الحق في المعرفة (أو الحق في حرية المعلومات) والحق في محاكمةعادلة {3}

> «الايام» القاضي د.محمد جعفر قاسم :

> الرأي المخالف لأغلبية المحكمة...رأي رئيس القضاة بيرجرأصبح التقييد المسبق على التعبير منذ زمن البت في قضية نيار ضد مينيسوتا حتى قضية(أورجانايزاشن فور ايه بيتر اوستن ضد كيفي) واضحاً بحيث لا نلقي بالاً للقضايا التي تتضمن تقييداً مسبقاً على نشر الأخبار التي تتعلق بالمصلحة العامة.

وبالتالي هناك اختلاف بسيط بين أعضاء المحكمة حول مقاومة التقييد المسبق للنشر. والتمسك بهذا المبدأ الدستوري الأساسي لا يسهل هذه القضايا.

وفي هذه القضايا فإن المطلب في الحصول على صحافة حرة غير مقيدة يتصادم مع مطلب آخر يتعلق بتسيير أعمال الحكومات العصرية وخاصة الممارسة الفعالة لبعض الصلاحيات الدستورية للسلطة التنفيذية. ويستطيع فقط أولئك الذين ينظرون الى التعديل الأول للدستور على أنه أمر مطلق يطبق في جميع الحالات، وهذه وجهة نظر وإن كنت احترمها إلا أنني أرفضها، أن يجدوا أن هذه القضايا تتسم بالبساطة والسهولة. ولكنها ليست بسيطة لسبب آخر وفوري. فنحن لا ندرك وقائعها. فلم يطلع أي قاضٍ ابتدائي على جميع وقائعها كما لم يعرفها أي من قضاة الاستئناف.كما أن جميع قضاة هذه المحكمة (المحكمة العليا) يجهلونها.

فلماذا نكون في هذا الموقف، الذي ينبغي أن يكون فيه فقط أولئك القضاة الذي يرون أن التعديل الأول للدستور مطلق ولا يسمح بأي تقييد تحت أي ظرف أو أي سبب. ولماذا يطلب منا أن نتخذ قراراً فيه .أعتقد أننا في هذا الموقف، لأنه تم تناول هذه القضايا بشكل سريع وغير ملائم.

ويغطي عدالة القاضي هارلان تسلسل تواريخ الوقائع موضحاً الضغوط الهائجة التي تمت معالجتها في ظلها، والتي لا أحتاج لإعادة ذكرها.

ويعكس الترتيب الدقيق لهذه القضايا غضبنا ورفضنا للتقييد المسبق. ولكن العمل القضائي الدقيق لا يعني الإسراع على نحو غير قضائي. ويعود سبب السرعة هنا إلى الطريقة التي تصرفت بها النيويورك تايمز منذ تاريخ حصولها على الوثائق. ويبدو لي واضحاً الآن أن الإسراع في هذه القضايا قد حال دون معالجتها قضائياً بشكل معقول. فتصرف هذه المحكمة الذي يتسم بالعجلة في إجهاض المحاكمات التي لم تنتهِ لا يشكل ذلك التصرف القضائي الذي يجب اتباعه للبت في القضايا الكبيرة.

وتقيم الصحيفتان ادعاءهما متأثرتين بالتعديل الأول للدستور، ويطلقون على هذا الحق صفة الحق العام في المعرفة. وهكذا تؤكد النيويورك تايمز بصورة غير مباشرة على ممارستها لهذا الحق عن طريق ممارستها لما يعرف بـ (السبق الصحفي). وأكدت أن هذا الحق حق مطلق.

وبالطبع فإن الحق المبني على التعديل الأول للدستور ليس بالحق المطلق، وقد سبق أن أشار إلى ذلك القاضي هولمز قبل مدة طويلة في قوله المأثور المتعلق بالحق في إطلاق النار في مسرح مزدحم بالناس عندما لا يكون هناك حريق قد اندلع. وهناك أمثلة أخرى على ذلك حيث أعطى رئيس القضاة هوج أمثلة لبعضها في قضية نيار ضد مينيسوتا.. وبالتأكيد هناك استثناءات أخرى لم يتح لأحد فرصة مناقشتها أو وصفها، ويمكننا أن نتصور أنها تختبئ في هذه القضايا وكان يمكن أن تظهر إذا تمت مناقشتها أثناء المحاكمات بدون ضغوط. و كان ينبغي أن تجرى محاكمة وسماع قضية بمثل هذا الحجم من الأهمية في جو قضائي يؤدي إلى مداولات عميقة، خاصة عندما تكون العجلة، مقاسة بالساعات، غير مبررة في ضوء المدة الطويلة التي استغرقتها النيويورك تايمز لإحالة هذه الوثائق للنشر.

ومن غير المتنازع عليه، أن النيويورك تايمز قد حازت الوثائق لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، عكف خلالها خبراؤها ومحللوها في دراستها تمهيداً لنشرها. وخلال هذه الفترة بأكملها امتنعت النيويورك تايمز، بصفتها مديرة للحق العام في المعرفة، عن النشر لأسباب رأت أنها ملائمة وبالتالي تم تأخير معرفة الجمهور بها. ولا شك في وجود أسباب وجيهة أوجبت هذا التأخير. فتحليل سبعة ألف صفحة من المواد المعقدة المستخرجة من حجم أكبر بكثير من المواد الأخرى يستغرق حتماً وقتاً طويلاً،كما أن تحرير القصص الإخبارية منها يستغرق أيضاً الكثير من الوقت.

ولكن لماذا توضع حكومة الولايات المتحدة التي تم إخراج هذه المعلومات منها بطريقة غير مشروعة من قبل شخص ما، وكذا لماذا يوضع المحامون والقضاة الابتدائيون وقضاة الاستئناف تحت ضغط لا مبرر له؟

لقد أمضت النيويورك تايمز عدة أشهر حتى تمكنت من إحالة الموضوع للنشر ولكن أصبح الآن الحق المدعى به (الحق في المعرفة) فجأة حقاً يستوجب الدفاع عنه فوراً وبدون تأخير.

فهل سيكون من غير المعقول، طالما أن الصحيفة كانت تتوقع اعتراض الحكومة على نشر هذه المواد السرية، أن نعطي الحكومة الفرصة لمراجعة مجموعة الوثائق ولكي تقرر ما إذا كان بالإمكان الوصول إلى اتفاق مع النيويورك تايمز حول مسألة نشرها؟ ولا يهم هنا ما إذا كانت الوثائق قد سرقت أم لا، إذا كانت المسألة الأمنية غير معرضة للخطر. فقد كان يمكن نزع السرية عن الكثير من الوثائق لأنها تمتد خلال فترة تنتهي في 1968م. فإذا تم اتباع هذه الطريقة، وهي طريقة مارستها الصحافة في الماضي، وأعلنت بأنها واجبة على الصحافة المحترمة، فقد كان يمكن للحكومة وللصحيفتين أن يضيقوا من مساحة الاختلاف حول ما ينبغي نشره وعدم نشره، مع ترك بقية الأمور المختلف عليها لكي يحسمها القضاء على نحو عادي. ويبدو لي أنه من الصعب عليّ أن أصدق أن صحيفة نظر إليها كمؤسسة عظيمة في الحياة الأمريكية تعجز عن القيام بأحد الواجبات الأساسية والبسيطة التي تقع على عاتق كل مواطن عندما يكتشف أو يحوز ملكية مسروقة أو وثائق حكومية سرية. ويكمن هذا الواجب في رأي، في أن يقوم الشخص المعني بإرجاعها إلى الموظفين العامين المختصين.

ويسري هذا الواجب على سائق التاكسي وعلى القضاة وعلى صحيفة النيويورك تايمز. ولكن المسلك الذي سلكته النيويورك تايمز، سواء حسبته على هذا النحو أم لا، قد ألغى أية إمكانية لتقديم هذا النزاع للمقاضاة بشكل عادي.

إن موافقتنا على إصدار أمر بنظر القضية قبل صدور الحكم النهائي من محاكم الموضوع قد أجهض المحاكمة التي جرت في المحكمة الابتدائية ولم تمكنها من إعداد سجل متكامل حسب توجيه الدائرة الثانية لمحكمة الاستئناف.

ونتيجة لهذه السلسلة المحزنة من الأحداث فإننا لا نعرف الآن ماهية ما نقوم به. وإنني أرى أن هذا الموضوع قد أجبرنا على تناول نزاع متعلق بحقوق ذات نطاق كبير بدون أن يوجد له سجل قضائي مناسب، وبدون أن يتوفر وقت كاف لمعالجته معالجة ملائمة، سواء أثناء الإجراءات السابقة أو الإجراءات في هذه المحكمة. والأمر المثير للاهتمام هنا، أن محامي الطرفين كانوا دائماً غير قادرين، أثناء المناقشة الشفوية أمام هذه المحكمة، على الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالوقائع.

لذا أؤيد الحكم الصادر عن الدائرة الثانية لمحكمة الاستئناف وأسمح للمحكمة الابتدائية أن تكمل المحاكمة التي أجهضت بمنح أمر نظر القضية أمامنا، بينما أرى أن تتم المحافظة على الوضع الراهن في قضية الواشنطن بوست. وأوجه المحكمة الابتدائية بأن تعطي الأولوية لقضية النيويورك تايمز عند إحالتها إليها ولكني لا أضع لذلك تواريخ اعتباطية.

ويجب أن أضيف بأنني أتفق على وجه العموم مع ما عبر عنه القاضي وايت فيما يخص العقوبات الجنائية المتعلقة ببث أو احتجاز وثائق أو معلومات تخص الأمن الوطني.

جميعنا يطالب بقوة في الإسراع بالعملية القضائية ، ولكن عندما يقع القضاة تحت الضغط، كما هو الحال في قضيتنا هذه، تكون النتيجة إنكاراً للعدالة.

ثانياً: موقف القضاة في بعض الدول الديموقراطية من مسألة إجبار الصحفيين على الكشف عن مصادرهم الصحفية:
1 - موقف القضاء الأمريكي

أصدر القضاء الأمريكي العديد من الأحكام التي تمس حق الصحفيين في المحافظة على مصادرهم الإخبارية. و يتجلى الاتجاه العام لهذه الأحكام، في القضايا الجنائية على الصعيد الفيدرالي، في عدم احترام هذا الحق وفي إجبار الصحفيين على الكشف عن مصادرهم الصحفية سواء في مرحلة التحقيق أو مرحلة المحاكمة و ذلك منذ أن تبنت المحكمة العليا للولايات المتحدة هذا المبدأ عام 1972 في قضيةBranzburg V Hayes 408 U.S.665 (1972)

وسوف نعرض أبرز ما تناوله أحدث حكم أصدره القضاء الأمريكي حول هذا الموضوع، ونقصد به الحكم الصادر في 15 فبراير 2005م، من دائرة مقاطعة كولومبيا لمحكمة استئناف الولايات المتحدة الأمريكية الذي سوف نكتفي بعرض الأوامر التي نص عليها مع الخلفية التي أوردها عن تطور النزاع و ذلك نظراً لقصر الوقت المخصص لعرض هذا البحث و مناقشته.

United States Court of Appeals For the District of Columbia Circuit

Argued December 8, 2004

Decided February 15, 2005

IN: GRAND JURY SUBPONEA, Judith Miller

Consolidated with 04-3139-04-3140

محكمة استئناف الولايات المتحدة

لمنطقة دائرة مقاطعة كولومبيا

تم مناقشتها في 8 ديسمبر 2004م

صدر الحكم في 15 فبراير 2005م

أمر استدعاء أمام هيئة المحلفين الكبرى وجوديث ميلر
يستأنف كل من أحد المحققين الصحفيين في نيويورك تايمز، ومراسل المجلة الأسبوعية التايم في البيت الأبيض ومؤسسة التايم الأوامر الصادرة عن المحكمة الابتدائية لمقاطعة كولومبيا التي أدانتهم بالاحتقار المدني للمحكمة لرفضهم تقديم الإثبات وعدم استجابتهم لأوامر الاستدعاء الصادرة لهم أمام هيئة المحلفين الكبرى.

ويدعي المستأنفون أن المعلومات التي يخفونها، خاصة هوية المصادر السرية لمعلوماتهم الصحفية، محمية بالامتياز الخاص بالصحفي الذي ينجم عن التعديل الأول للدستور، فإن لم يكن هذا التعديل قابلاً للتطبيق، فإن حقهم محمي بالقانون غير المكتوب المسمى بالشريعة العامة Common Law.

وقد قررت المحكمة الابتدائية أن لا التعديل الأول للدستور ولا القانون الفيدرالي غير المكتوب يحميان المصادر السرية للصحفيين عند إجراء تحقيق أمام هيئة المحلفين الكبرى. وللأسباب المذكورة أدناه، نوافق المحكمة الابتدائية على القول بعدم وجود امتياز ينشأ عن التعديل الأول للدستور. ونستنتج أيضاً أنه إذا وجد أي امتياز بموجب القانون غير المكتوب، فإن هذا الامتياز ليس مطلقاً، وأنه تم تجاوزه في هذه القضية في الأمور التي وضعها المحامي الخاص في ملف المحكمة الابتدائية(أي في الطلبات و الدفوع التي قدمها)، كما نستنتج أن ادعاءات المستأنفين الأخرى بوجود أخطاء هي بدون أساس لذلك نؤيد القرار الصادر عن المحكمة الابتدائية.

خلفية القضية
وفقاً للملف المقدم أمامنا بدأ الخلاف الناشئ عن هذا النزاع بخلاف سياسي وإعلامي حول جملة وردت في خطاب الرئيس جورج بوش حول حالة الاتحاد في 28 يناير2003م.

وأوضح الرئيس بوش في هذا الخطاب بأن الحكومة البريطانية قد علمت أن صدام حسين قد حاول مؤخراً الحصول على كميات هامة من اليورانيوم من أفريقيا.

ولم يتركز الخلاف العلني حول المصدر البريطاني للمعلومة المذكورة بل حول دقة هذه المعلومة التي تفيد بأن صدام حسين قد سعى للحصول على اليورانيوم، الذي يشكل أحد العناصر الرئيسية في تطوير الأسلحة النووية، من أفريقيا. وقد تبع ذلك نشر العديد من المقالات. وفي 6 يوليو 2003م نشرت النيويورك تايمز مقالاً للسفير السابق جوزيف ويلسن، ادعى فيه بأنه أرسل إلى النيجر من قبل وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) استجابة لطلب من نائب الرئيس تشيني للتحقيق فيما إذا كان العراق يسعى لشراء اليورانيوم منها. وقد ادعى ويلسون بأنه قام بالتحقيق المطلوب ورفع تقريراً عند عودته بأنه لا يوجد دليل مقنع بأن العراق قد قام بمثل هذا المسعى.

وفي 14 يوليو 2003م نشر روبرت نوفاك عموداً في جريدة شيكاجو سن تايمس أكد فيه أن القرار بإرسال ويلسون إلى النيجر قد اتخذ (بصورة روتينية وبدون معرفة مدير السي آي ايه جورج تينيت، كما أكد وهو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للنزاع الحالي، أن اثنين من كبار موظفي الإدارة الأمريكية قد أخبراه بأن اختيار ويلسون قد تم بناء على مقترح من زوجته «فاليري بالم» التي وصفها نوفاك بأنها متخصصة حول أسلحة الدمار الشامل في السي آي ايه).

في أعقاب نشر عمود نوفاك، نشرت وسائل إعلام مختلفة قصصاً روى فيها الصحفيون بأنهم قد أخبروا من قبل موظفين حكوميين بأن زوجة ويلسون تعمل لدى السي آي ايه كمراقبة لأسلحة الدمار الشامل وأنها متورطة في عملية اختيار زوجها لمهمة في النيجر.

و ورد في مقال نشر في التايم دوت كوم Time.Com بتاريخ 17 يوليو 2003 لماثيو كوبر ما يلي:

«أوضح عدد من المسؤولين الحكوميين للتايم في مقابلات جرت معهم… بأن زوجة ويلسون (فاليري بالم) موظفة لدى السي آي ايه تراقب تكاثر أسلحة الدمار الشامل . و رأوا بأنها متورطة في إرسال زوجها إلى النيجر للتحقيق في التقارير القائلة إن حكومة صدام حسين قد سعت لشراء كميات كبيرة من اليورانيوم».(انظر مقال ماثيو كوبر أهي حرب على ويلسن؟ تايم دوت كوم في 13 ديسمبر 2004م. وأوردت وسائل إعلام أخرى تقارير تفيد بأن اثنين من كبار موظفي البيت الأبيض استدعيا ستة صحفيين على الأقل في واشنطن وكشفا لهم عن هوية وعمل زوجة ويلسون).

و قامت وزارة العدل بتحقيق حول ما إذا خرق بعض موظفي الحكومة القانون الفيدرالي بكشفهم غير المرخص به عن هوية أحد عملاء السي آي ايه.

وعندما بدأ التحقيق في ديسمبر 2003م، تنحى النائب العام عن المشاركة فيه وخّول كامل صلاحياته فيه إلى نائب المدعي العام الذي بدوره عيّن وكيل النيابة للولايات المتحدة في المنطقة الشمالية لألينوي، كمحام خاص وخولّه صلاحياته الكاملة في التحقيق. وكجزء من التحقيق الجاري، بدأ تحقيق هيئة المحلفين الكبرى في يناير 2004م.

وقد قامت هيئة المحلفين الكبرى بالتنسيق مع المحامي الخاص فيتز جيرالد، بتحقيق واسع. وفي 21 مايو 2004م صدر أمر استدعاء من هيئة المحلفين الكبرى للمستأنف ماثيو كوبر تطلب منه فيه الإدلاء بشهادته وتقديم الوثائق المتعلقة بمقالين له صدرا بتاريخ 17 يوليو 2003م و21 يوليو 2003م. وقد رفض كوبر أن يمثل أمامها، حتى بعد أن عرض المحامي الخاص بأنه سيُضيق من نطاقه ليغطي فقط المحادثات التي دارت بين كوبر وشخص آخر حدده المحامي الخاص. وبدلاً من ذلك لجأ كوبر إلى القضاء لإلغاء أمر الاستدعاء. وفي 6 يوليو 2004م رفض القاضي الرئيسي لمحكمة الولايات المتحدة الابتدائية لمقاطعة كولومبيا الطلب الذي تقدم به كوبر في جلسة علنية، وأكد هذا الرفض مع أسبابه في أمر مكتوب صادر في 20 يوليو 2004م.

وصدر أمر استدعاء آخر ضد مؤسسة تايم يطلب منها تقديم نفس الوثائق التي طلب من كوبر تقديمها من قبل. ولجأت التايم أيضاً إلى القضاء لإلغاء أمر الاستدعاء.

وقد رفض كل من كوبر والتايم إطاعة أوامر الاستدعاء الصادرة لهما رغم رفض المحكمة الابتدائية طلباتهما. ووجدت المحكمة الابتدائية بعد ذلك أن كوبر والتايم قد رفضا إطاعة أوامر الاستدعاء الصادرة لهما بدون سبب مشروع وحكمت عليهما بالاحتقار المدني للقضاء.

وتقدم كل من كوبر والتايم باستئنافات ضد الحكمين الصادرين عليهما وبعد ذلك دارت مفاوضات لاحقة بينهما وبين المحامي الخاص، وافق خلالها كوبر على تقديم الشهادة والوثائق المتعلقة بمصدره الذي أخبره بأنه لا يعترض على تقديمها. وقد أوفى كوبر والتايم بالتزاماتهما بموجب الاتفاق، وتحرك المحامي الخاص لإلغاء أمر المحكمة ضدهما المتعلق باحتقار القضاء وتم شطب إعلانات الاستئناف.

وفي 13 سبتمبر 2004م أصدرت هيئة المحلفين الكبرى أمر استدعاء آخر إلى كوبر تطلب منه تقديم (الوثائق المتعلقة بالمحادثات التي دارت بينه ومصدر رسمي قبل 14 يوليو 2003م التي تتعلق بأي نحو بـ : السفير السابق جوزيف ويلسن، أو بالرحلة التي قام بها عام 2002م إلى النيجر أو بفاليري بالم (زوجة السفير السابق ويلسون). أو بأية علاقة تربط فاليري بالم بالسي آي ايه . كما صدر أمر استدعاء مماثل للتايم في 2 أغسطس 2004م طلب منها تقديم (جميع المذكرات، والتسجيلات الصوتية والبريد الإلكتروني أو الوثائق الأخرى الخاصة بماثيو كوبر والمتعلقة بمقالته التي نشرت في التايم دوت كوم بتاريخ 17 يوليو 2003م بعنوان (أهي حرب ضد ويلسون؟). والمقالة التي ظهرت في مجلة تايم مجازين بعنوان (مسألة ثقة) بتاريخ 21 يوليو 2003م.

و لجأ كل من كوبر والتايم مرة أخرى للقضاء لإلغاء أمري الاستدعاء الصادرين لهما. وفي 7 أكتوبر 2004م رفضت المحكمة الابتدائية طلباتهما. وقد رفض الاثنان الانصياع لأمر الاستدعاء، وفي 13 أكتوبر 2004م رأت المحكمة الابتدائية أن رفضهما لا يستند إلى سبب مشروع وحكمت على كليهما باحتقار المحكمة.

وفي هذه الأثناء خلال الفترة من 12-14 أغسطس 2004م صدرت أوامر استدعاء لجوديث ميلر تطلب منها تقديم الوثائق والشهادة حول المحادثات التي دارت بينها وبين موظف حكومي معين في أو حوالي 6 يوليو 2003م إلى تلك التي جرت في أو حوالي 13 يوليو 2003م والمتعلقة بفاليري بالمر ويلسون (سواء تمت الإشارة لها بالاسم أو بالوصف كزوجة السفير ويلسون أو تلك المتعلقة بالمحاولات العراقية للحصول على اليورانيوم).

وقد رفضت ميلر الانصياع لأمر الاستدعاء ولجأت إلى القضاء لإلغائه وبعد ذلك وجدت المحكمة الابتدائية أن ميلر قد رفضت الانصياع للأمر بدون سبب مشروع وحكمت عليها باحتقار المحكمة أيضاً. و استأنفت هي الأخرى الحكم الصادر عليها.

وقد تقدم المستأنفون أمام هذه المحكمة بدفاعهم بشكل موحد ويدافع عنهم محامون يتولون مهمة الدفاع المشترك عنهم. ويتمسكون بأربعة دفوع لإلغاء الأحكام الصادرة ضدهم.

يتعلق ادعاؤهم الأول بالتعديل الأول للدستور الذي يرون أنه يمنح الصحفيين حق إخفاء مصادر معلوماتهم حتى وإن صدر أمر استدعاء لهم من هيئة المحلفين الكبرى.

أما ادعاؤهم الثاني فيتعلق بالقانون غير المكتوب (الشريعة العامة CommonLaw) الذي يدعون أنه يخوّل للصحفيين الحق في عدم الكشف عن مصادر معلوماتهم كما يدعون أنه إذا كان هذا الحق غير مطلق، فإن الولايات المتحدة لم تستطع أن تتجاوزه في هذه القضية.

ويتعلق ادعاؤهم الثالث بأن المحامي الخاص قدم إثباتاً لهيئة المحلفين الكبرى بأن الولايات المتحدة قد تجاوزت ذلك الحق غير المطلق بغياب المستأنفين وفي جلسة سرية.

أما ادعاؤهم الأخير فيفيد أن المحامي الخاص لم يلتزم بالإرشادات الصادرة عن وزارة العدل والمتعلقة باستدعاء الصحفيين أمام القضاء.

ونحن نرى أنه لا يوجد أي أساس لمنح المستأنفين ما يطلبونه بموجب التعديل الأول للدستور وبموجب شرط المحاكمة الصحيحة أو بموجب إرشادات وزارة العدل كما أننا مقتنعون بأن الامتياز الذي ينص عليه القانون غير المكتوب قد تم تجاوزه في هذه القضية، لذا فإننا نؤيد الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية.

2- موقف القضاء البريطاني
X Ltd V Morgan-Grampian [ 1991 ] 1 A C

سنتناول تطور هذه القضية أمام القضاء البريطاني بإيجاز شديد لا يخل بجوهرها وذلك نظراً لضيق الوقت المخصص لعرض هذا البحث و مناقشته.

ويليام جودوين صحفي بريطاني يعيش في لندن التحق كصحفي متدرب بهيئة تحرير مجلة المهندس Engineer) ) التي تطبعها شركة مورجان جرامبيان.

وفي 2 نوفمبر 1989م اتصل به أحد الأشخاص الذي كان قد زوده في السابق بمعلومات عن نشاط عدة شركات. وقد أعطاه هذا المصدر معلومات عن شركة تيترا Tetraتفيد بأنها على وشك طلب قرض بخمسة مليون جنيه وأنها تعاني من مصاعب مالية نتيجة لخسارة غير متوقعة وقعت فيها بمبلغ 2.1 مليون جنيه، و أن حجم مبيعاتها في عام 1989م كان يقدر بـ 20.3 مليون جنيه. ولم يطلب جودوين من المصدر تقديم هذه المعلومات له كما أنها لم تعط له مقابل دفع أي مبلغ من المال ذلك لأنها قدمت طواعية. ويدعي جودوين بأنه لم يكن يوجد لديه سبب يدعوه للاعتقاد بأن هذه المعلومات مستخرجة من وثيقة مسروقة أو سرية.

وفي 6 و 7 نوفمبر 1989م عندما عزم على تحرير مقال عن شركة تيترا قام بالاتصال بالشركة ليدقق في الوقائع وليطلب تعليقاتها على تلك المعلومات. وكانت هذه المعلومات مستخلصة من خطة سرية لهيئة تيترا. وفي 1 نوفمبر 1989م كانت توجد ثمان نسخ لأحدث مسودة لتلك الخطة، خمس منها في حوزة كبار موظفي تيترا، وواحدة في الحسابات، وأخرى لدى أحد البنوك وواحدة لدى أحد الاستشاريين الخارجيين وقد كتب على كل نسخة (سرية للغاية). وقد تمت رؤية ملف قسم الحسابات لآخر مرة في حوالي الساعة الثالثة عصراً من يوم 1 نوفمبر في غرفة تستخدمها الحسابات في مبنى تيترا. وقد تركت الغرفة بدون وجود أي كان فيها ما بين الساعة الثالثة عصراً إلى الساعة الرابعة عصراً وخلال تلك الفترة اختفى الملف.

تطور القضية
في 7 نوفمبر 1989م منح القاضي هوفمان من محكمة العدل العليا شركة تيترا أمراً مؤقتاً يمنع الناشرين لمجلة المهندس من نشر أية معلومات تستخلص من خطة الهيئة.

و في 16 نوفمبر 1989م أبلغت الشركة جميع الصحف الوطنية والصحف الأخرى بأمر المنع هذا الذي صدر في غياب الناشرين.

وفي 14 نوفمبر 1989م أمر القاضي هوفمان الناشرين بناء على طلب الشركة وبموجب المادة 10 من قانون احتقار المحكمة لعام 1981م بأن يكشفوا في الساعة الثالثة من عصر يوم 15 نوفمبر عن المذكرات التي حررها جودوين عن المحادثة التليفونية المشار إليها أعلاه التي تحدد هوية مصدره.

ورفض الناشرون الانصياع لأمر المحكمة.

ورقة عمل قدمت الى ورشة العمل التي نظمتها وزارة العدل في 26-28/4/ 2005 حول اصلاحات القضاء في اليمن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى