انتحار المنسيين .. وقاحة وأكاذيب البنتاجون

> لندن «الأيام» ديفيد روز:

>
معسكر جوانتانامو
معسكر جوانتانامو
في معسكر جوانتانامو كانت الليلة مثل كل ليلة حارة وتبدو بلا نهاية,على الرغم من ان درجة الحرارة كانت قد انخفضت الى الاربعين مئوية في الخارج الا أن اسطح الزنازين وجدرانها الحديدية كانت تشع بالحرارة.. وفي صفين متقابلين من 24 زنزانة كانت ابرد قليلاً مما كانت عليه في منتصف النهار.

وتذكر السجين البريطاني السابق شفيق رسول أمس الأول" الليل كان اكثر سوءا من النهار" واضاف "تقدر ان تسمع الفئران وهي تركض والحشرات وهي تجن ولا يوجد هواء خصوصاً حيث توجد تلك المجموعة من الزنازين لا يوجد نسيم بالمرة".

وبحسب النظم في جوانتانامو فإن فريقاً من ستة أشخاص تابعين للشرطة العسكرية يجب ان يراقبوا باستمرار وكالعادة فإن اضواء لمبات النيون تبقى مضاءة وبحسب نفس النظم فإنه يتوجب على شرطي، المرور بكل سجين كل ثلاثين ثانية.

ويقول شفيق "من منبسط سلم المبنى بإمكانك الرؤية داخل كل الزنازين فلا يوجد ابواب وإنما متاريس عبارة عن جدار واسع من الشبك الحديدي ولايوجد خصوصية بالمرة فاذا علقت منشفة لتسترك وانت تستعمل المرحاض يأمرونك مباشرة بإنزالها".

وفي اكثر من اربعة وعشرين مرة سابقة عنت درجة المراقبة القصوى ان محاولة السجناء الانتحار أفشلت مباشرة.

ويضيف شفيق"لقد حدث ذلك امامي عدة مرات ...كان الحراس يرون ما يحدث ويدخلون الى الزنزانة في ثواني وينزلون السجين من المشنقة".... ولكن وبطريقة ما وفي ظروف نجح البنتاجون في جعلها مبهمة بالكامل، ففي ليلة 9 يونيو الماضية ليس واحد بل ثلاثة من السجناء كلهم ضعفاء وهزيلون بعد أشهر من التغذية القسرية وهم في إضراب عن الطعام استطاعوا ان يفتلوا قماش أغطية السرير وربطها بفتحات الشبك الحديدي لجدران الزنازين جاعلين منها أنشوطات شنقوا انفسهم بها. ولأن الزنازين اطول بقليل من الرجال المحبوسين فيها فإن اعناقهم لم تكسر وإنما ماتوا ميتة بطيئة بالخنق.

ويقول الدكتور ديفيد نيكولز مستشار الاعصاب في مستشفى الملكة اليزابيث في برمنجهام وأحد المعارضين لجوانتانامو "ان ميتتهم كانت في بحر اربع او خمس دقائق وربما اطول".."من الصعب تخيل نجاحهم بالانتحار اذا كانت الزنازين مراقبة بشكل صحيح".

ولكنهم نجحوا فقبل منتصف الليل كانت الهيئة المتدلية لليمني أحمد عبدالله علي (29 عاماً) والسعوديين ياسر طلال الزهراني (21 عاماً) ومانع شامان العبادي(30 عاماً) قد عثر عليها في مجمع الفا تقريبا في نفس اللحظة.

ولم يفصح البنتاجون كم من الوقت مضى عليهم وهم في تلك الوضعية، وكان فم كل منهم محشواً بملابس الظاهر أنها لكتم اي صوت ألم وكانوا جميعهم ميتين.

وكالعادة سابقاً في الحرب الاعلامية على جوانتانامو فإن الجيش الامريكي وأسياده في واشنطن قرروا ان افضل طريقة للدفاع عما يبدو في افضل الأحوال قضية اهمال جنائي هو الهجوم.

فقال قائد جوانتانامو ادميرال البحرية هاري هاريس عند خروج القصة يوم السبت " انهم لا يعبأون للحياة الانسانية ليس حياتنا او حياتهم هم انفسهم.. كانوا اذكياء كانوا خلاقين ومصرين واعتقد انها حركة يأس ولكنها ايضاً حركة حرب ضدنا".

كولين جرافي وهو مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الامريكية والذي زار لندن مؤخراً للدفاع عن جوانتانامو لدى الاعلام البريطاني اعتبر ان الانتحار "خطوة علاقات عامة جيدة لجذب الانتباه وتكتيك لدعم قضية الجهاديين" ولكن وبحلول نهاية الاسبوع كانت الحكومة الامريكية تحاول التملص وابعاد نفسها عن تصريحات كولين جرافي.

وفي وقت مبكر يوم الاحد كنت قد تحدثت لوقت طويل مع اكبر المتحدثين الامريكين في واشنطن بخصوص معسكر جوانتانامو اليوتنانت جيفري دي جوردون، وهو مسؤول في مكتب وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد ومسؤول الاعلام للعالم الغربي في وزارة الدفاع الامريكية الذي قال انه مهما تكون النتائج التي سيتوصل اليها الفرع الجنائي في البحرية فلايوجد داع للحزن على موتهم.

وقال لقد كانوا ارهابيين مكرسين، لقد كانوا متعصبين مثل النازيين والهتلريين او الذين حوكموا في نورمبورج (مجرمي الحرب العالمية الثانية).

ثم استمر وقام بادعاءات ضد كل واحد منهم: احمد كان عميلاً للقاعدة من المستوى المتوسط الى العالي وله صلات جوهرية بابي زبيدة وهو قائد في القاعدة قبض عليه في 2002 . العبادي كان يستقطب الاعضاء الجدد وعمل مع منظمة أخرى اسمها جماعة التبليغ، وكان لديه معلومات عن عمليات في باكستان وقطر..اما الزهراني فكان مقاتلاً في صفوف الطالبان ولعب دورا كبيرا في انتفاضة سجن مزار الشريف في نوفمبر 2001 والتي قتل فيها عميل للمخابرات الامريكية.. كل ذلك يمكن ان يكون صحيحا ولكن بالمقابل فإن الثلاثة لم يتم اتهامهم بأي شيء.

وبالرغم من التشكيك بها فإن الافادات التي انتزعت بالتعذيب او الترهيب فإن البنتاجون قام بنشر بعض الادلة ضد اكثر من 300 من معتقلي جوانتانامو في المحاكم الفيدرالية ولجان جوانتانامو الداخلية التي تقوم بتقييم السجناء ومراجعة حجزهم..اما الثلاثة المنتحرون فلم يقدم اي شيء ضدهم.

ويرفض قائد جوانتانامو تفسير الانتحار القائل ان الثلاثة حاولوا قتل انفسهم بسبب اليأس ونجحوا بسبب الاهمال وعدم كفاءة موظفي المعتقل وهو التفسير الاكثر احتمالاً.

ويقول شفيق" لقد صدمت لما حصل ولكني لست متفاجئا لاني شهدت حصول محاولات مرات عدة وكان الامر مخيفا دائماً فقد شاهدت السجناء ينهارون عقلياً امام عيني حتى أنهم يحاولون الانتحار ودائما ما تفكر بأنك يمكن ان تكون كذلك في المستقبل".

حتى الآن لاتزال الحقيقة غائبة على الرغم من ان المعركة لكشفها لاتزال مستعرة.. لقد أطلقت عملية الانتحار نداءات جديدة لإغلاق المعتقل من قبل لوردات بريطانيين والاتحاد الاوروبي وآخرين ولكن وكما اكتشفت وعلى حسابي الخاص فإن البنتاجون مستعد للذهاب الى ابعد ما يكون لإيقاف أي تمحيص مستقل في حقيقة ما حدث.

فقد تسربت القصة بينما كنت أطير من لندن الى واشنطن من اجل السفر الى جوانتانامو كما كنت اعتقد في اليوم التالي على متن رحلة عسكرية لتغطية لجنة قضائية عسكرية..

استلمت رسالة نصية على تلفوني المحمول من صحفي زميل لي من لندن يبلغني ان الرحلة واللجنة قد ألغيتا...

وعندها بدأت اول اتصال من عدة اتصالات كثيرة لاحقة بجفري جوردون .. في البداية كان مفيدا لدرجة كبيرة لدخول جوانتانامو فقال إن اي شخص بحاجة الى تصريح لدخول المنطقة ولأن تصريحي صدر للجنة العسكرية فإنه يعتبر لاغياً، ولكن مكتب الصحافة في جوانتانامو او في القيادة الجنوبية في ميامي ربما يستطيع مساعدتي لاستخراج تصريح.. وقال: "لقد اتيت من مكان بعيد وسيكون من المحبط ألا تستطيع الوصول الى هناك".

ولم يكن التصريح هو المشكلة الوحيدة كما اشار هو، فرحلة الطيران العسكرية قد تم إلغاؤها والوسيلة الوحدة للوصول الى جوانتانامو هو رحلة جوية ذات 18 مقعدا من فلوريدا او جامايكا في العادة محجوزة بشكل كامل.

وبوجود صحفي بريطاني آخر اتفقنا على ان اقوم انا بترتيب التصريح بينما يقوم هو بالبحث عن رحلة جوية وبنهاية يوم الأحد كنا نعتقد اننا في طريقنا الى هنالك فقد وجد زميلي رحلة خاصة ستكلفنا 4000 دولار وهي باهضة الثمن ولكن بالنظر الى القصة الدرامية التي لا تزال تتفتح في جوانتانامو فقد كانت تستحق الثمن.

تحدثت الى مدير الاعلام في جوانتانامو الكوماندر روبرت دوران،د وكما شرح في رسالة الكترونية فإنه كان يسعى لاستخراج التصريح من الادميرال هاريس قائد جوانتانامو.

وقال دوراند" انه شخص منفتح .. ولا أرى أي سبب يمنع منحكما التصريح بما انكما كنتما في الطريق إلى هنا اساساً".

وفي الساعة 30:7 مساء اتصل احد موظفي دوراند ليقول إن التصريح قد صدر.. وأرسله إلينا بالفاكس بعد دقائق من ذلك.

في الصباح التالي استيقظنا لنطير الى ميامي حيث اتصلنا بجوانتانامو مرة أخرى وتأكدنا ان كل شيء كما يرام وقيل لنا إنه كذلك.. فقمنا بدفع 4000 دولار لا ترد وطرنا الى جامايكا، وفي الساعة الثانية بعد الظهر حاولنا الصعود الى رحلتنا الخاصة حيث كان المدير المتأسف ينتظرنا قائلاً" انتما الصحفيان؟ أنا متأسف فقد اتصل بي جيفري جوردون من البنتاجون قبل خمس دقائق وقد تم إلغاء تصريحكما".... وفي الـ48 ساعة التالية دخلت في عدة مكالمات ساخنة ومبادلات بالبريد الالكتروني مع جيفري جوردون.

في البداية كان معتذراً قائلاً ان التصريح الجديد كان " غلطة" وإنه سيحاول ان يستعيد المبالغ التي قمنا بدفعها ... بعد ذلك كان عدوانياً متناسياً أنه نصحني بالاتصال بدوراند في جوانتانامو وادعى أننا حاولنا " الالتفاف" على البنتاجون بالحصول على تصاريح من كاتب في المعتقل.

اما رسالته الالكترونية الاخيرة فذهبت ابعد من ذلك قائلاً إن تصرفنا كان "مشكوكا فيه اخلاقياً في احسن الاحوال" وإنه على دوراند تفسير ما حصل، وفي الوقت الحالي فإن صلاحيته لإصدار التصاريح قد ألغيت وان مكتب رامسفيلد هو الوحيد المخول بذلك.

وفي الوقت نفسه أمر ثلاثة صحفيين امريكيين كانوا داخل جوانتانامو بالرحيل..

وبحسب تصريحات ناطق باسم البنتاجون نشرت في الصحافة الامريكية أن السبب كان أن صحفيين بريطانيين منعا من دخول المعتقل هددا برفع قضية في المحكمة اذا سمح للصحفيين الامريكيين بالبقاء. بالطبع كان ذلك غير صحيح.

اغلاق جوانتانامو للصحافة كان له تبعات مباشرة فقد عنى أنه لا يوجد صحفيون عندما اجرى الجنائيون عملهم وعندما قام الاطباء الشرعيون بالتشريح ولم يكن هنالك صحفيون عندما اقيمت جنازة لليمني بواسطة امام عسكري قبل ارساله الى بلده.كما كان من المستحيل قياس ردة الفعل لدى بقية المعتقلين.

وحتى نهاية تجربتنا الغريبة استمر جوردون بترديد مقولته ان "البنتاجون يعمل بشفافية" مما أثار المزيد من الاسئلة الرئيسية مثل .. عندما يتعلق الامر بجوانتانامو هل يستطيع العالم تصديق أي كلمة يقولها جوردون وكتيبته؟ هنالك تفسير آخر على الاقل لموت الثلاثة.

منذ بداية 2003 عندما اصدر الصليب الاحمر تقريره الأول من عدة تقارير تقول ان معتقلي جوانتانامو يمرون بمستويات مرتفعة من الاكتئاب، كان هنالك ادلة ان الاعتقال في جوانتانامو سبب مصائب للصحة العقلية للمعتقلين.

فليس من قبيل المفاجأة ان المعتقلين بخلاف عند استجوابهم يحصلون على فترتين من 30 دقيقة في الاسبوع للخروج من الزنازين التي لا تزيد مساحتها عن مساحة سريرين.. وقد تحمل بعضهم ذلك منذ بداية 2002 ولا يعرفون متى سيفرج عنهم اذا كان سيفرج عنهم.

وبحلول زيارتي في اكتوبر 2003 كان خمسهم يتناولون عقار بروزاك (عقار مضاد للاكتئاب) وكان هنالك 40 محاولة للانتحار بحلول اغسطس 2003 والتي يسميها البنتاجون في تقاريره "تصرفات ملتوية لايذاء النفس" تضليل، ربما، فقد رفضوا وبشكل مستمر اعطاء أي احصاءات عن هذه الـ"تصرفات ملتوية لايذاء النفس" مفضلين الادعاء بأنه منذ اعادة التصنيف لهذه المحاولات فقد تمت محاولتان اثنتان فقط للانتحار.

وقد زار جوانتانامو عدد من المحامين الامريكيين وقد تكلموا ببراعة عن معاناة المعتقلين، ففي إحدى الحالات في بداية هذا العام حاول احد السجناء ان يقتل نفسه اثناء لقائه بمحاميه الامريكي فقد استطاع بطريقة ما ان يقطع وريديه مما غطاه بالدم بينما راقب المحامي برعب غير قادر على التدخل بسبب الزجاج الذي يفصله عنه.

وقال طارق درجول، وهو سجين بريطاني سابق في جوانتانامو إنه يعرف كيف يمكن ان يكون قد تم الانتحار، ففي بعض الاحيان "لا يقوم الحراس بمراقبة السجناء وإنما يبقون في غرفتهم"... واضاف" انها مشية طويلة الى نهاية عنبر الزنزانات وفي بعض الليالي لم يكونوا راغبين في المشي وإنما يبقون في غرفتهم يدخنون ويلعبون الورق ويستمعون الى الموسيقى، وعندما يحتاج السجين الى شيء فإنه قد يصرخ لساعة قبل ان يأتوا.

يمكننا تخيل حدوث انتحار في سجن بريطاني فإذا حدث حصول انتحار لثلاثة سجناء فسيكون هنالك تحقيقات علنية وطرد بالجملة وبرامج تلفزيونية عن الحادث. لقد كان السجناء الثلاثة مضربين عن الطعام منذ منتصف صيف العام الماضي، وهذا يعني انه اربع مرات في اليوم يتم ربطهم في كراسي بحيث لا يستطيعون تحريك اعضائهم ويتم اطعامهم بالقوة اربع مرات في اليوم من خلال انبوب يمرر من الانف الى المعدة، ويتم اخراج الانبوب كل مرة ايضاً، وهي طريقة تصفها وثائق البنتاجون المقدمة الى المحكمة بأنها تسبب النزيف والغثيان ولا يصعب على المرء إقرار ان ذلك سيجعلهم مكتئبون.

وبحسب افادة رفعت عنها السرية لأحد المعتقلين قبل انتحار الثلاثة فقد قال له أحد السجانين " لقد فقدوا الامل في الحياة ولا يوجد أمل في اعينهم ولا يوجد أي طعام الآن لابقائهم على قيد الحياة" .

هذا السجين وهو المقيم البريطاني السابق شاكر عامر، قال لمحاميه كليف ستافورد سميث إن الرجال الثلاثة وآخرين ممن كانوا في الاضراب عن الطعام كانوا مريضين جداً بحيث إنهم وعند اطعامهم بالقوة اذا كان في الطعام أي بروتين كان يخرج من الجسد مباشرة مسبباً اسهالاً حاداً.

في الاسبوع المنصرم حصل رامسفيلد على ما يريد وهو إبعاد مراقبة الصحافة من جوانتانامو أثناء اكبر ازمة يمر بها، ففي المدى القصير فإن الامر محرج وربما تفادى عناوين مدمرة في الصحافة ولكن مكتب الصحافة سيعود للعمل وسيقوم بجولات الصحفيين المقننة بشدة.

وعلى محطةBBC1 قالم اللورد فالكونر بانتقاد المعتقل اكثر من أي وزير سبقه قائلاً انهأاصبح " لايطاق وخطأ" وأنه اصبح أداة لتجنيد عناصر سيهاجمون قيمنا. وكإثبات لما قاله، ففي اليوم التالي خرج معتقلون سابقون في جوانتانامو قائلين إن الثلاثة قد قتلوا وهو ادعاء تردد صداه لدى عائلات الضحايا والحكومة اليمنية.

ان رد فعل البنتاجون يمكن تلخيصه بالفزع وتلطيخ وإعاقة وقحة .. وبالنظر الى ذلك يجب ان تعذرونا للتفكير ان ذلك الإنكار الشديد كان لا وزن له.

"عن صحيفة الديلي ميل البريطانية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى