40 دولة تمتلك التكنولوجيا اللازمة لتصنيع قنبلة نووية بين عشية وضحاها .. 28 مفاعلاً نوويًا تحت البناء في العالم قد تصل إلى 5 آلاف خلال سنوات

> نيويورك «الايام» وليام برود ودافيد سانغر:

>
صورة لمفاعل نووي في الهند
صورة لمفاعل نووي في الهند
رفع اعلان كوريا الشمالية الاثنين الماضي أنها اجرت تجربة نووية ناجحة، عدد الدول التي يعتقد ان لديها اسلحة نووية الى 9 دول. الا ان المسؤولين في المجال النووي يقدرون ان 40 دولة اخرى تملك القدرة التكنولوجية، وفي بعض الحالات، المواد المطلوبة لصناعة القنبلة النووية. هذه القدرة، بالاضافة الى القوى النووية الجديدة في آسيا والشرق الاوسط، تهدد بوقوع عصر نووي جديد، طبقا لما ذكره المتخصصون في مجال الحد من الاسلحة، موضحين انه من المرجح ان تتخلى الدول عن القيود القديمة فيما يتعلق بالاسلحة النووية.

ومن المتوقع زيادة انتشار الاسلحة النووية مع مضاعفة اعتماد الدول على القوة النووية. وهو الامر الذي يعني امتلاك المزيد من البلاد القدرة على صنع وقود المفاعلات النووية، او بنفس المعدات وجهد اكبر قليلا، صنع وقود القنابل وهو اصعب جزء في المعادلة النووية.

والادلة على تزايد النشاطات النووية كثيرة ومتعددة. فمئات من الشركات تنقب عن اليورانيوم الآن بينما لم يكن العدد يزيد على عشرات قبل سنوات. وتعد كل من الارجنتين واستراليا وجنوب افريقيا برامج لتخصيب اليورانيوم، بينما تفكر بعض الدول الاخرى في الشيء ذاته. وقررت مصر احياء برنامجها لتطوير الطاقة النووية.

وادت المخاوف من تلك التطورات بوكالة الطاقة الذرية الى دعوة مئات من المسؤولين الحكوميين والخبراء من جميع انحاء العالم الى مؤتمر في فيينا في سبتمبر الماضي لمناقشة تشديد القيود على من يسمح له بإنتاج الوقود النووي. وأوضح سام نان الاختصاصي في انتشار الاسلحة النووية والسناتور الديمقراطي السابق فى الكونغرس الاميركى ان «هذه المخاطر عاجلة. نحن في سباق بين التعاون والكارثة، وفي تلك اللحظة فإن النتيجة غير واضحة». ولكن حتى وكالة الطاقة الذرية نفسها مسؤولة عن بعض التوتر المنتشر في تطوير الطاقة النووية. فلعدة عقود اتبعت الوكالة الترويج لطاقة نووية آمنة عن طريق عقد برامج مساعدات تقنية لمئات من البلاد. وبعض هذه المعلومات يمكن ان تكون مفيدة في برامج التسلح، وإن كان هدف المساعدات هو الاستخدام المدني فقط. ولا تزال الوكالة تساعد باكستان، التي فجرت قنبلة نووية في عام 1998 . كما انها ساعدت كوريا الشمالية حتى عقد مضى. كما انها تساعد اليوم ايران، التي يعتقد العديد من الخبراء انها قريبة من التوصل الى اساسيات صناعة قنبلة نووية. ويوجد 14 برنامجا للتعاون النووي مع ايران، بما فيها دراسة تطوير مختبر للابحاث النووية، بالاضافة الى مساعدتها في مشروع «مفاعل بوشهر». وقد ادى الاختبار النووي الذي اجرته كوريا الشمالية الى اثارة تساؤلات جديدة عما اذا كانت آسيا هي اول من سيشعر بـ «تأثير الدومينو» حيث تقوم بعض الدول، في اطار حماية نفسها، بتجميع كل التقنيات اللازمة لصناعة القنبلة النووية، او تصنع القنبلة لتنضم الى الدول المالكة للسلاح النووي. وفي الشرق الاوسط، ادت المواجهة مع ايران الى ظهور طموحات دول اخرى بالمنطقة لتطوير برامج نووية، خشية تحول طهران الى القوة العظمى في المنطقة. ويقدر محمد البرادعي المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية ان 49 دولة تعرف كيفية صناعة الاسلحة النووية، وحذر من ان التوتر العالمي يمكن ان يدفع بعضها لصناعة السلاح النووي. ويقول جورج اسي نائب رئيس تطوير الاعمال في كاميكو اكبر شركة مساهمة في العالم لتجارة اليورانيوم ومقرها كندا ان «تجدد الاهتمام النووي في تزايد». وفي لندن ذكرت الجمعية النووية العالمية ان 28 مفاعلا نوويا جديدا تحت البناء في جميع انحاء العالم، بالاضافة الى 62 تحت التخطيط و160 مفاعلا مقترحا، معظمها في آسيا. وتقدر كميات اليورانيوم المطلوبة لتلك المفاعلات بـ 65 الف طن. وبينما لا يزال غامضا ما اذا كان توسع البنية الاساسية للطاقة النووية المدنية سيؤدي الى زيادة عدد الدول التي تصنع الاسلحة النووية، فإن ذلك يمكن ان يمنح المزيد من الدول الوسائل للقيام بذلك. وتوجد طريقتان لتحويل التقنية المدنية الى استخدام نووي. اولها هي تخصيب وقود اليورانيوم من المستوى العادي الذي لا يزيد عن 5 في المائة للمفاعلات الى 90 في المائة، وهي النسبة المطلوبة لبناء القنبلة، وهي خطوة تتطلب عملية تخصيب اطول في اجهزة الطرد المركزي. اما الطريقة الثانية تحويل التقنية النووية من الاستخدام السلمي للعسكري، فهي اخذ الوقود المستنفد واستخدام البلوتونيوم الموجود به، وهو الوقود الرئيسي الآخر لتصنيع قنبلة. فالمؤسسة العسكرية البرازيلية على سبيل المثال، تبذل جهدا كبيرا منذ عدة عقود لتطوير اجهزة طرد مركزي لتخصيب وقود اليورانيوم لبناء القنبلة، وهو برنامج سري شجبته في التسعينات. وفي شهر مايو الماضي، افتتحت البرازيل، بالرغم من الضغوط الدولية للتخلي عن انتاج الوقود النووي، اول مجمع لتخصيب اليورانيوم. وهو مجموعة من اجهزة الطرد المركزي المتقدمة في رسندي في ولاية ريو دي جانيرو. وفي الوقت الذي اثارت فيه ايران الشكوك لانشاء مفاعل مماثل، فإن البرازيل تمكنت من طمأنة الدول الاخرى، ووكالة الطاقة الذرية الدولية بأن هدفها سلمي.

ويصعب تقدير حجم قطاع الصناعات النووية. وبالرغم من ذلك، فإن التكهنات هائلة. فقد ذكر هانز هولغر روغنر وهو خبير اقتصادي في وكالة الطاقة الذرية الدولية، ان العديد من التقديرات بالنسبة للقرن الحادي والعشرين، تشير الى توسعات اكبر من عدد المفاعلات النووية المقامة حالية التي يصل عددها الى 443 مفاعلا. وأوضح الدكتور روغنر «وصول عدد المفاعلات الى 5 آلاف هو تقدير يدخل ضمن اطار عديد من الدراسات طويلة المدى. يبدو ان هناك سباقا ولا احد يرغب في البقاء وحيدا».

وبعد يوم من التجربة النووية لكوريا الشمالية، تعهد رئيس وزراء اليابان الجديد شينزو ابي بعدم التخلي عن التزام اليابان برفض وعدم امتلاك اسلحة نووية، وهو حجر الزاوية في السياسة الخارجية اليابانية منذ القاء اميركا قنبلتين نوويتين على مدينتى هيروشيما وناغازاكي. ولكن بالرغم من ذلك، فإن اليابان تملك كل عناصر بناء اسلحة نووية. فلديها اطنان من البلوتونيوم المستنفد من مفاعلاتها، طبقا لتقرير حكومي قدم في عام 2004 لوكالة الطاقة الذرية. وتجدر الاشارة الى ان قنبلة نووية صغيرة لا تحتاج لاكثر من 10 ارطال.

واليابان هي المثال الافضل «للبديل النووي»، فهي دولة يعرف العالم انه يمكنها ان تصبح دولة نووية بين عشية وضحاها اذا ما قررت ذلك. وقال روبرت غالوتشي المفاوض الاميركي السابق مع كوريا الشمالية وعميد كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورجتاون الاميركية «يمكن ان يصبحوا في مرحلة متقدمة للغاية تجاه الردع، بدون انتهاك اية معاهدات نووية دولية». وقد تعهدت كوريا الجنوبية ايضا بعدم السعي لاسلحة نووية. ولكنها لديها شبكة واسعة من المفاعلات النووية، ومنذ عدة سنوات عثر مفتشو وكالة الطاقة الذرية الدولية على ادلة على تجربة غير معلنة ليورانيوم عالي التخصيب. وفي اوائل التسعينات وقعت كوريا الجنوبية اتفاقية للحفاظ على الخليج الكوري خاليا من الصناعات النووية - الا انها وقعتها مع كوريا الشمالية.

اما الاهتمام الايراني النووي فقد ادى الى انتشار القلق من احتمال تعرض الشرق الاوسط الى ضغوط مماثلة. ففي المنطقة يعتقد ان اسرائيل هي الوحيدة التي تملك اسلحة نووية، بالرغم من انها لم تؤكد ذلك ابدا. واذا ما تمكنت ايران من بناء اسلحة نووية، فهناك مخاوف من ان القوى الاخرى في المنطقة ستحاول بناء قنابلها النووية.

ومصر، التي حاولت منذ زمن بعيد بناء اسلحة نووية، ربما بدأت في اعادة التفكير في موقفها السابق. ففي عام 1998 صدمت التجارب النووية للهند وباكستان القاهرة. وقال روبت اينهورن المسؤول الكبير السابق في مجال حظر انتشار الاسلحة النووية في وزارة الخارجية الاميركية «ان قادة مصر وضعوا رهانهم لمصلحة الشرق الاوسط وابتعاد العالم عن الاسلحة النووية. غير ان ذلك كان اشارة مقلقة الى ان الحركة تسير في الاتجاه الآخر».

وقد كشفت وكالة الطاقة الذرية الدولية مؤخرا ان مصر تحتفظ ببعض جهودها القديمة والجديدة في سرية، ويشمل ذلك مشروعا مستمرا للحصول على خام اليورانيوم من صحراء سيناء. وفي شهر سبتمبر الماضي، اعلنت القاهرة خطة لإحياء برنامجها المتوقف لإقامة مفاعلات نووية من اجل الطاقة النووية. ولم تقدم اية اشارة عما اذا كانت، مثل ايران، تنوي انتاج وقود للمفاعلات بنفسها.

والسؤال المطروح الآن هو عما اذا كان الاختبار النووي لكوريا الشمالية، وتحدي ايران، سيؤديان الى تغيير المعادلة. ويوضح ماثيو بن من مدرسة كنيدي للشؤون الحكومية في جامعة هارفارد الذي يتابع انتشار التقنية النووية «عندما تحصل دول اضافية على القنبلة لا يؤدي ذلك الى خلق ضغوط جديدة. ولكن كل دولة حالة خاصة وهناك خطورة بسيطة من ان الدومينو سيسقط بسرعة، ولاسيما اذا ما اتخذنا خطوات لمنعه».

وعندما تجمع خبراء الشؤون النووية في فيينا في شهر سبتمبر لمناقشة قواعد جديدة للعصر النووي الثاني، كانت الاجراءات ناجمة عن الخوف من ان بعض القيود القديمة - التكنولوجية والسياسية - اصبحت ضعيفة. والاقتراح الرئيسي المطروح للنقاش في مقر وكالة الطاقة الذرية يبدو بسيطا: يجب عدم السماح للدول بتطوير وسائلها الخاصة لتخصيب اليورانيوم من اجل وقود المفاعلات، وهو الامر الذي ادعت ايران وبعض الدول الاخرى انه من حقها طبقا لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية. وبعد اربعين سنة من التوصل للمعاهدة، تبدو المخاطر هائلة. وتمضي وجهة النظر المطروحة للنقاش، ان البديل هو تجمع الدول معا من اجل بنك متعدد الجنسيات للوقود النووي حيث يمكنهم مراقبة بعضهم البعض، والتأكد من عدم تحويل أي وقود لبناء القنابل.

ويوضح سيرجي كيرينكو مدير وكالة الطاقة الذرية الفيدرالية الروسية «التهديد قائم. ونفهم ان هذه الحلول فقط التي يتم التوصل اليها معا، التي ستضمن حق كل الدول اليوم، هي التي ستنجح». وقد اتخذت روسيا المبادرة، فقد اقترحت تأسيس بنك للوقود النووي ستقيمه على اراضيها في العام القادم ، والذي يمكن ان يحقق لها مليارات الدولارات من مبيعات الوقود النووي. ولكن الخطوة الهامة كانت قرار وران بوفت الملياردير الاميركي وأحد رجال الخير تبرعه بخمسين مليون دولار لانشاء بنك للوقود النووي تديره وكالة الطاقة الذرية الدولية، وهو ما يجعل الامم المتحدة «الملاذ الاخير» لاي دولة تفكر في انتاج وقودها الخاص. وقد ايدت ادارة جورج بوش خططا مماثلة. ولكن بالرغم من الاتفاق على المشكلة، فإن الحلول تعرقلت بسبب الجدل من الدول التي تملك اسلحة نووية التي تريد الحفاظ على قدراتها، ومن الدول النامية التي تشتم رائحة مؤامرة لحرمانها من نفس الحقوق النووية التي استمتعت بها الدول الكبرى لسنوات عديدة.

عن «نيويورك تايمز»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى