الثلاثاء, 17 يونيو 2025
588
في الأرض متسع لكل التائبين، وفي السماء رب يفرح بتوبة العاصين، لكن بعض القلوب أقفلت أبوابها، لا تسمع لصوت الرحمة، ولا ترى في التوبة إلا مسرحية، وفي الستر إلا تواطؤا، وكأنهم أوكلوا لأنفسهم مغاليق الجنة ومفاتيح النار.
منذ يومين، كانت يافع سباقة، تسابق الريح لعتق رقبة شروق، لا أحد سأل، من هي؟ ولا ماذا فعلت؟ فالخطيئة معلقة برقبتها، أما القلوب الطيبة فمعلقة برجاء الأجر، وعيونهم مشدودة نحو السماء، حيث لا حاجة لأوراق اعتماد سوى النية.
تم العتق، وانفض الجمع على وعد بين العبد وربه، وسجل في دفاتر السماء أن دعوات المئات ولهجهم بالذكر والرجاء هزت جبل يافع، وأيقظت في الناس المروءة التي لا تشترى، وكتبت لشروق حياة ثانية، لا يعلم أحد كم فيها من الرجاء، وكم فيها من الألم.
لكن، ما الذي جد بعد أن تم العتق؟
لماذا تنبشون في سيرة امرأة انتهى حكم الأرض فيها، وتولاها حكم السماء؟ من الذي سمح لنفسه أن ينصب نفسه فوق التوبة؟ من الذي قرر أن "الستر" صار تواطؤا، وأن "الصفح" خيانة؟
وهنا نسألكم بالله الواحد الأحد وبقلب مجرد. تخيلها أختك، أو أقرب من تسكن قلبك، هل كنت ستفضحها بعد أن سترها الله؟ أم كنت ستنحاز للستر وتدعو لها بالهداية؟
تخيلها امرأة من بيتك، من دمك، وقد كتبت لها الحياة والستر من جديد، أفلا تكون أول من يمسح عنها دموعها بدلاً من أن تغرس في خاصرتها خنجر الشماتة؟
ما يحدث اليوم ليس دفاعاً عن شروق، ولا عن خطيئة، بل عن مبدأ كاد يندثر، مبدأ الستر، والرحمة، والعدل الذي لا يقتله الغل.
أقولها ببراءة ذمة، لا قدرة لي على حمل وزر اتهام، ولا شهوة لي لتفتيش عورات من سترهم الله.
أقولها لأننا خلقنا بشرًا، نذنب ونستغفر، نخطئ ونرجو، وليس من الحكمة أن نقتل من استحق الحياة بعفو رباني، فقط لأننا لا نعرف كيف نغفر.
يا فقهاء الفضيحة، هل سألتم أنفسكم من المستفيد من هذه الدماء الباردة التي تسيل في كلماتكم؟ ما الغاية من نكء الجراح؟ أفي هذا التوقيت بالذات؟ أهو الصدق أم تصفية حساب؟ أهو غيرة على الدين، أم رغبة دفينة في التنكيل؟
لقد أنهت يافع مهمتها، وانصرفت قوافلها شاكرة لله وراجية منه القبول، أما أنتم، فقد نصبتم مشنقة جديدة لشروق، لا قصاص فيها، بل قصاص بمداد القسوة والتشهير.
إن الفرق بين من يمهد طريق الهداية، ومن يفرش درب الفضيحة، كفرق الثرى عن الثريا، الأول يأتمر بأمر السماء، والثاني يرقص على جراح الآخرين باسم الفضيلة.
فطوبى لمن ستر، وأعان على التوبة، وخاف على عاره كما يخاف على نفسه.
وهنيئاً لكم مشروعكم الجديد، فأنتم اليوم لا تعتقون رقبة، بل تهيئون المقصلة، وتغسلون أيديكم من الدم بماء الشماتة.
لكن الله يعلم، والله أعدل وبه نستعين.