الصعب منح مصداقية لمزاعم الولايات المتحدة أنها تدعم حق تقرير المصير والحرية لأوكرانيا، في وقت لم تتوقف عن تقديم الدعم الضروري لإسرائيل لمواصلة احتلال الاراضي العربية.

وبالتأكيد لم تلغ إدارة بايدن قرارات إدارة ترامب، وعمليات الضم غير القانونية للقدس ومرتفعات الجولان. ورغم دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في كل حرب، منذ عام 1948، وباستثناء حرب السويس في 1956، إلا أن دعمها للحرب في غزة غير مسبوق، ومن عدة جوانب.

أحد أبرز مظاهر الدعم رفض الرئيس بايدن الواضح لوقف إطلاق النار، حيث أصبحت العبارة  محرّمة (تابو) في داخل الإدارة، ودعم الإدارة الواضح جداً لهدف الحرب الإسرائيلية “تدمير حماس”، والذي لن يتم تحقيقه بدون مذابح لآلاف المدنيين، وتدمير قطاع غزة، الذي يعيش فيه 2.3 مليون نسمة.

ودعم بايدن بمقال رأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” هذا الهدف، حيث قال :” يجب على إسرائيل الدفاع عن نفسها، وهذا هو حقها”، وفي الوقت نفسه زعم أنه يدعم حل الدولتين. وأنهى مقالته الطويلة بدون أن يذكر العقبتين الرئيستين لتحقيق هذا الطموح: الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات، وقد عملت الولايات المتحدة  بجدّ للحفاظ عليهما، من خلال تدفق الدعم العسكري، واستخدام دائم للفيتو في مجلس الأمن.

أما الجانب الثاني، فهو إرسال بايدن لعدد ضخم من الأرصدة العسكرية البحرية والجوية إلى المنطقة، على افتراض منع توسع النزاع، وترافق هذا مع إرسال 2.000 صاروخ “هيلفاير” الموجهة بالليزر، و 36.000 طلقة مدفعية من مقاس 30 ميلميتر، التي تطلقها مروحيات الأباتشي، وكذا 1.800 صاروخ من نوع أم141 الخارقة للأنفاق، إلى جانب 57.000 قذيفة من 155 ميلميتر للدبابات.

وطلبت إدارة بايدن من الكونغرس تمرير ميزانية إضافية بـ 14 مليار دولار، وتشمل على مساعدات عسكرية، إلى جانب 3.8 مليار دولار على شكل دعم سنوي ومنح عسكرية، والهدف من الميزانية الإضافية تغطية النفقات الجديدة وشراء الصفقات، وتم إلغاء القيود القانونية على استخدام الذخيرة والأسلحة هذه.  ومات العديد من المدنيين في غزة، إن لم يكن الغالبية، تحت وابل من القنابل التي زوّدتها أمريكا، وقذائف المدفعية والمقذوفات الصاروخية والصواريخ.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قتلت إسرائيل وشرّدت فلسطينيين أكثر مما شرّدت أثناء النكبة، التي قتل فيها 13.000 فلسطيني، حسب المؤرخ الفلسطيني عارف العارف.

وهناك جانب آخر غير مسبوق في الدعم الأمريكي لإسرائيل في حرب غزة، والذي مرّ تحت رادار الإعلام، الدعم الأمريكي، ومنذ بداية الحرب الحالية، لطرد إسرائيل جزءاً من سكان غزة إلى مصر. ولم يتم التعهد بهذا، لكن كَشَفَه الرفضُ المصري والأردني الشديد، وفي أكثر من مناسبة، ومن خلال طلب التمويل من البيت الأبيض، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر لأوكرانيا وإسرائيل. وضم الطلب “دعم الهجرة واللجوء” لـ “احتياجات محتملة للغزيين الفارّين إلى الدول الجارة”، و”للفارين عبر الحدود”، و”احتياجات برامج خارج غزة”.

 ولم يكن مستغرباً أن يشجب قادة مصر والأردن، وبغضب، الفكرة، التي تخلّت عنها إدارة بايدن. وأكد بايدن، وبقوة، لقادة مصر والأردن أن الولايات المتحدة لن تدعم طرد الفلسطينيين إلى أراضي أيّ من البلدين.

ويعلق الخالدي بأن هذه الحادثة المشينة هي إشارة عن بايدن الذي لا ينظر فقط للفلسطينيين كمتساوين للإسرائيليين، أو يعتبر أن معاناتهم تشبه ما يعتبرونه معاناة الإسرائيليين، بل لا يزال هو والأعضاء الكبار في العمر بالقيادة السياسية الأمريكية أسرى للسرد الذي تشكّل قبل عقود سابقة، ويقاومون بعناد الأبعاد والمناظير الجديدة التي يؤمن بها الموظفون الشباب والطواقم على جانبي الكونغرس.

وكانت هذه كارثة للفلسطينيين، وخاصة سكان قطاع غزة، الذين دفعوا الثمن الباهظ للانحياز الأعمى من بايدن وجيله.

 وكشف استطلاع أخير لـ “أن بي سي” أن نسبة 70% من الناخبين من فئة 18-34 عاماً لا توافق على طريقة معالجة بايدن للحرب في غزة.

وستكون مفارقة مرة لو أدت خيبة أمل العرب والمسلمين إلى خسارة بايدن ولايات متأرجحة، مثل ميتشغان، في 2024، ما يقود إلى انتخاب رئيس جمهوري سيكون بالتأكيد أكثر معاداة للفلسطينيين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى