وطن ينفي أبناءه

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
على كثرة الحقائق المؤلمة التي نتعرف عليها كل يوم، والتي نلتقي بأصحابها وأبطالها ، المصحوبين بتفاصيلها الدقيقة المخيبة للآمال والمحبطة لكل ما هو جميل يمكن ان يمنحه هذا الوطن لأبنائه .. والتي نسردها ونطرحها تباعا - كما هي - للرأي العام، ولأصحاب القرار، تبدو وكأنما هي متلبسة برداء المبالغة والتهويل ، ولكن (الأمانة) و(المصداقية) والشعور بحجم المسؤولية تحتم علينا البعد (كلية) عن كل ما هو غير موضوعي ومبالغ فيه ، وعندها فقط يرتاح الضمير ونشعر أننا نساهم - بهذا القدر أو ذاك - في نصرة الحق والإعلاء من شأنه وسط غابات كثيفة من الظلم والتعسف والجبروت الأعمى .

وعلى كثرة المظالم الكبيرة التي نرصدها، وعلى قدر الشاكين - الصارخين بأعلى أصواتهم جراء الوجع والشعور بالمهانة وسلب الحقوق - تبدو (هواتفنا الجوالة) أقرب ما تكون لبدالات الطوارئ العامة في المستشفيات، فما أن ننتهي من تلقي تفاصيل مأساة حتى تتلوها أخرى أكثر مأساوية وأقوى إيلاما وتعجبا ... وفي هذا التكرار المستمر دلالات واضحة لا تستحق الكثير من العناء من أجل رصد أسبابها وصانعيها وعوامل تكرارها بهذه الوتيرة الغريبة من الإصرار على خلق المآسي وزرعها في أوساط الفقراء والمعدمين والمغلوبين على أمرهم والذين لا حول ولا قوة لهم إلا بالله ... وكفى بالله وكيلا وحسيبا ورقيبا فوق المتجبرين.

قال اليمنيون (السياسيون منهم).. وقال العالم معهم، إن تفكيك الجيش العراقي بكل مؤسساته العسكرية والإدارية كان خطأ استراتيجيا فادحا تم ارتكابه في مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي للعراق ... واعترفت الإدارة الأمريكية مؤخرا بهذا الخطأ الفادح الذي كلفها وكلف العراق أثمانا باهظة مازالت تدفع حتى اللحظةو ومازالت سببا من ضمن أسباب كثيرة في حمامات الدم المتعددة في بلاد الرافدين، ولكن هؤلاء الذين قالوا هذا الكلام في بلادنا، نسوا أو تناسوا أنهم قد ارتكبوا الخطأ الاستراتيجي الفادح ذاته حينما قاموا (بحل) جميع مكونات المؤسسات العسكرية في الجنوب في مرحلة ما بعد حرب 94م، مما ولد حشدا هائلا من البشر (العاطلين عن العمل) قهرا وتعسفا ومصادرة للحقوق .

عميد ركن بحري ... يحمل تخصصا عسكريا نادرا ، تم تسريحه (بالتقاعد) غير المستحق مؤخرا ، وتم تحويله تحت إشراف (إرادة صديقة) لا تملك القرار إلى رصيف البطالة المعبأة بالغبن والشعور بالمهانة لأسباب لا تخرج عن فكرة الحسابات الضيقة - ضيق فكر أصحابها وفهمهم لمعنى الوطن.. هذا (العميد المسرح) تم استبداله بكادر (عربي - متقاعد) !! استقدم من دولة عربية شقيقة، لكي يقوم بإلقاء الدروس العسكرية ذاتها التي كان يلقيها ويعلمها ابن الوطن المسرح، ولكي يصرف له راتب شهري بالعملة الصعبة يتجاوز راتب صديقنا الوطني بمئات الدولارات !

عميدنا الركن هذا الذي أتحدث عنه .. هاتفني - وهو يقسم بالله - أنه قد اضطر إلى بيع (دبة الغاز) الاحتياطي لكي يطعم أولاده في نهار يوم تعيس، قبل أن يخبرني بأنه يحتفظ باسم بديله الأجنبي ، تماما كما يحتفظ داخل خلجات مشاعره وأحاسيسه بكل معاني الظلم والغبن الذي يشعر به في هذا الوطن ، الذي نفاه وأبعده من حقه وعزل عنه واجباته (الوطنية) ليمنحها لكفاءة (غير وطنية) مطالبا إياها أن تنتج ما هو (وطني) بديلا عما يمكن أن ينتجه ابن الوطن المبعد عن واجبه .

هذا الرجل الضحية، الذي غالبا ما يحمل (ملف قضيته) معه أينما حل وسار، والذي يحكي مأساته ومعاناته، لا يقل حظا عن آلاف الأفراد العسكريين الآخرين الذين أحيلوا للتقاعد القسري، والذين تختلف محتويات ملفاتهم الشخصية - باختلاف مضامينها وأحجامها - بما ترويه من قصص غريبة وعجيبة يندي لها جبين الوطن ويتوارى منها خجلا.. إنها حالات تنتظر موقفا قويا من قبل السلطات العليا في البلاد، على اعتبار أن التغاضي عنها وتجاهلها هي وأصحابها ، يمكن أن يخلق احتقانات كبيرة لدى هذا الحشد الوطني غير اليسير، ومن غير المنصف أن يصل الظلم والتجاهل للحقوق الوطنية والخاصة إلى هذه الدرجة الخطيرة ... إننا ننبه هنا إلى مثل هذه الحالات ونشير إليها بقوة لعل وعسى أن تجد إشارتنا عيونا ترصدها وآذانا تسمعها وقلوبا تفقهها .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى