السفير العرشي: صنعاء قدمت الاندماجية وعدن طرحت تصورات متعددة لأشكال الوحدة

> «الأيام» عن «الشرق الأوسط»:

>
الرئيس علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني يوقعان على اتفاق عدن البداية الجادة نحو تحقيق الوحدة بين شطري اليمن عام 1989 ويقف خلفهما حيدر العطاس وإلى يمينهما الوزير يحيى العرشي
الرئيس علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني يوقعان على اتفاق عدن البداية الجادة نحو تحقيق الوحدة بين شطري اليمن عام 1989 ويقف خلفهما حيدر العطاس وإلى يمينهما الوزير يحيى العرشي
قال الأخ يحيى حسين العرشي، سفير اليمن لدى دولة قطر والوزير السابق لشؤون الوحدة اليمنية، الذي حمل ملفها في الجمهورية العربية اليمنية لسنوات طويلة.. قال في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر أمس:

« الواقع أن مشاريع الوحدة اليمنية كانت أفكارا تقدم من هنا وهناك، من عدن ومن صنعاء. الأفكار التي قدمتها صنعاء كان منها ما يدعو للاندماجية، وأفكار من عدن كانت فيها تصورات متعددة وأشكال وحدوية مختلفة، ولكن في الأخير يمكن القول إن المشاريع التي قدمت من صنعاء ومن عدن كانت تتفق بأن علينا أن نمضي في الخطوة الوحدوية الاندماجية، وألا نخرج من القميص الذي اخترناه، بمعنى أن الواقع اليمني لم يكن فيه تباين في الظروف بين الشمال والجنوب، وليس هناك ما يدعو للجوء إلى التدرج الفيدرالي أو الكونفيدرالي، لأن الواقع الاقتصادي ما زال واحدا، والظروف واحدة، جميعنا نعيش ظروف التخلف، وجميعنا نبحث عن تكامل في التنمية، وظروفنا الاجتماعية من الفقر إلى المرض إلى ظروف الانعتاق من الماضي، كانت تزيح الفوارق. كما أن الظروف الدولية كانت عاملا مساعدا لتأسيس يمن واحد، وبالتالي تم الاتفاق على ذلك.

وإذا كانت ألمانيا رغم الفارق الكبير بين اقتصاد الشرق واقتصاد الغرب، تمت فيها الوحدة، فما بالنا في اليمن الذي لا توجد فيه فروق اقتصادية تذكر؟
الوحدة اليمنية مرت بمراحل عدة منذ عام 1972 عندما تم الاتفاق في القاهرة على الوحدة بعد مواجهة مسلحة بين شطري اليمن، وعززت تلك الخطوة باتفاقات أخرى في طرابلس ثم في الكويت، أي أن التدرج كان قائما لتحقيق الوحدة اليمنية، وعزز تلك الخطوات الحوار المستمر، وهذا ما يجعلنا نقول إن الوحدة اليمنية لم تأت من فراغ، بل مرت بمراحل متدرجة، من أهمها إنشاء المجلس اليمني عام 1980 برئاسة رئيسي الشطرين، وكان للمجلس اليمني الأعلى دور مؤسسي، واعتبر مرجعية استطاعت أن تحقق شيئا من التجربة المؤسسية. وهذا الدور المؤسسي أسهم في خلق مناخ موات للوحدة بما انبثقت عنه من مؤسسات اقتصادية مشتركة أعطت تجربة أولية لكيفية توحيد نظامي الوطن في عدن وصنعاء وإنشاء نظام واحد.

وتم كذلك تأسيس عدد من اللجان الوحدوية التي سهلت التواصل بين أبناء الوطن وسهلت سن قوانين وأنظمة تحاورت بشأنها اللجان طويلا، ومنها لجنة دستور دولة الوحدة، الذي تم إعداده بحوار شامل مكثف جمع بين ما تراه صنعاء وما تراه عدن. ولكن مع هذا كانت هناك صعوبات، وكان هناك ما يعيق إتمام الوحدة، وكان من أهم تلك الصعوبات ضعف الثقة بين الجانبين رغم الحوار والتواصل. ولكن الذي ساهم في إعادة بناء الثقة هو موقف صنعاء أثناء أحداث 13 يناير عام 1986 في جنوب الوطن، حيث إن البعض كان يراهن على أن صنعاء سوف تقتنص الفرصة لتنقض على الجنوب، ولكن اتضح للإخوة في الجنوب أن موقف صنعاء كان أخويا ووديا ويسعى لخلق وئام ووفاق بين الإخوة، ولم تحدث طلقة رصاصة واحدة أو أي موقف سلبي من الشمال لاستغلال الظروف في الجنوب.

الرئيس علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في محادثات الوحدة
الرئيس علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في محادثات الوحدة
كان هذا عاملا مهماً، لأن الحكمة اليمانية سادت في التعامل بين الإخوة في حدث كهذا، وهذا ما جعل كل أبناء اليمن يقولون كلمة واحدة، وهي أن المخرج الوحيد من جولات الأحداث في صنعاء وفي عدن وفي غيرها هو الوحدة.

حرب والوحدة والانفصال
ولكن لماذا غابت الحكمة اليمانية عام 1994 وتقاتل الإخوة الذين أعلنوا الوحدة؟ وكيف تحول الزعيم الجنوبي علي سالم البيض من داعية للوحدة إلى مناد بالانفصال؟

ـ كما تعلمون أن الفترة الانتقالية شابتها جوانب سلبية كثيرة، وأنا لا أريد أن أعلق على شخص بعينه، ولكني أعلق على فترة كفترة، ولا ننسى أن هناك مؤامرات وحسابات متعددة يعرفها الجميع ولست بحاجة لتوضيحها، وجرى توظيف التراكمات السلبية في الفترة الانتقالية للاستفادة منها للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء، وكنا نتمنى أن تبقى صفحة الوحدة اليمنية سلمية بيضاء، ولكن شاء القدر أن تكون هناك دماء وحرب عام 1994، وتلك المواجهة خلقت تحديا جديدا للمواطنين اليمنيين بأن الوحدة اليمنية مكسب كبير لا يمكن التفريط فيه أو تضييعه بسهولة.

أما المواقف الشخصية أو الفردية، فهي متروكة للتاريخ، ولا شك أن الأيام كفيلة في الغوص في أسباب كثير من المواقف. ودعني أكمل لك إجابتي عن فترة ما قبل الوحدة، ففي صنعاء أيضا كانت هناك أحداث دامية تكررت في سنوات متقاربة مثلما حدث في عدن، ووجد الجميع أن المخرج الوحيد للجانبين من هذا الواقع الذي لا يبشر بالاستقرار ولا يبشر بالأمان ولا يبشر بالخير لليمن، هو التوجه نحو الوحدة. فقد عانى الإنسان اليمني، وعانت الأنظمة، وعانى حتى الحكام من ذلك الوضع، وتسارعت الخطة بعد أحداث يناير 1986، فكما تعلمون كانت تلك الأحداث دموية، ولكن الموقف الشمالي المحايد جعل الخطوات اللاحقة لعام 1986 مصحوبة بالثقة الكاملة، الأمر الذي هيأ مناخا إيجابيا مهد للوحدة اليمنية. وأتذكر أن الحوار المضني بعد عام 1986 حول مشروع استثماري مشترك، كان له تأثير كبير جدا، أي أنه بدلا من أن يكون الحوار يؤدي إلى نتائج سلبية وتستخدم فيه البندقية، تحول المشروع الاستثماري ليس فقط لاستثمار الثروة النفطية بين الشطرين، ولكن لتأسيس ثقة وتكامل بين أبناء الوطن الواحد. وهذا المشروع الاستثماري المتفق عليه يومها، دفع بخطوات لاحقة من أهمها تنقل المواطنين في الأول من يوليو عام 1988، حيث تمت إزالة البراميل والإجراءات التشطيرية وانشغال أجهزة الأمن والمخابرات التي كانت توهم الناس بأن مهمتها حفظ الأمن لهم، وحينما أزيلت هذه العقبات بتلك الصورة التي لا أنساها في «الشريجة» وغيرها، التقت الأسر وتحقق الأمن في نفوس الناس وارتاحت حتى الأنظمة، وحتى الحكام. وهذه الخطوة جعلت الكل يقول فعلا إن الأمن والأمان في اليمن يتحقق بالوحدة. وأيضا تجسد مفهوم جديد لدى المواطن اليمني، وهو أن عظمة الحاكم أو عظمة الرئيس في صنعاء وفي عدن بأنه يحقق للناس الأمان ويسير في طريق الوحدة، وهكذا وصلنا إلى 30 نوفمبر 1989 ، ففي نفس الساعة التي تم التوقيع فيها على استقلال اليمن عام 1967 في جنيف، تم توقيع اتفاق الوحدة في عدن، وبالتحديد في «المعاشيق» في فيلا رقم واحد بضغط جماهيري على القيادة اليمنية لأن الشارع اليمني كان في انتظار أن تعلن الوحدة، وكفانا تشطير وعبث بمشاعرنا.

يحيى حسين العرشي
يحيى حسين العرشي
هل نفهم من إجابتكم أن أحداث 13 يناير في الجنوب التي قتل خلالها قياديون يمنيون كبار بينهم عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وعلي شائع هادي وصالح مصلح قاسم، مهدت الطريق إلى الوحدة اليمنية لاحقا؟

ـ ليس الأمر بمثل هذا المفهوم، ولكن أحداث الجنوب في 1986، بحجمها الكبير وتأثيرها العميق، وبما أحدثته من جراح، خلقت لدينا جميعا اقتناعا كاملا بأن المخرج من استمرار الصراع الدامي في عدن وفي صنعاء، والظروف السلبية التي صاحبت كل المنعطفات السياسية اليمنية هو الوحدة. من هذه الزاوية أقول لك إن هذا صحيح، أن أحداث 1986، بما أفرزته من نتائج مدوية، كانت عاملا من عوامل الاقتناع بأهمية تحقيق الوحدة. وبالإضافة إلى ذلك، وكما ذكرت في إجابتي السابقة، فإن موقف القيادة الشمالية الحيادي خلق الثقة لاحقا بين النظام في الشمال والقيادة الجديدة التي أفرزتها الأحداث في الجنوب. وأثبت موقف صنعاء أنها لم تفكر في استغلال ضعف الشطر الآخر للتأثير فيه، وأن الوحدة اليمنية مطلب يتحقق بالحوار، ومن ثم تهيأت الأجواء.

ولكن هناك من يقول إن القوات الشمالية كانت على وشك التدخل في الجنوب عام 1986، وإن الرئيس صالح اتجه بنفسه إلى تعز لقيادة المعركة لولا وصول إنذار من موسكو يحذر من أي تحرك ضد الجنوب، فما مدى صحة ذلك؟

ـ هذا غير صحيح مطلقا، ويشهد على عدم صحته الرئيس علي ناصر محمد، ومن كان مع الأخ الرئيس علي ناصر محمد، فحينما جاء إلى صنعاء كان موقف صنعاء هكذا: «أهلا وسهلا بكم، هذا بلدكم ولكم كل الامتيازات، من كان وزيرا فهو برتبة وزير، وكل مصالحكم كأفراد محفوظة، وشيء واحد فقط هو أننا لا يمكن أن نسمح بأي عمل عدائي مسلح ضد إخوتنا في عدن».. أي مصداقية أكثر من هذا؟ وإذا كانت هناك أي ترتيبات عسكرية من جانب الشمال في ذلك الوقت، فهي ترتيبات عسكرية أمنية لمنع حدوث أي اختراق لهذه السياسة التي اتخذتها صنعاء كقرار سياسي مبدئي بعدم إطلاق طلقة رصاص واحدة ضد الجنوب، ومنع أي محاولة لأي مقبل من عدن إلى صنعاء من القيام بأي عمل تخريبي ضد النظام القائم في عدن من قبل ما كان يسمى بعناصر الزمرة. وهذا الكلام أنا مسؤول عنه.

دور علي ناصر محمد
هل كان هناك دور إيجابي للرئيس السابق علي ناصر محمد في تحقيق الوحدة اليمنية؟

ـ طبعا، علي ناصر محمد بذل جهده عندما كان في السلطة، ولم يقصر مطلقا في اتخاذ خطوات شجاعة نحو الوحدة بما في ذلك إنشاء المجلس اليمني الأعلى، وهو خطوة تحسب له مع الرئيس علي عبد الله صالح. إضافة إلى منع أعمال التخريب ضد الشمال، ومن هذا المنطلق ساهم علي ناصر محمد في تحقيق الوحدة، ولم تقتصر مساهمته على فترة وجوده في السلطة، بل امتدت إلى مرحلة لاحقة عندما كان موجودا في صنعاء وأبدى موقفا مؤيدا للوحدة.

هل كانت الديمقراطية والتعددية شرطا من شروط الوحدة؟

ـ كانت الخيار الأفضل المصاحب للوحدة، بدليل أن اللجنة التاسعة من لجان الوحدة اليمنية، التي كانت معنية بإنشاء تنظيم سياسي موحد للشطرين، هي الوحيدة التي لم تنعقد رغم تشكيلها في كل مرة منذ توقيع بيان طرابلس، لأن عدن كانت تعتقد أن الحزب الاشتراكي هو الحزب الوحيد الذي يمكن أن يحكم اليمن، في حين كانت صنعاء تحرم الحزبية تماما وترفع شعار «من تحزب خان» وشعار «الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة».. هذه كانت شعارات مطروحة، ولكن بعد أحداث يناير تمت إعادة تشكيل لجنة التنظيم السياسي الموحد، وتحاورنا على الطاولة في ضوء تطورات البروسترويكا في عهد الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، وتطورات أخرى في العالم ساعدتنا على الحوار.

وحينما التقينا في لجنة التنظيم السياسي الموحد في تعز، كانت أمامنا عدة خيارات، فإما أن نطرح حكم الحزب الاشتراكي، وهذه مسألة شمولية غير مقبولة ولم تعد هي لغة العصر. وكانت لصنعاء تجربتها الجديدة، وهي المؤتمر الشعبي العام، الذي أنشئ عام 1982، وكان إطارا تنظيميا من فصائل حزبية مختلفة، وكان يمثل رديفا للتحاور مع الحزب الاشتراكي في عدن. ولو طرحنا حكم المؤتمر الشعبي على جميع أنحاء اليمن لكانت المسألة شمولية أيضا، كما أن دمج التنظيمين في تنظيم واحد فيه شمولية بإطار جديد، ولهذا كنا سباقين في طرح التعددية بإبقاء كافة الأحزاب على مستوى الساحة اليمنية كلها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وهذه الخطوة كانت عاملا مهما أعطى واقعية ومصداقية للوحدة اليمنية، لأن الوحدة اليمنية ساعدها على النجاح فتح باب التعددية والديمقراطية مما خلق انفراجا. وأستطيع أن أؤكد أن الوحدة اليمنية تتعزز باستمرار برسوخ التعددية والديمقراطية، وكنا قد توصلنا إلى هذه القناعة منذ ذلك الحين، وقبل كل هذه الحديث عن أهمية الديمقراطية للمنطقة.

هل هناك موقف شخصي تتذكرونه ما زال راسخا في الذاكرة عن مباحثات تحقيق الوحدة اليمنية؟

ـ الحقيقة أن الذكريات كثيرة والمواقف كثيرة، منها ما يتعلق بنا كأفراد، ومنها ما يتصل بالوطن ككل. والشيء الجميل الذي أتذكره هو ما حدث في «الشريجة» أثناء إزالة البراميل الشطرية وازدحام الناس المقبلين من عدن والمقبلين من تعز في لقاء وحدوي تلقائي لا يمكن وصفه، وكان المشهد عائليا بكل معنى الكلمة، ومنظرا لجمع شمل أفراد عائلة واحدة، ويصعب التعبير عن هذا المشهد بالكلمات والمشاعر التي انتابت اليمنيين بسبب ذلك. أما المشهد الآخر فهو حينما كان الحوار متسارعا بشأن مشروع استثماري مشترك بين الشطرين قبل الوحدة، حيث تم تكليف المرحوم أبو بكر بن حسينون من جانب عدن، وكلفت أنا من صنعاء، لنضع حدا للخلاف ونقدم تصورا محددا للحل في لقاء قمة، وحينما بدأنا نحدد الخطوط قيل لنا لا تشغلوا أنفسكم كثيرا بالخطوط لأنها داخل الوطن الواحد وسهلت لنا تلك المشاعر الجياشة التوصل إلى اتفاق مشترك كان له تأثير مهم على تسريع الخطوات الوحدوية. وكانت هناك قناعة وحماس لدى الجانبين في صنعاء وفي عدن للتوجه نحو الوحدة من القمة إلى القاعدة.

هل صحيح أن القيادة في الشمال كانت تدفع نحو الفيدرالية، بينما القيادة في الجنوب اشترطت الوحدة الاندماجية الكاملة؟

ـ الواقع أن مشاريع الوحدة اليمنية كانت أفكارا تقدم من هنا وهناك، من عدن ومن صنعاء. الأفكار التي قدمتها صنعاء كان منها ما يدعو للاندماجية، وأفكار من عدن كانت فيها تصورات متعددة وأشكال وحدوية مختلفة، ولكن في الأخير يمكن القول إن المشاريع التي قدمت من صنعاء ومن عدن كانت تتفق بأن علينا أن نمضي في الخطوة الوحدوية الاندماجية، وألا نخرج من القميص الذي اخترناه، بمعنى أن الواقع اليمني لم يكن فيه تباين في الظروف بين الشمال والجنوب، وليس هناك ما يدعو للجوء إلى التدرج الفيدرالي أو الكونفيدرالي، لأن الواقع الاقتصادي ما زال واحدا، والظروف واحدة، جميعنا نعيش ظروف التخلف، وجميعنا نبحث عن تكامل في التنمية، وظروفنا الاجتماعية من الفقر إلى المرض إلى ظروف الانعتاق من الماضي، كانت تزيح الفوارق. كما أن الظروف الدولية كانت عاملا مساعدا لتأسيس يمن واحد، وبالتالي تم الاتفاق على ذلك. وإذا كانت ألمانيا رغم الفارق الكبير بين اقتصاد الشرق واقتصاد الغرب، تمت فيها الوحدة، فما بالنا في اليمن الذي لا توجد فيه فروق اقتصادية تذكر؟

علاقة صدام بالوحدة اليمنية
هناك من يطرح بقوة أن الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالنظام القائم في شمال اليمن، دفع، قبل غزو الكويت، لتسريع الوحدة اليمنية، فماذا كان دور صدام في إعلان الوحدة اليمنية؟

ـ أرجو أن يكون واردا أن الوحدة اليمنية لم يكن لأي طرف خارجي أي دور في فرضها أو طرحها لا من قريب ولا من بعيد، لا من عاصمة ولا من أخرى، ولا من زعيم ولا من آخر، وأقولها للتاريخ إنني وراشد محمد ثابت نظيري، من عدن، حينما كانت تتم الخطوات الوحدوية اليمنية كنا نقوم بجولة مشتركة إلى الدول الشقيقة لنضع الأشقاء في الصورة، ونقول لهم إننا نسير نحو الوحدة، وذهبنا إلى العواصم جميعها بما فيها القاهرة وبغداد. فهذه الأقاويل ليست صحيحة، وإنما العوامل الخارجية ساعدت بعد أن قلنا للجميع شرقا وغربا إن هدفنا هو الوحدة. وقد جئنا إلى هنا، إلى واشنطن، وذهبنا إلى موسكو، وقلنا لهم إن الوحدة اليمنية ستخلق مناخا لتعاون حقيقي بيننا وبينكم في إطار المصالح المشتركة، ولن تكون الوحدة اليمنية إلا مصدر أمن واستقرار للمنطقة بدلا من وجود نظامين وسياستين في منطقة استراتيجية مهمة على باب المندب في قلب المنطقة العربية في قلب الشرق الأوسط، بدلا من أن يكون هناك صراع دائم. نحن في اليمن عندما نتوحد سنكون عامل استقرار وستكون لكم مصالح، بدليل ما هو موجود اليوم أقوى من المصالح التي تعتقدون أنكم تجنونها من خلال التشطير.

الجميع علموا بإنجاز الوحدة، وربما كانت التقديرات أن الحوار لن يؤدي إلى نتائج، ولكن هذا هو ما حدث.

هل توجهتم إلى السعودية أيضا لوضع الأشقاء في الصورة؟

ـ نعم توجهنا إلى جدة وطرحنا على القيادة السعودية نفس الأفكار التي طرحناها في بغداد والقاهرة وبقية العواصم.

وماذا كان الرد السعودي؟

ـ لقد أكدوا لنا أنهم مع قرارنا في الوحدة. وأتذكر ما قاله الملك فهد حرفيا: «سأكون أول المهنئين بتحقيق الوحدة اليمنية»، و«سأكون أول من يبارك الوحدة».

هل هذا الكلام ينفي ما تنشره بعض الصحف اليمنية من أن السعودية كانت تعارض وحدة اليمن؟

ـ أنا ذكرت لك ما قاله الملك فهد، وكل الدول العربية كانت مع الوحدة اليمنية.

وماذا قيل لكم في بغداد؟

ـ لم نسمع من أي زعيم عربي إلا أنه مع الوحدة اليمنية.

عايشتم الوحدة اليمنية كحلم وعايشتموها بعد ذلك كواقع، فهل تطابق الحلم مع الواقع من وجهة نظركم؟

ـ الوحدة اليمنية لا يمكن قياسها بما حدث خلال 15 عاما من عمرها، فالوحدة اليمنية مكسب كبير في حد ذاتها، وليس من المتوقع أن نجني العسل من تحتها، ولكنها الإطار الشرعي للعمل من أجل تحقيق الطموح والآمال. بمعنى أن العمل السياسي في إطار الوحدة اليمنية أفرز مؤسسات ديمقراطية، إلى أي مدى؟ 50%؟ 70%؟ هذا أمر عائد إلينا نحن. وإذا كانت هناك ظروف سلبية شهدها الوطن، فهي ليست بفعل الوحدة اليمنية، بل بفعلنا نحن والسلبيات يمكن إصلاحها وترميمها، ولكن في إطار الوحدة.

بصفتكم شخصية سياسية مقبولة لدى الشماليين ولدى الجنوبيين على حد سواء، كيف يمكن معالجة نبرات الأسى التي نسمعها من بعض قيادات الجنوب، وكان آخرهم زميلكم السفير السابق في دمشق، أحمد الحسني، الذي طلب اللجوء في بريطانيا؟

ـ الواقع أنا أنصح بدون أن أذكر اسم «س» أو «ص»، أنصح كل يمني، سواء كان في السلطة أو خارج السلطة، في المعارضة أو خارج المعارضة، أن يدرك أنه لم يعد هناك أي دور لأي عمل من أجل الوطن من خارج الوطن، فأي دور إصلاحي في اليمن يجب أن يكون من الداخل، وليس هناك ما يمنع التعبير عن أي مطلب من المطالب من داخل الوطن. والبلد تسمح بطرح الآراء والعمل من أجل إصلاح الخلل، وأن نقول للفاسد أنت فاسد، وأن نقول للظالم أنت ظالم، وأن نقول للمخطئ أنت مخطئ. ما الذي يمنع أن نقوم بهذا الدور من داخل الوطن إذا كان الهدف هو الإصلاح؟ ما لم يتم العمل من الداخل في ظل مناخ الوحدة، فأنا أعتقد أنها محاولات لم تعد مجدية ولن تؤدي إلى نتيجة. وما لم يحب الإنسان وطنه فإن كل ما عداه هو نوع من المرض نتمنى من الله الشفاء منه.

بعد مرور 15 عاما على توحيد اليمن، هل تواجه الوحدة أي مخاطر؟ أو بتعبير آخر، هل هناك ما يهدد الوحدة؟ وكيف يمكن الحفاظ على استمراريتها؟

ـ الوحدة اليمنية لا تخضع لظروف جديدة أو ظروف لاحقة وسابقة، فقد جاءت بعد جهود مضنية، وتمت في إطار سلمي بكل معنى الكلمة بتوقيع اتفاق بين قيادتي الشطرين عام 1989 .

كما أن الاستفتاء على دستور دولة الوحدة تم بعد الفترة الانتقالية التي مر بها اليمن، إضافة إلى أن الفتنة التي شهدها اليمن بكل أسف عام 1994، انتهت بالاندحار مما جعل الوحدة اليمنية أمرا واقعا، وحقا مشروعا، اعتبر النيل منه محاولة للنيل من الإنسان اليمني وكرامته وإرادته. وهذا ما يجعلنا نعيش أفراح مرور 15 عاما على الوحدة بكل وجداننا، ذلك أننا جميعا نشعر بالارتياح أن الوطن اليمني لم يعد ذلك الوطن المشطر.

هل هناك أي إضافة تريدون التطرق إليها؟.

ـ أنا سعيد بهذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، وأتذكر أن «الشرق الأوسط» كانت تتابع، وكانت معنا أثناء مباحثات الوحدة اليمنية. وأتذكر أن موفد الصحيفة كان معنا في ذلك اليوم في 30 نوفمبر 1989، يوم توقيع اتفاق الوحدة اليمنية في «المعاشيق»، وأنا سعيد أن تكون ذكرى مرور 15 عاما على إعلان الوحدة، ذكرى حية في صفحات هذه الجريدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى