رجال في ذاكرة التاريخ1- الشهيد سالم يسلم الهارش العولقي: شرف النضال وشرف الاستشهاد في الشمال2- السفير محسن علي صالح المرقشي: من ساحة النضال إلى حزب «خليك في البيت»

> «الأيام» نجيب محمد يابلي :

> 1- الشهيد سالم يسلم الهارش:الميلاد والنشأة..من كور العوالق البواسل ومن مدينة الصعيد ومن قرية اللجفة فيما كانت تعرف بمشيخة العوالق العليا كانت ولادة سالم يسلم الهارش عام 1938م. نشأ وترعرع في قريته اللجفة وحصل على تعليمه الأولي في أرض المشيخة. التحق بجيش اتحاد الجنوب العربي المعروف باسم «الجيش الاتحادي النضامي «FEDERAL REGULAR ARMY (FRA) » وترك الخدمة العسكرية بعد عامين من التحاقه.

سالم يسلم في مطار عدن
التحق سالم يسلم الهارش بمطار عدن الدولي في فترة العصر الذهبي لعدن، الذي كانت تعمل فيه مكاتب لشركات الطيران العربية والأقليمية والدولية وبلغ عدد تلك المكاتب آنذاك حوالي 21 مكتباً، حيث عين سالم يسلم بوظيفة «مراقب جوي» مما يؤكد ان خدمة عمله السابقة ارتبطت باللاحقة من حيث أبجديات الوظيفة والإلمام بقدر ما باللغة الانجليزية، وهي من اساسيات شروط العمل آنذاك.

سالم يسلم في ساحة عدن النضالية
القارئ والباحث والدارس والمتمعن في التاريخ سيخلص إلى أن عدن، وعدن وحدها لا شريك لها، أنها كانت محور العمل الوطني ومؤسسات المجتمع المدني في عموم القطر اليمني بدءاً من الإعداد لثورة 1948م الدستورية التي تزعمها آل الوزير، ومن رموزها الاستاذ أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري وغيرهم، وانتهاء بحصار صنعاء حيث شاركت عدن في الدفاع عن صنعاء.

ومن عدن آمن سالم يسلم الهارش بالقضية الوطنية، التي دارت في فلك الخلاص من الحكم البريطاني، ودخل عنصر السلاح ليحل محل الحوار فنشأ التنظيم الشعبي للقوى الثورية إلى جانب الجبهة القومية التي ملكت حق السبق بحمل السلاح، والتي اندمجت في مطلع عام 1966م مع منظمة التحرير وشكلتا «جبهة التحرير» وكانت المفأجاة الكبرى قبل نهاية العام نفسه عندما أعلنت الجبهة القومية فض الشراكة مع جبهة التحرير وواصلت مهمتها تحت رايتها «الجبهة القومية».

عند بروز التنظيم الشعبي اشتدت سخونة الساحة وارتفعت درجة حرارتها من خلال الفرق المكونة لذلك التنظيم، وهي: فرقة النجدة بقيادة سالم يسلم الهارش وفرقة سند والرسول بقيادة محمد ناصر القدح «مختار»، وفرقة صلاح الدين بقيادة عبدالرحمن الصريمي، وفرقة النصر بقيادة خالد أحمد سعيد «المفلحي» وفرقة المجد والوليد بقيادة شيخ الحمزة.

سالم يسلم يرفع السلاح بيمينه وسمو الأخلاق بشماله
أمنح شهادتي للتاريخ بكل علاته أن الشهيد سالم يسلم الهارش، قائد فرقة النجدة وأحد قادة المقاومة دفاعاً عن صنعاء مع رفيق دربه هاشم عمر إسماعيل وآخرين كان رجلاً يشهد له بشجاعته النادرة على جبهتي عدن وصنعاء، وأكد على مقولة شي جيفارا «إن الثورة يخطط لها العظماء وينفذها الأبطال ويأكل ثمرتها الأنذال» وأشهد بأن الشهيد سالم يسلم أو كما كان يعرف في أوساط الناس بـ (العم سالم)، كان رجلا بسيطاً ومتواضعاً ويكره التيه والكبر والغطرسة وسوء استخدام السلاح، خاصة مع الضعفاء، ولم يكن، يرحمه الله، يتهاون في مثل هذه الامور ورأيته وهو يوبخ ويعنف مقاتلين ويصف أعمالهم بأنها مجردة من الرجولة، ولن يتراجع عن اتخاذ قرار بالعقوب الميدانية وهي الإعدام رمياً بالرصاص ومثل هذا الرجل لا يتردد بدليل واقعة حدثت في قسم A بالشيخ عثمان، عندما تلقت السلطات الأمنية البريطانية بلاغاً بوجوده في المكان الفلاني، ودارت معركة ضروس حامية الوطيس بين القوات البريطانية وسالم يسلم وبعض من رجاله وتراجعت القوات البريطانية، وانسحب سالم يسلم من مسرح المعركة.

سالم يسلم في ساحة الدفاع عن صنعاء
في ملحمة الدفاع عن صنعاء المعروفة بـ «حصارالسبعين» التي دامت خلال الفترة من بداية ديسمبر 1967م وحتى 8 فبراير 1968م، انبرت أعداد كبيرة من الجنوبيين دفاعاً عن صنعاء، والذين قدموا اليها من المحافظات الجنوبية، إما نازحين قبل تسلم الجبهة القومية مقاليد السلطة في 30 نوفمبر 1967م، بعد الاقتتال الأهلي الثاني بين الجبهة القومية وخصومها من مقاتلي التنظيم الشعبي وجبهة التحرير والذي حسمه الجيش الاتحادي بالاعتراف بالجبهة القومية في 6 نوفمبر 1967م، أو جاؤوها (أي صنعاء) متطوعين.

من ضمن المقاتلين النازحين من الجنوب: سالم يسلم الهارش، هاشم عمر إسماعيل، نصر بن سيف، إبراهيم المولد، عبدالله فريد، علي بن علي شكري، محمد السحومي، فضل ناصر، محمد حسن، عيدروس السقاف، سعيد الجابري، صالح عبدالله الحاوش، محمد محسن بركات، محمد هاشم فارع، علي عبده إسماعيل، عوض محفوظ، قاسم السبراتي، محمد عبده، علي إسماعيل ومقاتلون من المراقشة وجبهة ردفان والضالع والحواشب وعدن.

وبعد منتصف ليلة رمضانية (يناير 1968م) وقبل تناول السحور تعرض رجال المقاومة الجنوبيون لوابل من طلقات النار الغادرة، واستشهد منهم نصر بن سيف وإبراهيم المولد وعبدالله فريد وعلي سيف الملقب بالحصيني، ووقع في الأسر هاشم عمر إسماعيل، سالم يسلم الهارش، وكان مثخناً بجراحه، وأطلقوا عليهما النار ليلحقا مع شهداء آخرين برفيقهم الأعلى تاركين وراءهم رصيدهم الوطني وأيتاماً وأرامل.

تكريم رمزي للمناضل سالم يسلم
حصد سالم يسلم الهارش وسامين بعد وفاته: 1- وسام الشجاعة من مجلس الرئاسة في الشطر الجنوبي سابقاً. 2- وسام 30 نوفمبر من رئيس الجمهورية اليمنية، المشيرعلي عبدالله صالح.

ماذا يقول نجله الأكبر محمد؟
محمد سالم يسلم الهارش العولقي، النجل الأكبر لسالم يسلم الهارش وهو من مواليد عام 1958م، الذي قدم لي بعض البيانات عن والده الشهيد سالم يسلم أحد قادة المقاومة في نقيل يسلح أثناء الحصار، أفادني ايضاً بأن أسرته لا تتلقى إلا ألف وخمسمائة ريال لا غير من دائرة الشهداء. هكذا يستشهد الرجال، وهكذا تعامل أسرهم، وهذا هو تاريخنا وهذه هي أخلاقياتنا.

2- السفير محسن علي صالح المرقشي:
الميلاد والنشأة..محسن علي صالح أحمد بلعيدي المرقشي، ينتمي إلى قبيلة المراقشة، إحدى أشهر قبائل آل فضل فيما كانت تعرف بالسلطنة الفضلية (محافظة أبين حالياً). السفير محسن المرقشي من مواليد 19 نوفمبر 1942م، في منطقة وادي العطف بجبل المراقشة، ونشأ يتيماً فشمرت والدته عن يديها وكافحت من أجل رعاية أيتامها الستة. عمل السفير محسن في مرحلة نعومة الأظفار في رعي الأغنام والزراعة لتخفيف العبء الكبير الذي ألقته الظروف على كاهل والدته.

السلطان أحمد عبدالله الفضلي في أولى محطات السفير المرقشي
أثناء ثورة المرازيق في العوالق العليا على الانجليز، تصدت القوات البريطانية لذلك التمرد وأرسلت حملات عسكرية لمواجهة الموقف، وفي العام 1955م وأثناء مرور قافلة عسكرية بريطانية بمنطقة ضحوكة (المراقشة) قام محمد علي المرقشي (الشقيق الاكبر لعلي صالح المرقشي) وصديقه حيدرة محمد المنصب بالهجوم على إحدى عربات الموكب، ولاذا بالفرار إلى جبل المراقشة ومنها إلى البيضاء خشية رد فعل الإنجليز.

شن الانجليز غارة جوية على جبل المراقشة وقام الحرس السلطاني باحتجاز رهينتين من آل بلعيد وهما: الشيخ محمد بن صالح المنصب والطفل محسن علي صالح، وكان في السادسة من عمره، وكبلا بالقيود وأُودعا سجن العاصمة زنجبار. ابتسم الحظ لمحسن المرقشي عندما زار السلطان أحمد عبدالله الفضلي ورأى المشهد المزري للطفل محسن وأصدر أمراً فورياً بفك القيد عن الطفل وأن يرافقه أحد الجنود كل صباح إلى المدرسة لتلقي التعليم والعودة إلى السجن.

المدرس سالمين في ثاني محطات السفير المرقشي
تلقى محسن علي صالح المرقشي تحصيله الدراسي الأولي في زنجبار، وفي المدرسة المتوسطة بزنجبار كانت المصادفة الأولى عندما التقى التلميذ محسن المرقشي بمربيه الفاضل سالم ربيع علي (سالمين) الذي أصبح لاحقاً رئيساً للمحافظات الجنوبية التي عرفت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية خلال الفترة يونيو 1969م - يونيو 1978م.

من ضمن زملاء محسن المرقشي في الدراسة: الصحفي أحمد مفتاح عبدالرب، يرحمه الله، العميد محمد مفتاح عبدالرب، سالم باجميل، محمد صداعي علي وعلي صالح بلعيدي، اكتفى محسن المرقشي بذلك القدر من التحصيل واستخرج شهادة إنهاء دراسته عام 1962م.

الحرس الفضلي بداية مشوار السفير المرقشي
التحق محسن علي المرقشي بالحرس الفضلي التابع للسلطنة الفضلية كعامل لا سلكي، وانتقل بعد فترة وجيزة الى الجيش الاتحادي النظامي FRA وعمل في سلاح الإشارة، وخلال تلك الفترة انخرط عدد من ضباط الجيش الى الجبهة القومية، التي كانت تقود الكفاح المسلح آنذاك، وكان محسن المرقشي أحد أولئك الضباط الذين اكتسبوا العضوية في تنظيم الجبهة القومية، وعمل مع زملاء له في تسريب الأسلحة من المعسكرات إلى مقاتلي الجبهة القومية.

الرحيل للتأهيل في بلاد العروبة سوريا
ابتُعث محسن علي المرقشي مع مجموعة من الضباط إلى سوريا بعد نيل المحافظات الجنوبية والشرقية استقلالها في 30 نوفمبر 1967م لدراسة القيادة والأركان، وبعد عامين من الدراسة العسكرية في سوريا عاد إلى عدن وعمل في قيادة عمليات وزارة الدفاع.

السفيرالمرقشي مع عبدربه منصور هادي في فرونزة
ابتُعث محسن علي المرقشي إلى الاتحاد السوفيتي (سابقاً) عام 1973م للالتحاق بأكاديمية فرونزا لدراسة القيادة والأركان، وهي الاكاديمية ذاتها التي درس فيها الرئيسان حافظ الاسد وحسني مبارك. كان من رفقائه في البعثة صديق عمره الفريق عبدربه منصور هادي، نائب رئيس الجمهورية حالياً.

وفي العام 1977م حصل محسن المرقشي على درجة ماجستير في العلوم العسكرية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف (مكتوبة بالخط الأحمر، وتلك دلالة على علو الدرجات التي تمنحها الأكاديمية) وتشرف المرقشي باحتلاله المرتبة الأولى على زملاء دفعته.

السفير المرقشي مع أستاذه سالمين مرة أخرى
بعد عودة محسن علي بلعيدي من أكاديمية فرونزة عام 1977م صدر قرار بتعيينه قائداً للواء 22 في منطقة العبر بين حضرموت وشبوة، وعين بعد أشهر معدودات مدرساً في الكلية العسكرية بمنطقة صلاح الدين في البريقة عدن، وكان من القريبين للرئيس سالم ربيع علي مع زملائه المراقشة أمثال أحمد سعيد مطهف بلعيدي وسعيد صالح منصور بلعيدي، اللذين استشهدا مع الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) في مسرحية 26 يونيو 1978م الدموية.

كان الرئيس الشهيد سالمين يحث أتباعه ومحبيه في الجيش على عدم زج أنفسهم في صراعات مع زملائهم في القوات المسلحة، إلا أن خصوم سالمين أخلوا بتعهدهم بنفيه إلى أثيوبيا، ونفذوا فيه حكم الإعدام مع زميليه جاعم صالح وعلي سالم لعور، وصُفّي العديد من أنصاره وحكم على محسن المرقشي بالإعدام، إلا أن الحكم خفف لاحقاً إلى السجن لمدة عامين. أُطلق سراحه عام 1980م وأنهيت خدمته العسكرية.

علي سالم البيض ينقذ المرقشي
عمل محسن المرقشي بعد خروجه من السجن عام 1980م مديراً للمشاريع اليمنية السوفيتية بأحور، وانتقل بعد ذلك مديراً للمؤسسة المحلية للنقل البري في أبين وانتقل بعد ذلك إلى ديوان وزارة التجارة والتموين بالمعلا حتى انفجار الأوضاع في 13 يناير 1986م. لم يمسه أي أذى لوقوفه على الحياد باعتباره من المحسوبين على سالمين.

عُيّن محسن المرقشي سكرتيراً للمكتب التنفيذي لمحافظة أبين (وكيل المحافظة) وعمل على تطبيع الأوضاع والنفوس وإطلاق سراح المعتقلين من السجون، وحقق عدداً من الإنجازات في مجال التنمية الأقتصادية والاجتماعية في نطاق المحافظة، الأمر الذي أثار حفيظة الحاقدين فطلبوا تصفيته جسدياً لولا تدخل علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الذي أمر بتحويله إلى وزارة الخارجية وتعيينه وزيراً مفوضاً في سفارة اليمن الديمقراطية في بكين خلال الفترة (1987- 1990م).

عاد المرقشي بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م وبحكم عضويته في مجلس الشعب الأعلى عُين عضواً في أول مجلس نواب في الجمهورية اليمنية. وفي العام 1992م عُين بدرجة سفير في السفارة اليمنية في طهران واستمر فيها حتى عام 1993م وانتقل بعد ذلك إلى السفارة اليمنية في السودان حتى يونيو 1995م.

السفير المرقشي من «حزب خليك في البيت»
عاد السفير المرقشي إلى الوطن عام 1995م وتم توقيفه عن العمل وأُحيل إلى التقاعد الإجباري، حيث تم تصنيفه ضمن الأنفصاليين. انتقل إلى العمل السياسي وأسس مع الحاج صالح باقيس وعبدالرحمن خبارة وعبدالله أحمد مسود ومحمد علي السعدي ومحمد علي هادي وآخرين حزب التكتل الوطني للمعارضة عام 1996م، الذي دمج نفسه مع حزب رابطة أبناء اليمن عام 1998م.

المرقشي و مكرمة الأمير نايف بن عبدالعزيز
وفي العام 2003م داهم المرض السفير محسن المرقشي بعد وفاة نجله الأكبر «ناصر» في حادث مرور. تردت الأوضاع الصحية للسفير المرقشي وتكفل الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودية، بعلاجه على نفقته في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، ولا يزال السفير المرقشي يتردد على ذلك المستشفى عدة مرات في السنة لمواصلة العلاج والفحوصات في إطار تلك المكرمة.

للسفير محسن المرقشي أربعة أبناء ولدان هما ناصر ونصر وبنتان. وحائز على وسالم الإخلاص من الرئيس حيدر العطاس (قبل الوحدة) عام 1990م ووسام 30 نوفمبر من الرئيس علي عبدالله صالح في نوفمبر 1997م. رقي السفير محسن المرقشي إلى رتبة «لواء ركن» بموجب قرار جمهوري عام 2003م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى