تأملات في آية

> «الأيام» أسامة محمد الكلدي:

> ضرب الله عز وجل في القرآن كثيراً من الأمثلة للناس، ليستخرجوا بها الحق من الباطل وليعرفوا الصواب فيلتزموه، والخطأ فيجتنبوه، وحض على التفكر في الأمثال القرآنية وتفهم ما فيها من فنون الحكم وخزائن العلم، والدلائل الصحيحة المطابقة للواقع، الموافقة للعقل فقال سبحانه:{وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}(الحشر21).

ومن بين هذه الأمثال، مثل بديع ضربه الله عز وجل في سورة النحل آية (92) وهو ما جاء في قوله تعالى:{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً} فإن في هذه الآية مثلاً بليغاً لا ينيغي أن يمر علينا مرور الكرام. هذا المثل ضربه الله عز وجل لمن عاهد وأعطى المواثيق والأيمان وأكدها باللفظ وفاءً والتزاماً، ثم نقضها بسرعة غير مبال بما أكده من قبل، فكان هذا الفعل منه استهانة واضحة بمن تعاهد معه وحلف له بالالتزام والوفاء. يوضح هذا ويبينه الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون}(النحل 91) فكان ناقض العهود والأيمان بعد توكيدها شبيهاً بالمرأة التي ذكر الله أنها غزلت غزلاً فلما أحكمته وتم تماسكه نقضته نكثاً نكثاًً.قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/605) عند هذه الآية:«قال عبدالله بن كثير والسدي: هذه امراة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئاً نقضته بعد انبرامه. وقال مجاهد وقتاده وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. وهذا القول أرجح وأظهر، وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا؟» أه كلام ابن كثير رحمه الله. إذن فالآية عامة، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد جاءت الآية مبدوءة بـ(لا) الناهية التي تفيد التحريم، وهي بهذا تذم مشابهة أهل الحماقة والجهل الذي يسيئون التصرف في أمورهم ولا يفون بمواثيقهم وعهودهم مع الآخرين، وهي عامة أيضاً مع كل من عاهده الإنسان سواءً مع خالقه وربه، أو مع غيره من الناس.

وبالرجوع إلى آيات القرآن الكريم وجدنا ما يدل على أن نقض العهد وتكراره مرة بعد أخرى من صفات الكفار الذين هم شر الدواب على وجه الأرض فقال أصدق القائلين:{إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنونü الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون}(الأنفال 55-56) وقال في اليهود المغضوب عليهم:{أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون} (البقرة 100). وهو إلى جانب هذا كله من خصال المنافقين المبغوضين عند الله ورسوله ، فما أسوأ هذه الصفة، وما أقبح المتصفين بها. وعلى العكس من هؤلاء يصف الله أهل الإيمان بمراعاة الأيمان والوفاء بها فيقول عز من قائل:{والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون} (المعارج 32) وقال:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة 1) وقال:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}(الآحزاب 23). وبعد، فها هو رمضان يكاد يودعنا وقد أودعناه أعمالنا، فمن بقي بعد رمضان على العهد الذي قطعه على نفسه مع الله في رمضان زيادة في الإيمان ورجوعاً إلى الله وتوبة إليه، وقياماً بفرائض الله ، فمن بقي على هذا الحال بعد رمضان حتى يأتيه الموت فهو من الفائزين المفلحين، وغداً يلقى الأحبة محمداً وصحبه.. ومن عاهد الله في رمضان فصلى وصام، وقرأ وقام واستغفر وأتاب، ورجع وتاب، ثم طوى هذه الصفحات البيضاء بعد رمضان ورجع القهقرى، وعاد إلى الحور بعد الكور، واتبع الشهوات، فنقض ما أبرم، وهدم ما بنى وأحكم، فإنه والمرأة الخرقاء سواء بسواء، جهل وظلم وسفه، وحماقة ونقص دين ومروءة.

أيها المسلم الصائم: لقد أمسكت في مضان بنور تام، فلا تظلمه بالمعاصي بعد رمضان، ولا تتشبه باليهود والكفار والمنافقين الذين نقضوا ما عاهدوا الله عليه. بل كن كما قال الله لنبيه صلى الله علية وسلم:ةواعبد ربك حتى يأتيك اليقينج (الحجر 99) واليقين الموت.فواظب على فعل الخيرات وإقامة الصلوات وأداء الواجبات والأعمال المستحبات، بقدر الوسع والطاقات، وترك المحظورات، واجتناب المنهيات في جميع الحالات في رمضان وبعد رمضان، حتى الممات لتنال رضا رب الأرض والسموات، والفوز بالجنات والدرجات العاليات. والحمدالله رب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى