من مفكرة الأديب نجيب محفوظ .. أولى الجوائز كانت مناصفة مع علي أحمد باكثير

> «الأيام» محمد حمود أحمد:

> في فبراير من العام 1970 كتب صحفي ألماني: لو كان لدينا أديب كنجيب محفوظ لأنفقنا عليه الملايين حتى يحصل على جائزة نوبل، وقد حصل نجيب محفوظ بعد ثمانية عشر عاماً على الجائزة بدون كل هذه الملايين التي تحدث عنها الصحفي الألماني، بل بثمار سنوات الكفاح الصعبة وبالإبداع الجاد الأصيل. ولم يدخل جيب ندجيب محفوظ إلا قرش مضمّخ بعرقه وربما بدمه ودموعه. وإلا ماراً بسن قلمه فلقد كان عليه أن يعمل طويلاً دون انقطاع بل ربما دون انتظار الثمار أو استعجالها ولكنها جاءت إليه ساعية بقطوفها الجنية وحصادها الطيب. فلقد مر نجيب محفوظ بجوائز مجمع اللغة العربية في الاربعينات وجوائز الدولة في الخمسينات والستينات وبوأته أعماله قمة الأدب العربي في عصرنا حتى استطاعت جائزة نوبل أخيراً أن ترى قسمات وجهه المشع بالعبقرية والنبل والتواضع وإنكار الذات. وقال في حديث له مع يوسف القعيد حول حكايات خطواته الأولى إن أول جائزة حصل عليها كانت مناصفة مع علي أحمد باكثير، وأن هذه الجائزة رفعت روحه المعنوية كثيراً لفشله في نشر رواياته قبلها لدرجة أنه كان يكتب الروايات من أجل وضعها في الأدراج دون أمل في النشر. فالصبر والمثابرة والعمل والكفاح هي الركائز التي استند عليها نجيب محفوظ ليصل إلى هذه المكانة الرفيعة، ففي كتابه «أتحدث إليكم» الصادر عن دار العودة - بيروت في يوليو 1977م يقول: «إنني كنت تلميذاً مجتهداً، وأنك تستطيع أن تنسبني للعمال الذين بنوا الأهرام وليس المهندسين الذين اجتنوا الثمار.

وهذا يوضح لك السبب الذي جعلني استمر في الكتابة. إنني أكتب بدوافع أصيلة في نفسي، ولست أكتب للنشر والشهرة». لذلك فإن نجيب محفوظ يتمتع في كتاباته الروائية بأسلوب فريد، فحواره ممتع وشيق وشخوصه معمقة موظفة توظيفاً درامياً في البناء الروائي، وقصصه مع ذلك فيها من بساطة الحياة في الحارة الشعبية، يقرأ الإنسان البسيط قصصه فيفهمها ويقرؤها المثقف العارف فيستشف رموزها وإيحاءاتها وعمق رؤيتها ودلالاتها. أما عن أسلوبه في الكتابة فإن القراءة قد تصل بك حد الانبهار فتشعر وكأنك تعيش داخل محفل صوفي، على حد تعبير يحيى حقي، أستاذ نجيب محفوظ الذي يقول إنه يبحث في كل نشر عن لمسة من الشعر فيشهد له بقوله:«فتشت عن هذه اللمسات الشعرية عند نجيب محفوظ، وجدت أروع مثال لها في مناجاة كمال عبدالجواد لنفسه في (الثلاثية) وهو يسير خلف نعش لا يعلم أنه يضم حبيبته ولا أخجل إذا اعترفت لك أن عيني اغرورقتا بالدموع وأنا أقرأ هذا الشعر الجميل المنثور. كما أغرورقتا وأنا أشهد الست أمينة في (بين القصرين) مطرودة من بيت زوجها لأنها خرجت بدون إذن ولو لزيارة مسجد قريب.. أقول لقد وضعت يد رحيمة، كريمة في مهد نجيب محفوظ موهبة ورسمت له أصلح طريق يسلكه» (الهلال نوفمبر 1988م).

وما زالت أعمال نجيب محفوظ وهي - بعد وفاته - ستظل كذلك في المستقبل أيضاً تكشف أسراراً جمالية، فكرية جديدة، كلما تصدى ناقد لإعادة النظر فيها، وهذا بعض السحر المتجدد لأدب نجيب محفوظ.

لقد عاش نجيب محفوظ مع أبطاله حيوات عديدة وكنت تشعر وأنت تقرؤه أنه يعيش معك حياتك اليومية البسيطة، ولا نشك أنه يعيش حياة طويلة.. طويلة - بعد رحيله- على الرغم مما واجهه في حياته من مصاعب ومشاق، تغلب عليها بصبره ودأبه وتحمله تلك المشاق، وهي كثيرة. فقليلون هم الذين يعيشون حيوات طويلة، بعد الرحيل ذلك لأنه ظل حياً في أدبه، ينبض بالحياة وشكل الإحساس الطيب بالحياة خلاصة فلسفة نجيب محفوظ الروائية. لقد كانت الكتابة بالنسبة لمحفوظ فلسفة حياة، و لم يكتب أبداً راجياً المجد والشهرة التي جاءت إليه لتسجيل اسمه في قائمة الإبداع الخالد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى